فلم التطبيع العربي مع الأسد!

فلم التطبيع العربي مع الأسد!

تعكف بعض الأنظمة العربية والإقليمية منذ زلزال شباط/ فبراير على انتشال جثث بعض المفاهيم السياسية من بين الأنقاض، وإدخالها غرفة الإنعاش، وبعثها إلى الحياة مجدداً، ثم جعلنا نتنفس بصحبتها هواء الدهشة والاستغراب، ولعل التطبيع مع نظام دمشق إحداها، وربما أكثرها مدعاةً لإثارة حفيظة "فرانك هوغربيتس"حين أغفلها من نبوءات زلازله - وهي الزلزال بذاتها – واكتفى بتكهّنه الصائب حول حدوث زلزال تركيّ سوريّ مشترك.

لكن أولئك الذين تبهجهم فرضية "حكومة العالم السريّة" لم يستعجلوا افتراض "الزلزال المصطنع" بواسطة تفجير نووي خبيث أحدثه من تحت الأرض، بل كانوا متيقنين منه. زلزالٌ كارثيّ فجعَ الشمال السوري، ومعه تدفقت مسيرةٌ من الدمار والموت غير المنتظرَين، دون أن يتسبب بهما النظام السوري، وبالتالي ووفق هذا النسق من التفكير جاء التعاطف العربي مبرراً وواقعياً وقد استماله هواء الكارثة، ثم سالت المساعدات بلهفة، ولحق بها تسرّبٌ مفاجئ للوفود والتصريحات العربية المتعاطفة إلى دمشق، وصولاً إلى تصريح فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي حين دلَّ بأن الأوان قد جاء لاستئصال معاناة الشعب السوري.

فيلم التطبيع العربي عرضٌ متواصل

 السوريون الرافضون شراء تذاكرَ إضافية لمتابعة العروض الأولى من فيلم التطبيع العربي مع النظام السوري، فإنهم يستعيرون افتراضات أشد غرابة من قدرة مشروع "هارب" على التحكم بصياغة مناخ العالم على هواه، أولئك يتكهنون بأن السعودية تخطط لاستدراج بشار الأسد لحضور قمة الرياض المقررة في 19 أيار/ مايو، ومن ثمّ تسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية تحت غطاء تنفيذ قانون "مكافحة كبتاغون الأسد" أو على الأقل احتجازه قسرياً هناك على غرار احتجاز السعودية لسعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني عام 2017. 

لا تصدّق هذه الفئة أن المتغيرات السياسية قد ترمي بنفوذها فوق رؤوس الجميع، وتخلط بتعجرف أوراق اللعب مجدداً، هم لا يستمرئون إذاً إعادة إضفاء الشرعية على  نظام دمشق بعد كلّ الذي فعل، لا يريدون متابعة تلك "المشاهد الحميمة" من فيلم التطبيع، ولعلهم يتساءلون كيف سمحت رقابة واشنطن الصارمة بعرض مثل تلك المشاهد؟! أم تراها ساهمت في كتابة هذا السيناريو، وتركت لروسيا والصين مهمة الإخراج، وربما دفع تكاليف الإنتاج؟! أو بعض منها على الأقل؟!

يعرف المعارضون السوريون جيّداً أنهم مستبعدون عن المشاركة في التحديث الأخير لملف الحل السياسي في سوريا، وربما سيكون لهم دور شكليّ فيما بعد، لكنهم على أيّ حال لا يمتلكون زمامَ مبادرة، أو وزناً مؤثراً وفاعلاً في تركيب معادلة الحلّ السياسي، الأرجح أنهم سيرتدون ملابسَ تلائم مقاساتهم المعروفة في المشاهد القادمة من فيلم التطبيع، والأرجح أيضاً بأن شهر أيار/ مايو سيكون شهراً مفصلياً في عروض فيلم التطبيع ذاك، ليس فقط بسبب قمة الرياض، وإنما أيضاً بسبب اقتراب انتهاء المدّة الزمنية اللازمة لتطبيق قانون "محاربة كبتاغون الأسد" والمحددة سلفاً بستة أشهر بدأ عدّها منذ أول شهر في العام الحالي، وسيكون شهر رمضان قد انتهى أيضاً، وانتهى معه عرض مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" وهي دراما استمالت الجميع لمتابعتها بنهم، ربما لأنها تناولت الكثير من التفاصيل السياسية، وأخرى اجتماعية تسكن الدوائر الضيّقة المحيطة بالأسرة الحاكمة للنظام السوري.

التطبيع مجدداً، وإن كان دراميّاً

 المسلسل وحتى منتصفه تقريباً كان قد ثابر على تسويق صورة بصريّة وحسيّة لم تكن منتظرة للرئيس، فأظهرته كما لو أنه الوجه المشرق لتلك العائلة، في حين جرت شيطنة شقيقه "اللدود" إلى أقصى الحدود، وتكبيله إلى مؤامرات خارجية كنّا نعتقد بأنها  مجرّد شطحات دعائية يرويها النظام كلّما رسب في أحد امتحانات السياسة الخارجية، وكان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005 من بينها، ومن أبرزها أيضاً.

يؤدي دور الرئيس فرات في المسلسل الممثل السوري مكسيم خليل، وهو شخصية مبدعة ومحبوبة عند معظم السوريين حتى الموالين منهم، الأمر الذي يجمّل في إسقاطاته المباشرة شخصية بشار الأسد بعدما بات يبغضها معظم السوريين حتى الموالين منهم باعتباره الإحالة المباشرة لشخصية فرات في المسلسل، وهذا ليس ادعاءً دراميّاً حال تحليل ذاك الإيهام البصري والمزاوجة بين شخصيتي مكسيم وبشار، وربما سيكون هذا استناداً أولياً لفهم الطبيعة الموارية للمسلسل، واشتغاله العميق على فكرة التطبيع الدرامي مع شخصية بشار الأسد بشكل غير فصيح ومباشر، أي لم يجاهر المسلسل في نيّته صناعة تطبيع دراميّ مع رئيس النظام المكروه، وإنما استبدل تلك النيّة بإطلاق العنان لمكاشفات تفسّر طبيعة العلاقة التناحرية بين الرئيس فرات وشقيقه عاصي، وكيف أن عاصي الذي يجسّده واقعياً ماهر الأسد هو الذي أوصل سوريا إلى خرابها الحالي من خلال استرساله في رغبة الحصول على كرسي الرئاسة، وإزاحة أخيه الغارق في هموم إدارة البلاد، وإصلاح ما يفسده شقيقه.

قبل قمة الرياض

لا يمكن لمتابع مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" أن يكره الرئيس فرات، بل على العكس، ستكون حصّة الكراهية الوافرة من نصيب عاصي، أي ماهر الأسد، بكل ما تحمله من عجرفة واستهتار بالشأن العام، لدرجة أنه تحالف مع الفرنسيين في التآمر على الرئيس فرات، الهادئ، الرصين، المحبّ لبلده وشعبه، وفي المسلسل يكون عاصي هو الذي نفّذ اغتيال نصير جيلاني صاحب قناة الشروق دون موافقة فرات المسبقة، أو حتى مجرّد علمه بذلك، وفي هذا إحالة مباشرة ترمز في معناها النفسيّ إلى تبرئة بشار الأسد من جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وإلصاق كامل تلك التهمة وملابساتها المتعددة بشقيقه ماهر.

وإنْ تمسّك المسلسل في نصفه الثاني بمزيد من وصفة التدبيج الدرامي لصيغته الراهنة، القائمة في خطّها العام على شيطنة عاصي وتبرئة فرات من مآلات معادلة الخراب السوري، والتي بدأت تتشكل ملامحها منذ العام 2005 ، سنكون واقعياً أمام رئيس بريء وشقيقه المذنب، فمن الجائز أن يُظهر المسلسل إن امتدت أحداثه إلى ما بعد العام 2011 مسؤوليةَ عاصي بمفرده عن قمع المظاهرات وتدمير البلاد وقتل الناس وتهجيرهم، وربما سيكون فرات بريئاً من كل ذلك. سنكون منهكين إذاً في نهاية المسلسل من إعادة فهم ما يحدث في سوريا، وترتيب مكوناته، وتقبّله بصورة مغايرة للتي نعرف، ولا سيما أن المسلسل يحوز على نسب متابعة عالية جداً، ليس فقط من قبل السوريين، وإنما من قبل الجمهور العربي بصفةٍ عامة.

وكأن توقيت عرض المسلسل جاء ليتمّم مسيرة التطبيع العربي مع بشار الأسد ونظامه، إذ سينتهي عرضه قبل قمة الرياض بوقت ليس بالبعيد، ستكون أحداثه طازجة في الذاكرة، ومن الجائز أيضاً أن يتقبل الناس شكل بشار الأسد الجديد، الذي يشبه أكثر من أيّ وقت شكل مكسيم خليل، وربما أيضاً سيكون بمقدور الجنرال أن يبتسم في آخر المسلسل. 

التعليقات (2)

    سورية الحرة

    ·منذ سنة أسبوع
    هذا مافعله أبوه باستخدام واحد مقبوح من طينتة في مسرحيات هزلية ممزوجة بالسياسة تمتص الغضب و الاحتقان الشعبي . الشياطين تلبس ثوب الملائكة

    سوري

    ·منذ سنة أسبوع
    الدول العربية دكتاتوريات طالما هم مثله فما فعله بالشعب الذي كان ومازال يحكمه هو طبيعي . النخوة ماتت على الكراسي .
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات