تطورات متسارعة: هل تخلت قطر عن المعارضة السورية؟ وماذا عن موقف أمريكا الجديد وما رأي تركيا؟

تطورات متسارعة: هل تخلت قطر عن المعارضة السورية؟ وماذا عن موقف أمريكا الجديد وما رأي تركيا؟

يبدو أن اللغط الذي تسببت به كازاخستان مؤخراً، عندما أعلنت نيتها التوقف عن استضافة اجتماعات مسار أستانا لم يكن صدفة أو اجتهاداً خاصاً من حكومة الدولة السوفياتية السابقة، بل توجهاً ينسجم ومجمل التطورات التي يشهدها الملف السوري، وخاصة مع تفاعلات الحراك العربي في هذا الملف.

ورغم أن العديد من الخبراء المختصين بشؤون منطقة آسيا الوسطى، ومنهم (بسام البني وطه العبد الواحد) لا يستبعدون أن يكون القرار كازاخياً خالصاً، مستندين على توجهات رئيس البلاد الحالي (قاسم توكاييف) نحو الوقوف في منطقة الحياد بين روسيا والغرب، والتخلص من هيمنة موسكو، إلا أن ذلك لا يبدو كافياً للكثيرين كي يتخذ قراراً بهذا الحجم الصادم في الوقت نفسه لروسيا ولتركيا كذلك، التي لا تقل أهمية ونفوذاً لدى أستانا.

وجهة نظر هؤلاء أن كازاخستان لا يمكن أن تقوم بذلك دون تنسيق مسبق مع روسيا، لكن أحمد طعمة رئيس وفد المعارضة الذي شارك في الجولة الأخيرة (رقم 20) من مفاوضات أستانا يقول، إنه ومن خلال استقراء ردة فعل المبعوث الروسي والوفد المرافق له في المؤتمر الصحفي الذي عقدوه لدى إدلاء نائب وزير الخارجية الكازاخستاني بتصريحه المتعلق بوقف المسار، فإن الموقف يوحي بالفعل أن موسكو تفاجأت بالأمر، وإن كان لا يمكن الجزم بذلك في النهاية، كما قال.

تركيا مستهدفة؟

وإذا كان بالإمكان أخذ هذه الملاحظة كمؤشر، فإن هذا يستدعى البحث في الجهة التي يمكن أن تكون كازاخستان تستند عليها لمواجهة تداعيات قرارها هذا التي بلا شك كانت تتوقعها من قبل جارتيها وشقيقاتها الأكبر (روسيا وتركيا).

جهتان أساسيتان يمكن ترشيحهما للعب هذا الدور، إذا ما أقررنا جدلاً أو تجاوزاً أن روسيا لا علاقة لها بالقرار ولم تكن على علم به: الأولى هي الولايات المتحدة، والثانية هي دول الجامعة العربية المعنية بمبادرة (الخطوة مقابل خطوة) مع نظام ميليشيا أسد.

لكن إلى أي حد يمكن لهاتين الجهتين التأثير بالقيادة الكازاخية التي يفترض بحكم عوامل التاريخ والجغرافيا أن تكون كل من روسيا وتركيا هما المؤثرتين عليها؟ وحتى مع افتراض هوامش باتت تحظى بها حكومة توكاييف بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، فإن العلاقة مع تركيا أهم بكثير للدولة العضو في منظمة الدول التركية، وتجمعها بأنقرة مشاريع جيو-اقتصادية واعدة، أهمها خط الربط السككي وغيره.

ما يدفع للحديث عن أهمية ونفوذ تركيا أيضاً لدى كازاخستان، هو اتفاق غالبية المحللين والمسؤولين في المعارضة السورية الذين ناقشناهم في المسألة، على أن إعلان نائب وزير الخارجية الكازاخستاني أن "الجولة 20 من صيغة أستانا ستكون الأخيرة" وتبريره ذلك بأن "سوريا عادت لجامعة الدول العربية، وأن أنقرة ماضية في التطبيع مع دمشق، وبالتالي فإن المسار قد حقق أهدافه ولا داعي لاستمراره" أمر يضر بتركيا التي لطالما تمسكت بالمسار لسبيين:

-الأول أنه سمح لها بإدارة الشمال السوري، منطقة نفوذها الحيوي ودائرة أمنها القومي في الجنوب.
-الثاني-حسب المحللين- أنه مكن المعارضة المدعومة من قبلها في هذه المنطقة، كما مكنها أكثر من التحكم بهذه المعارضة إلى حد الهيمنة عليها.

لذلك، فإن إنهاء مسار أستانا يعني بالنسبة لأنقرة استهدافاً لدورها وللمعارضة المتحالفة معها، خاصة وأن المبادرة العربية تهمش بوضوح المعارضة السورية بشكل عام، والمعارضة الحليفة لتركيا بشكل خاص، ليس فقط في طروحاتها أو في تصريحات المسؤولين عنها، بل وحتى عملياً.

تجاهل اتصالات المعارضة

فبعد تجاهل معظم وزراء لجنة المتابعة العربية التي عقدت اجتماعين حتى الآن، أي ذكر للمعارضة في تصريحاتهم حول مبادرة الحل في سوريا، وبعد أن تجاهل بيان القمة العربية الأخيرة وخطابات الزعماء فيها ذكر القرار 2254، كان لافتاً اتساع دائرة الدول العربية التي تتجاهل المعارضة السورية، حيث امتنعت وزارات الخارجية في هذه الدول عن الرد على الرسائل التي وجهتها هيئة التفاوض لها خلال الأيام الأخيرة الماضية.

المرة الأولى التي حدث فيها ذلك كانت غداة عقد هيئة التفاوض اجتماعها في جنيف بسويسرا، مطلع شهر حزيران /يونيو الجاري، حيث وجهت الدعوة لمندوبي كل من السعودية وقطر ومصر والأردن والجامعة العربية لحضور اللقاء مع مندوبي الدول الغربية الذين توافدوا بالفعل للقاء الهيئة، لكن فقط قطر ومصر من أرسلت مندوبيها إلى هناك.

إلا أن الأسوأ حصل خلال الأسبوع الماضي عندما تجاهلت جميع هذه الدول، بما فيها قطر ومصر، طلب الهيئة زيارتها.

مصادر خاصة كشفت لـ"أورينت نت" أن الهيئة خاطبت كل من (جامعة الدول العربية ومصر وقطر والسعودية والأردن) لتحديد مواعيد لزيارة مسؤولين فيها إلى هذه الدول، من أجل الاطلاع منها على آخر تطورات الملف السوري ومواقفها، إلا أن جميعها تجاهل هذه الخطابات.

وبينما لم يكن مفاجئاً، كما تقول المصادر، طريقة تعاطي بقية الدول وكذلك الجامعة العربية، فإن عدم ورود أي رد من الدوحة كان صادماً لها، لأنه أمر غير معتاد من قبل ويحدث للمرة الأولى، ويستدعي القلق بالتأكيد.

"قلق متفهم" على اعتبار أن قطر هي آخر الدول العربية الفاعلة التي لا تزال ترفض التطبيع رسمياً مع نظام ميليشيا أسد، والوحيدة التي ما زالت تكرر دعمها المعلن للمعارضة ول"مطالب الشعب السوري المحقة والعادلة" بالإضافة إلى كون الدوحة هي العاصمة العربية الوحيدة التي لا زالت تحتضن سفارة للإئتلاف، ولم يسبق لها على الإطلاق أن تأخرت بالرد على أي طلب من قبل مؤسسات المعارضة المرتبطة بتركيا للقاء المسؤولين فيها.

أرسلت "أورينت" أسئلة بهذا الخصوص إلى وزارة الخارجية القطرية عبر البريد الإلكتروني للتأكد من صحة المعلومات التي حصلت عليها بهذا الخصوص، والاستفسار عن سبب ذلك، لكن حتى لحظة نشر التقرير لم تتلق الرد.

كما إن المحرر وجه أسئلة بهذا الخصوص إلى المسؤولين في هيئة التفاوض، ورغم الوعد بالإجابة عنها إلا أن ذلك لم يحصل إلى الآن.
يمكن بالتأكيد تفهم تحفظات الهيئة وموقفها الصعب حيال هذا الأمر، فمن جهة هي لا تريد الإدلاء بأي تصريح ربما يؤدي لإزعاج الدوحة أو قد يقرأ على أنه تعجل، ومن جهة أخرى تشعر المؤسسة التي تضم ممثلين عن مختلف منصات المعارضة السورية بالقلق فعلاً.

ضوء في نفق

قلق لا يخفف منه في حقيقة الأمر سوى أن تركيا، الحليفة القوية لقطر، هي في نفس الخندق مع الائتلاف والفصائل العسكرية، أبرز مكونات هيئة التفاوض، التي إن كان من الممكن للدوحة أن تتخلى عن دعمها، فإنه ليس هناك من مؤشر على تخليها عن التحالف مع تركيا.

ضوء يتيم في النفق المعتم الذي تجد فيه المعارضة السورية نفسها حالياً فيه على صعيد العلاقات الأقليمية، رغم أنها غربياً لا تزال مرتاحة لتعاطي الولايات المتحدة والدول الأوربية مع مؤسساتها ومع الملف السوري بشكل عام.

من جهته فإن الباحث والمحلل السياسي في مركز جسور للدراسات (وائل علوان) لا يعتقد أن تركيا تشعر بأي ضغط في الملف السوري، بحكم استمرار الأريحية التي منحتها إياها الحرب في أوكرانيا، وكذلك انتهاء فترة الانتخابات الداخلية.

ويقول في تصريح لـ"أورينت نت": الوضع في أوكرانيا ما زال يفرض على روسيا والغرب استمرار الود والتنسيق مع الجانب التركي، بل إن عودة الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط عموماً، والملف السوري خصوصاً، سيمنح أنقرة أريحية أكبر وهي التي تخوض تحدي الحفاظ على تفاهماتها مع روسيا في سوريا التي عاد النفوذ الإيراني فيها ليتصاعد على حساب النفوذ الروسي الآخذ بالتراجع حتى في الدول المجاورة لها، وهذا يستدعي نظرياً تفاهمات أكبر بين تركيا وبين الولايات المتحدة، وليس العكس، أي بمعنى أنه ليس من مصلحة واشنطن اقصاء أنقرة من المشهد السوري، مثلما أنها لا يمكن أن تفكر بتهميش مؤسسات المعارضة، حتى وإن كان ذلك هدفاً بالنسبة لدول المبادرة العربية التي تشير المعطيات في الوقت نفسه إلى مباركة أمريكا لمبادرتها من أجل الحل في سوريا.

"لا قلق إذن من هذه الناحية" هذا هو ما يريد أن يخلص إليه علوان ربما، وهو المطلع بقوة على تفاصيل ملف علاقات مؤسسات المعارضة فيما بينها وفيما بينها وبين الدول الأخرى أيضاً، لكن ألا يجب القلق من توجهات الدول العربية للتلاقي مع نظام ميليشيا أسد في تجاهل المعارضة والتفاوض معه على أساس أنه حسم المعركة، وبالتالي لم يبق هناك داعي للحل السياسي داخلياً، بل تفاوضاً بينه وبين الدول لحل الخلافات والملفات العالقة، خاصة إذا ما دعمت الإدارة الأمريكية هذا التوجه بالفعل، أو أكثر من ذلك، إذا ما توافقت كل من روسيا والولايات المتحدة على احتضان المبادرة العربية ؟

سؤال كبير يجيب عليه علوان بالقول: أولاً من غير المستبعد رغم كل ما قلناه أن تكون روسيا مستفيدة من إعلان كازاخستان انتهاء مسار أستانا حتى وهي تدعي تفاجؤها، كما إنه من غير المستبعد أن تكون الولايات المتحدة، من خلال عودتها الجديدة للملف السوري، تريد تغيير مسار أستانا أو على الأقل إعادة صياغته بداية من حيث المكان، حيث تحسب أستانا على المجال الحيوي الروسي في النهاية، لكن من المستبعد أن يصل الأمر إلى حد موافقتها على إلغاء دور المعارضة كما تريد غالبية الدول العربية بالفعل.

كذلك فإن العلاقات الأمريكية التركية، يضيف علوان، تتجه لمزيد من التفاهمات في سوريا، وهناك معلومات عن اعطاء أنقرة مزيد من التطمينات بخصوص شمال شرق سوريا، بهدف وبشرط التعاون لمنع توسع النفوذ الإيراني في سوريا، وفي النهاية كل شيء مرتبط بما يجري بين روسيا وأوكرانيا، ولذلك أعتقد أنه من التعجل إصدار أحكام نهائية في الملف السوري قبل توضح اتجاهات الحرب الأوكرانية.

التطمينات التي يقدمها علوان قد تكون مهمة ومريحة للمعارضة الرسمية والشعبية السورية، لكن ماذا عن الاتصالات الروسية-العربية من أجل اعتماد مبادرة الحل العربي كمسار أساس ؟
في الواقع تشير المعلومات إلى اتصالات جدية بين موسكو وعواصم عربية بهذا الخصوص فعلاً، وهي عواصم غير ودودة تجاه الائتلاف وهيئة التفاوض بل ومجمل قوى المعارضة.
كما إن اللقاء الأخير بين وزيري خارجية قطر وإيران يصب بهذا الاتجاه، خاصة مع التسريبات التي تحدثت عن وساطة من طهران لتطبيع العلاقات رسمياً بين الدوحة ودمشق، مقابل مكافأة قطر بمنحها دوراً مهماً في حل المسألة السورية.

كل ذلك يزيد من المخاوف والهواجس، وإذا ما صحت المعلومات التي تحدثت عن تجاهل الدوحة ولأول مرة هذا الاسبوع طلب هيئة التفاوض زيارتها، فإن كل ما سبق تعتبر مؤشرات كبيرة على رغبة مشتركة لتصفية دور هذه المؤسسات كفاعل في الحل السوري، الأمر الذي يؤكد، كما يقول المؤمنون بالخيار التركي من المعارضين السوريين، بصحة موقف أنقرة الذي أصر باستمرار ولا يزال على أن تشارك مؤسسات المعارضة في جميع المسارات حتى لا تمنح الآخرين فرصة تجاوزها، فما الذي يمكن أو ما الذي يتوجب على قوى المعارضة فعله حالياً؟

التعليقات (1)

    على المعارضه

    ·منذ 9 أشهر 4 أسابيع
    الانبطاح كثيرا حتى لا يفوتها القطار الاخضر
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات