الجولاني وأبو ماريا بين مقصلة الإرهاب وجنّة المشروع الوطني

الجولاني وأبو ماريا بين مقصلة الإرهاب وجنّة المشروع الوطني

قدّمت الثورة السورية مع انطلاقتها نموذجاً وطنياً راقياً بشعاراتها وحماسها لاستعادة الدولة السورية من براثن الأسد، وزخرت بطاقات كانت ولا زالت مستعدة للتضحية من أجل هذا الحلم، ومع انتقال الثورة إلى الكفاح المسلح رسمت الثورة طريقها وخطت معالمها وبدأت بصناعة تجربتها مع قيادات العمل المسلح ورموز النضال السلمي والضباط المنشقين الذين كانوا مثالاً لكل نبيل رفض إطلاق النار على شعبه، فشكلت هذه الصورة كابوساً حقيقاً للنظام، ونستطيع أن نجزم أن صورة فدوى سليمان مع الساروت في حمص كانت مزلزلة لإركان النظام وإذا عدنا إلى إستراتيجية النظام السوري في تجنيد الإسلامويين - كما صرح علي مملوك ذات مرة - فكانوا هذه المرة أيضا حصان طروادة لإنقاذه، حيث انتهج  ثنائية العنف الطائفي الممنهج ضد السوريين، والإفراج عن معتقلي السلفية الجهادية التي قاتلت في أفغانستان والعراق، لكي يشعل ناراً قد تكون طوق نجاته.

و لكن بعد خروجهم من معتقلاته ومعتقلات حلفائه في العراق وامتلاكهم تنظيمات جهادية متشبعة بفكر القاعدة، دبّ الخلاف واشتعل الصراع على السلطة والمشروعية الجهادية، بين رجلي داعش البغدادي والجولاني، ما دفع الجولاني إلى خطوة متهورة سيدفع ثمنهاً غالياً لاحقاً، في مبايعته الرسمية لتنظيم القاعدة، وبنهاية هذا المشهد وهذه البيعة الكارثية يمكن أن نعتبر أن النظام نجح نسبياً في صياغة سرديته الخاصة أمام العالم عن الثورة (لا ثورة في سوريا بل إرهاب قاعدي وهو يحاربه) .

ولكن كان هذا الظهور الفج لهذه القوى، قد خلق أسئلة جدّية لدى الثوار السوريين، من أين أتى هؤلاء؟، من جلبهم؟ من أخرجهم؟ كيف لنظام يقتل غياث مطر أيقونة داريا ويعتقل عبد العزيز الخيّر وسواه ويلاحق رموز المعارضة وشباب الثورة، أن يفرج عن هؤلاء؟، الذين وعلى حد زعمه هو يحاربهم.. فظهورهم يوضح التخادم المتفق عليه والذي يبدو ضَمِنَ لهم صفقة الإفراج عنهم، مقابل الخدمات الجليلة التي قدموها، فهم مكّنوا النظام من خلق ذريعة لمواجهة الثورة وهي محاربة الإرهاب، ولنفس الحجة ونتيجة لبيعة الجولاني للقاعدة وقبلها إعلان خلافة البغدادي، تم منع السلاح النوعي عن الثوار لكي لا يقع بالأيادي الخاطئة، وهذا يكفي أعتقد لكي يكون هؤلاء أكبر كارثة داخل الثورة وعملية تفخيخ لها من قبل النظام الإجرامي الذي لطالما أتحفنا في فنون إجرامه. 

 مشروع الجولاني: (الجولاني بأي ثمن وبأي طريقة) 

يسير الجولاني على خطّين متوازيين، الخطوة على أحدهما تتطلب الخطوة على الآخر، هذان الخطّان يخدمانه في حال استطاع تطويع قوى الثورة الوطنية، والتي على كل علّاتها ومشاكلها تُعتبر التشكيل المعترف به دولياً وأممياً كقوة شرعية ومفاوضة أمام النظام المجرم، هذان الخطّان هما:

1. استملاك وتعفيش الاعتراف الدولي بالقوى الثورية عبر انخراطها تحت قيادته وحينها سيُجري تعديلات شكلية على تنظميه الحالي من قبيل حل الهيئة وحكومة الإنقاذ بعد تعفيش المؤسسات الرسمية للثورة وجعلها تخدم هدفه السلطوي لا هدف الثورة. 

2.  يستبقي على مهمته الأساسية كمنظمة "بلاك ووتر"، والتي كانت ولا زالت مكلفة بقتال الثورة من داخلها والقضاء عليها وبذلك ينجح في شطب الثورة كقضية عادلة وتحقيق هدف النظام وروسيا وإيران وأطراف أخرى يبدو أنهم دخلوا الحلبة بعد موجة التطبيع مع نظام الجريمة المنظمةـ لتبدو  القضية السورية في النهاية على أن هناك نظاماً يحارب الإرهاب فلا ثورة ولا هم يحلمون.  

لا بد من الاعتراف بأن وصول أبو ماريا القحطاني العراقي إلى مجلس الجولاني ورسمه الشخص الثاني في التنظيم شكّل علامة فارقة لدى الجولاني، لأن القحطاني رغم أنه الشخص الغامض والإشكالي في مسيرته، استطاع إحداث تغيّر مثير في السلوك الخارجي للجولاني وذلك عبر رسم شخصية  قاديروف - القائد الشيشاني الذي خاض صراعاً مع روسيا-  في شخصية الجولاني وتأمين الجسر التشريعي "صادر عن الشريعة" من خلال طبقة المشيخية المستعدة دائماً للفتاوى تحت الطلب،  فتجعل الحرام حلالاً  وربما تجعله هو نفسه حراماً بعد حين وهكذا، وبتشجيع منه بدأ الجولاني بخطوات تدريجية، فقام بتغيير اسم تنظيمه من جبهة النصرة إلى فتح الشام واستجلب وجوهاً محلية أجلسها جانبه محافظاً على ارتباطه بالقاعدة، ثم غيَّرها إلى هيئة تحرير الشام، وفكّ ارتباطه شكلياً مع القاعدة مع بقاء الفكر القاعدي مسيطراً عبر وجود قيادات ورموز هذا التنظيم وفكره الذي كانت المعسكرات القتالية تضخّمه في عقول المقاتلين.

لقد سارت التغيرات الشكلية التي عمل عليها الجولاني بالتدريج، مترافقة مع تغير طريقة ظهور الجولاني ومظهره الخارجي وكلامه الذي اتسم بالهدوء وتخلص من النبرة الخطابية الجهادية "المستعدية للغرب الكافر وطواغيت العالم"، ثم بدأ يتخلى عن الشخصيات الإشكالية ويبعدها كالمحيسني وأبو شعيب المصري وأبو اليقظان وسواهم، وبدأنا نشاهد قبولهم لوجود الإعلام الغربي ومقابلات مع صحفيين أمريكيين، وبدأنا نشاهد خدمات مخابراتية للتحالف الدولي ومنها الخدمة الجليلة التي قدمها بتقديم البغدادي كعربون أو دفعة على حساب قبوله الدولي كمحارب للإرهاب، لأن القبول الدولي به أصبح هاجساً مؤرقاً له، ولكنه لم ينجح رغم كل التنازلات التي بذلها، ما دفع الرجلين للبحث عن طرق أخرى عبر اتباع تكتيكات السياسة الناعمة، بعد فشل الصدام العسكري الخشن أكثر من مرة،  فمرة يداعب عواطف السنّة في امتلاك كيان لهم، وهو خارج نطاق أهداف الثورة السوريةـ وتارة يرفع شعارات الوطنية والمشروع الوطني ويظهر مع علم الثورة بعد أن ناصبه العداء مدة عشر سنوات أو أكثر. إذن بلغة أكثر وضوحاً كان هدف الجولاني الواضح هو ظهوره كشخص سلطوي مستعد لفعل كل شيء للإبقاء على سلطته والحفاظ عليها مستلهماً مثال قاديروف كنموذج  وهدف نهائي ونموذج حركة طالبان كماركة تسويقية يستدل بها على أن العالم سيخضع له في نهاية المطاف كما خضع لطالبان، فقط علينا أن نصدقه ونثق به ونجعله قائداً ملهماً تاريخياً علينا.  

المشروع الصدمة: موانع واقعية لشخص ينتحر على أسوار السلطة 

مع تغليف هدفه السلطوي بلبوس وطني هذه المرة، وليس بنكهة جهادية، أملاً منه باستمالة الثوار الذين ضاقوا ذرعاً بتصدّر بعض الشخصيات سياسيةً كانت أو عسكرية قد لا ترقى لمستوى تضحياتهم وطموحاتهم، تبقى العوائق المصيرية والأساسية التي ظلت وستظل مانعاً له ولصنوه القحطاني من الوصول إلى هدفهم رغم استخدام وسائل تسويقية براقة لهذا المشروع كعادتهم ولكن بنكهة أخرى ليست جهادية كما أسلفنا فكان شعار( محرر واحد ـ قيادة موحدة ) أو (قائد واحد وقائد المحرر) وتسويق الكذب عن قبولٍ دولي له ولمنظومته، كونه نجح في إدارة منطقته لكن بنموذج أمني قمعي مستبد يكرر صورة النظام الأسدي ويستلهمها، فما هي هذه الموانع؟  تنقسم هذه الموانع  إلى موانع  ذاتية، وموانع  موضوعية، ذاتية تخص فكر الجولاني المشبع بالفكر القاعدي والذي أمّن له المشروعية في الوجود، والذي سيجد صعوبة بالغة في التوفيق بين مقاتليه المؤلدجين على هذا الفكر وبين مقاتلي الثورة ومجتمعها المدني الحي والحاضر عند كل انحراف يواجه الثورة وسيكون عليه مواجهة منظومة الإعلام  الثوري الحر لذلك نحن متأكدون من أنهما سيصلان في مرحلة ما إلى الاصطدام كما حصل مع داعش ( في حال نجح في عمليته وهذا ليس مستعبداً فقط بل مستحيل لأسباب سنذكرها لاحقاً)، وموانع موضوعية تتعلق بالتصنيف الدولي له ولتنظيمه والذي سنحاول شرح استحالة رفعه أو التخلص منه إذ إن هذا التصنيف لتنظيم جبهة النصرة ما زال قائماً وفق القرارات الأممية ولم تعترف الأمم المتحدة بأي تغير جرى على النصرة وبذلك ستنتهي الثورة السورية ويتم تجريدها من آخر أوراقها القوية وهي الشرعية الدولية والمشروعية الشعبية وينقلها كما ذكرنا سابقاً الى حيز مكافحة الإرهاب، وحتى لو تجاوز هذا وهذا مستحيل، فهناك تصنيفات خاصة به شخصياً وللحلقة الضيقة التي يقودها، مضافاً إليها التصنيفات الأمريكية والأوروبية  والتركية له ولتنظيمه. 

خلاصة القول: يمشي الجولاني في طريقين متوازيين كما قلنا في البداية، هذان الطريقان يحملان نهايته المحتومة فلا يمكن قبوله كسلطة أمر واقع (قاديروف) مع الماضي الذي اقترفه والمراهقة السياسية التي ارتكبه،ا فسيف التصنيف لن يُرفع مهما روّج وحاول وكذب ولفّق، وبالتالي سيكون بشخصه ومحيطه هدفاً للجميع، والخط الثاني تنفيذ ما هو مطلوب منه، يبدو روسياً أو إيرانياً، بتحويل المنطقة إلى محاربة الإرهاب وبذلك يكون ضد التوجّه الدولي الغربي عموماً والتركي خصوصاً، في رؤية المنطقة الآمنة وإبقاء مساحات واسعة خارج سيطرة الأسد وعدم رؤية روسيا وإيران  منتصرة في سوريا، ولا سيما بعد غرق الروس في الوحل الأوكراني، وفي كلتا الحالتين سيكون الجولاني كبش الفداء الذي سيُذبح، فهل يجب علينا انتظار المقصلة أم سوف نجده يغادر ويتبخر ويظهر في منطقة أخرى يحمل اسماً كأبي يوسف الإيطالي مثلاً أو الفرنسي؟! الجواب عند ثوار سوريا في إدلب الخضراء. 

التعليقات (3)

    محمود الوهب

    ·منذ 10 أشهر أسبوع
    مقال مهم وتثقيفي لشباب الثورة.. فما ورد في المقال لم يكن راسخاً بعد في أذهان الثوار.. ولذلك لم يتخذوا منذ البدايات مثل هذا الموقف.. شكراً لك هشام

    محب بلاد الشام

    ·منذ 10 أشهر أسبوع
    النصرة والجولاني صناعه وكالة المخابرات الامريكيه لتشويه الإسلام والمسلمين

    Nadim

    ·منذ 10 أشهر يوم
    ياأخي سلمتم مناطقكم للنظام وتقاتلتم فيما بينكم كمعارضة أثناء الحصار . وبعدها انسحبتم إلى الشمال ومازلتم متناحرون كل حزب مدعوم من دولة. ياجولاني حل عنا سويتها ملك لك وغدا تصبح وراثة.زمن حابط أين تجمع العلماء المسلمين الذي مقره قطر الجماعة نايميين منهكمين في كتابة مؤلفات تخلد ذكراهم وهي معلومات مكررة مليون مرة عبر التاريخ الإسلامي . العلماء يجب أن يكونوا في الجبهات يحرضون الأمة على الجهاد ويقودونه مثل شيوخ المجوس يحرضون جنودهم على قتل المسلم السني ويعتبرون ذالك تقربا إلى الله. المجوس في حلب وعينهم على إدلب وسيساعدهم على ذالك العلوي الجولاني هابلها وماشي عامل حالو سلفي قال .
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات