في كل مرة يموت فيها ممثل أو شخصية مشهورة مؤيدة لبشار وجرائمه (علناً وصراحة) خاصة وإن كان مسلماً سنيّاً، يخرج علينا ثوريون ومعارضون أو من يسمون أنفسهم كذلك، وأحياناً رجال دين معارضون ليترحموا على الشخصية المذكورة ويطالبون الناس بالتماس الأعذار لهم بالخوف والاضطرار وبجبروت النظام وعنفه وبطشه.. الخ.
وكان موت الممثل السوري محمد قنوع مناسبة جديدة لتكرار السيناريو نفسه، ليخرح العشرات إن لم نقل المئات من جمهور الثورة ويبدؤون بالترحم عليه ولا يكتفون بذلك بينما يشنعون على من يرفض الترحم ويهطل عليهم الإيمان والفقه فجأة: "يا أخي ما بجوز ع الميت إلا الرحمة، يا أخي الزلمة مسلم سني وملتزم، لك قبل أيام سبحان الله كان بالعمرة وكان عم يبكي ويدعي بخشوع بليلة القدر" .. الخ أيضاً من هذه الموشحات.
وعندما تقول لهم إن هذا الورع التقي أيد نظام القمع والاستبداد في سوريا، فإن دفاعهم حاضر: يا أخي مضطر، هل شققت على قلبه يا أخي شغلو عيلتو ولادو..إلخ، وكأن هذا الرجل المشهور مثله مثل أي سوري عادي قد يفاجئه مذيع بالشارع أو موظف في دائرة حكومية بسؤال عن رأيه ببشار الأسد ثم يضطر هذا السوري المعتر ليمدحه ويعلن الولاء له.
لا ياسادة، المسألة ليست كذلك، فقنوع الذي هو نموذجنا اليوم ليس كأي سوري عادي وإنما ممثل مشهور وصاحب رأي، وخلافنا مع نظام الأسد ليس على أرض اغتصبها أو ثروات باطنية سرقها، أو فساد مؤسسي ووظيفي أو على سلطة اغتصبها أو مناصب منعها عن فريق وأعطاها لآخر أوعلى مئة أو مئتين سجين ظلماً كم سنة ويخرجون بعدها.
على ماذا نختلف؟!
الخلاف ياسادة، وأنتم تعرفونه ولكن للتذكير على مليوني قتيل ومعتقل ومختف قسرياً وأرملة وثكلى، على آلاف النساء الحرائر اللواتي اغتصبن بالسجون، الخلاف على 14 مليون مهجر ونازح على مئات آلاف الأطفال الأيتام.
ومع هذا لو أن قنوع وأمثاله سكتوا لما تكلمنا ولربما ترحمنا عليه من أي المذاهب كان، يا ليت قنوع اكتفى باعتبار بشار الأسد وجيشه كما سماه خطاً أحمر، بل لم يترك مناسبة إلا وشبّح له حتى أن له معايده شهيرة للجيش و"لشهدائه الأبرار وللقائد الفذ بشار الأسد"، وياليته اكتفى، لا ثم شارك بمسلسل بعنوان أقمار في ليل حالك يقوده نجدت أنزور ولا يخفى على أحد من هذا أنزور وبدور ضابط في ميليشيات أسد ورضي أن يكون شاهد زور في هذا المسلسل عندما شارك فيه جنود سهيل الحسن الملقب بالنمر وقصفوا بلدات وقرى ريف حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، على أن الإرهابيين والمقصود فصائل الثورة والمعارضة هم من قصفها وأن فيها موالين وليس العكس.
وبعد كل هذا يأتيك معارض أو ثائر أو ناكر مزعوم لظلم النظام وسياسته ثم تجده يترحم وينكر على من لا يرضى أن يترحم عليه ويصفه بالشبيح أو من ينزعج ممن يترحم عليه.
"كبرت الكلمة"
ولعل من الضروري هنا أن ننوه إلا أننا لا نناقش في هذا المقال مسألة الترحم من ناحية دينية شرعية، بمعنى أننا لا نحكم بجنة ولا نار وليس لنا علاقة بالباطن، وإنما نناقش هذه المسألة منطقياً وأخلاقياً وسياسياً وثورياً، فكيف أكون معارضاً وثورياً وهارباً من ظلم وبطش النظام وميليشياته، ثم أترحم على من أيّد هذا الظالم ليس قلبياً أو بموقف عابر وإنما عن سابق إصرار وترصد، هذا لا أجد له اسماً غير نفاق.
ثم إن محمد قنوع ومن كانت مهنته الرأي خاصة، ماذا يجب أن يفعل حتى اعتبره مؤيداً مناصراً للإجرام؟، هل يجب أن يحمل بارودة ويقتل حتى يكون مجرماً أو شريكاً في الإجرام؟!
لا ياسادة، فالكلمة أقوى من الرصاصة فكيف بها إن خرجت من رجل سلاحه الكلمة، أولم يقولوا لسيدنا الحسين عليه السلام هي كلمة قلها وامضي بسلام (أي بايع يزيداً)، لكن رده كان وتعرفونه أيضاً ولكن للتذكير وباختصار: كبرت الكلمة، وهل البيعة إلا كلمة؟ ما دين المرء سوى كلمة؟ ما شرف الرجل سوى كلمة؟ ما شرف الله سوى كلمة؟ .. مفتاح الجنة في كلمة، دخول النار على كلمة، وقضاء الله هو الكلمة. الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور... الكلمة فرقان ما بين نبي وبغي... الخ.
مفاصلة أم مصالحة؟
لعل من يقول إذاً هي مفاصلة ولا مجال لأي صلح لأي التقاء بين السوريين الذين فرقهم النظام واضطرهم على الخيار إما هنا أو هناك، نعم لا بد من مفاصلة بين الحق والباطل ولكن لا يعني ذلك إما هنا أو هناك، من يسكت ويحتسب ليس لأحد عليه سلطان، ولا يعني ذلك أنه لا مصالحة بل لا حل إلا بمصالحة؛ بمصالحة بين جميع السوريين، ولكن مصالحة تضمن الكرامة التي خرجوا من أجلها ودفعوا الثمين الثمين، ألا أقل من حل سياسي عادل ألا أقل من اعتذار على تدمير البلاد وقتل وتهجير ملايين العباد، ألا إن دية الكرام الاعتذار ألا إن جل السوريين هم أهل لذلك.
التعليقات (21)