خرائط وقواعد تفاوض جديدة في الشمال السوري

خرائط وقواعد تفاوض جديدة في الشمال السوري

لم يعد مستغرباً أن تنهار الجبهات وأن تتصاعد لغة السلاح والخروقات التي يفتعلها الأسد وحلفاؤه على حدود المناطق الخارجة عن سيطرته قبل ومع أي جولة تفاوض سواءً كانت في جنيف أو اللجنة الدستورية أو اجتماعات أستانا, وأمام جولة جديدة معلنة في أستانا تترافق مع اجتماع آخر أكده بالأمس نائب وزير الخارجية المبعوث الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف بالقول: إن اجتماعاً لنواب وزراء خارجية روسيا وايران وسوريا وتركيا سيعقد في العاصمة الكازاخستانية أستانا في الـ21 من حزيران/يونيو الجاري, وهذا الاجتماع يأتي بعد فوز الرئيس رجب طيب أردوغان وتحالف حزب العدالة والتنمية (تحالف الجمهور) بالانتخابات التي جرت مؤخراً في تركيا, ما يعني أن هناك ضرورة لنظام الأسد ولإيران وقد يكون بتوافق مع موسكو, إشعال الجبهات على نطاق محدود لجس نبض القيادة التركية الجديدة, وخفض سقف التفاوض التركي المتوقع أن يكون عالياً بعد زوال الضغوط الداخلية والخارجية عن الرئيس أردوغان.

جس النبض الذي بدأ بقصف نُسب لقوات سوريا الديموقراطية لكن مصادر ميدانية أكدت أن ميليشيات أسد هي من قامت به, وطال القصف الصاروخي (12 صاروخاً) أطراف معبر باب السلامة ومنها ما سقط داخل الأراضي التركية, الرد التركي المدفعي لم يتأخر بقصف مواقع للأسد أصاب بإحدى قذائفه عربة للشرطة العسكرية الروسية أدت لمقتل جندي روسي وإصابة ثلاثة آخرين, التصعيد العسكري لم يقف عند هذا الحد من الجانب التركي الذي أراد إيصال رسالة قوية, فزج بطائراته المسيرة من نوع "البيرقدار" المذخرة لتقصف مواقع قيل إنها لقوات "قسد" في تل رفعت وأطراف منبج, وخرج بيان عن وزارة الدفاع التركية يقول: إنه تم تحييد 41 عنصراً من الـ pkk في تل رفعت ومنبج, فتحركت قاعدة حميميم عبر إعادة جنودها إلى داخل بلدة تل رفعت, مع إغلاق المجال الجوي السوري بوجه طائرات بيرقدار التركية, بعد أن كانت قد سمحت لها سابقاً بدوريات مضبوطة ومعلنة وبتنسيق مع غرفة عمليات قاعدة حميميم, والتصعيد العسكري امتد حتى لجبهات إدلب الجنوبية بعد تراشق مدفعي وصاروخي جرى في قرية "خان السبل".

في وقت سابق سُربت معلومات عن توافق روسي تركي إيراني على بقاء القوات التركية في سوريا لخمس سنوات على الأقل ريثما تستقر الأوضاع في سوريا, تضمن لتركيا عدم تعرض حدودها وولاياتها الجنوبية لأي مخاطر أمنية, ومن ثم تُفعل اتفاقية أضنة بعد تعديلها بتوافق تركي_ سوري وبضمان روسيا, لكن نظام الأسد قد يكون وافق على تلك التفاهمات بضغط روسي ولن يعمل على تنفيذها, ويبدو أن تركيا تُدرك ذلك لكنها لا تريد إحراج نظام الأسد, لأن التقارير الميدانية الواردة من الداخل حول تفاصيل ما حصل من تصعيد عسكري مؤخراً تؤكد أن القصف التركي لم يستهدف مواقع "قسد" بل طال مواقع ميليشيات الأسد وحلفائه بدليل أعداد النعوات التي صدرت لعدد ليس بقليل من عناصر ميليشيات الأسد ترافقت مع وقت القصف التركي.

التصعيد العسكري التركي كائناً من كان خلفه قد تكون له أهداف تكتيكية وقصيرة المدى, لكنها بالتأكيد لا تؤثر على العلاقة الإستراتيجية التي سعى إليها بوتين وأردوغان في ظل خلاف متصاعد بين أنقرة وواشنطن على خلفية دعم الأخيرة لقوات في شرقي الفرات تعتبرها أنقرة قوات إرهابية معادية والمقصود الـ pkk, لكن قد تكون من أهداف التصعيد خفض أسقف التفاوض التركية ومطالبها في سوريا, وتقليل أو تليين الشروط ( المخفية) التي تضعها أنقرة للمصالحة مع نظام الأسد.

المؤلم للسوريين في ظل كل تلك التشابكات والتعقيدات المتزايدة بالملف السوري, أنهم أصبحوا توابع لسياسات وإستراتيجيات وتفاهمات غير سوريا, سواء في مناطق النفوذ التركي أو النفوذ الروسي أو الأمريكي, ومرد ذلك لتنازلهم وبنسب متفاوتة عن قرارهم السياسي والعسكري وتحولهم لمنفذين لما يقرره الآخرون, وذاك أمر ينعكس ضعفاً على المعارضة في كل الملفات وخاصة ملف التفاوض مع نظام الأسد.

التصعيد العسكري يأتي في وقت يتحدث فيه السفير الروسي في دمشق والمبعوث الخاص للرئيس بوتين للملف السوري "الكسندر يفيموف" أن ملف التطبيع وإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق أمامه الكثير من العمل الشاق في الفترة القادمة وأنه من الصعب في غضون أسابيع أو أشهر قليلة استعادت ما جرى تدميره خلال 12 سنة", وأضاف: "في ضوء ذلك ينتظرنا الكثير من العمل الشــاق في هــذا الاتجاه، ويجب الاعتراف صراحة أن مواقف الطــرفين لا تزال بعيدة عن بعضها البعض". وهنا يبرز سؤال: هل التصعيد العسكري للنظام المدعوم روسياً هو جزء من هذا العمل الشاق الذي تحدث عنه يفيموف؟

لكن نائب وزير الخارجية الروسي “ميخائيل بوغدانوف” أكد بخلاف السفير "يفيموف" أن الاجتماع الجديد في أستانا سيكون مهماً نظراً لأن خارطة الطريق الروسية الجديدة في سوريا أصبحت جاهزة وسيتم طرحها على الشركاء في المباحثات المقبلة من أجل المضي قدماً في هذا المسار، وأن القيادة الروسية تولي أهمية كبيرة لهذا الاجتماع، لذلك فإنها سترسل وفداً روسياً كبيراً إلى العاصمة الكازاخية "أستانا" من أجل المباحثات التي ستعقد على مستوى نواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري بعد أيام.

بين بوغدانوف ويفيموف ونظام الأسد يشعر المتابع أنهم بغرف منفصلة وبعيدة كل البعد عن أي تواصل نظراً للتباين العميق بين تصريحاتهم وبين زعرنات ميليشيات أسد, فمن نصدق؟

هل ما يجري من تصعيد بالشمال السوري يعكس لغة النظام المبنية على العنف وإشاعة عدم الاستقرار؟, وهو ديدن النظام منذ عام 2011 وما زال, للهروب من أي استحقاق تفاوضي يرعب الأسد ويهز أرجل نظام حكمه الهش؟؟

أم نحن أمام تصعيد مدروس ومخطط عبر مناورة تكتيكية بالسلاح لإزالة بعض العراقيل من طريق التطبيع والتفاوض على مبدأ السفير يميفوف؟؟

أم نركن لتصريحات بوغدانوف المتفائلة والبعيدة منطقياً عن الواقع العسكري والجيوسياسي في المنطقة, خاصة بعد التحذيرات التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" في اجتماع جدة بالمملكة العربية السعودية مؤخراً على هامش اجتماع خاص بمحاربة الإرهاب, وفيه لوح "بلينكن" بالعصا الأمريكية اتجاه أي مؤسسة أو منظمة أو دولة تقترب من حدود العقوبات الأمريكية المفروضة على نظام الأسد, عدا عن مشروع قانون محاربة التطبيع مع الأسد الذي تجاوز مجلس النواب الأمريكي وبات على طاولات سيناتورات مجلس الشيوخ؟؟

ما حصل بالشمال مؤكد أنه لن يبعثر التفاهمات الإستراتيجية بين أنقرة وموسكو وطهران, لكنه بالتأكيد يجب أن يحتكم لقراءة جديدة بعد ما أفرزته الانتخابات التركية, ويجب أن يحذر وبانتباه شديد للتعاطي الأمريكي الجديد مع ملف التطبيع مع الأسد, وأن يقرأ جيداً موقف السوريين الرافض لأي تطبيع دون تطبيق القرار 2254 وبما (يتطابق معه) وليس (تماشياً معه) كما أصبح يتردد ببعض أدبيات البيانات العربية والتصريحات الصحفية لبعض المسؤولين العرب والإقليميين.

يبقى السؤال: أين الجناح العسكري للثورة والجيش الوطني من كل ما يحصل؟؟ وأين الموقف السياسي للائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات؟؟ وأين موقف الحكومة المؤقتة النائمة بالعسل؟؟

يقول سيناتور أمريكي: إن لم تكن على قائمة المدعوين فبالتأكيد ستكون على قائمة الطعام... فمتى نخرج من قائمة الطعام لنجلس مع المدعوين؟؟

التعليقات (2)

    غازي

    ·منذ 10 أشهر أسبوع
    لن نخرج أبدا

    Omar

    ·منذ 10 أشهر أسبوع
    الله أعلم بائعة الهوى عندها من الشرف والمروءة والنخوة والضمير أكثر من هؤلاء الملوك والأمراء والرؤساء العرب الذين يتصالحون مع بشار النصيري السفاخ اللقيط إبن أمه. عهرهم ودعارتهم أوصلتهم أيضا أن يتصالحوا مع الضبع الموجوسي الإيراني والذي أقسم بأن يجعل كل فارسي مليونيرا بعد أن يحتل السعودية ودول الخليج وطرد ماتبقى من سكانها بعد المذابح التي سيقومون بها ضد أهل السنة أي المسلمين. وهذا هو القاسم المشترك بين الحكام العرب والمجوس بحقدهم وكرههم للإسلام وأهله.أوامر من النورانيين بفتح أبواب الدول العربية أمام جحافل المجوس.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات