تحذيرات سابقة وأخرى مستقبلية.. هل كان بالإمكان تجنّب الخسائر الكبيرة التي أحدثها الزلزال في تركيا؟

تحذيرات سابقة وأخرى مستقبلية.. هل كان بالإمكان تجنّب الخسائر الكبيرة التي أحدثها الزلزال في تركيا؟

فتحت الخسائر الكبيرة التي تسبّب بها زلزال السادس من آذار المدمر في كل من تركيا وسوريا، الباب أمام العديد من التساؤلات والنظريات والتحليلات، التي نشرتها وسائل إعلام غربية وأخرى تركية، والتي تشير إلى أنه كان بالإمكان تجنّب الكثير من الخسائر عبر تدارك أخطاء حصلت قبل سنوات.

وكانت إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد" أكدت السبت ارتفاع عدد وفيات الزلزال جنوب البلاد إلى 40 ألفا و642 شخصاً، ولفتت إلى وقوع 5700 هزة ارتدادية عقب الزلزال، إلى جانب انهيار وتضرر عشرات الآلاف من الأبنية.

وأوضحت الإدارة أنه تم منح مساعدات نقدية بقيمة 10 آلاف ليرة (531 دولارا) لأكثر من 682 ألف مواطن، بالتزامن مع وجود 21 ألفاً و859 مصاباً يتلقون العلاج في المستشفيات.

تحذيرات قديمة

بعد الأسبوع الأول من الزلزال، بدأت الانتقادات والتساؤلات المتعلقة بمدى إمكانية تفادي الكثير من الخسائر المادية والبشرية التي وقعت، خصوصاً مع انتشار الأنباء التي تتحدث عن انهيار أبنية جراء مخالفات المتعهدين والمقاولين لشروط البناء القانونية.

وأبرز ما تم تداوله على نحو واسع في هذا الصدد، هو مداخلة للبرلماني التركي غارو بايلان والتي حذر فيها من إقرار الإعفاءات الإنشائية من قبل البرلمان عام 2018، وشدد وحذر على أنه "عندما ستنهار المباني المعفاة في أي زلزال في المستقبل، فإن الآلاف من المواطنين سيموتون".

واتهمت المعارضة التركية حكومة حزب العدالة والتنمية بعدم تطبيق لوائح البناء، وسوء إنفاق الضرائب الخاصة التي جمعت بعد الزلزال الكبير السابق في عام 1999 من أجل جعل المباني أكثر مقاومة للزلازل.

وفي السنوات العشر حتى عام 2022، تراجعت تركيا 47 مرتبة في مؤشر منظمة الشفافية الدولية لقياس الفساد إلى المرتبة 101 بعد أن كانت في المرتبة 54 من أصل 174 دولة في عام 2012، بحسب ما ذكرت وكالة رويترز.

ونقلت الوكالة أيضاً عن مسؤولين في قطاع التطوير العمراني أن نحو 50 في المائة من إجمالي 20 مليون مبنى في تركيا تخالف قوانين البناء.

وفي عام 2018، طبقت الحكومة عفواً لإضفاء الشرعية على أعمال البناء غير المسجلة، وهو ما حذر مهندسون ومعماريون من أنه قد يُعرّض الأرواح للخطر، على غرار ما جاء على لسان البرلماني بايلان.

وتقدّم نحو عشرة ملايين شخص بطلب للاستفادة من "الإعفاءات الإنشائية" وتم قبول 1.8 مليون طلب، ودفع أصحاب العقارات أموالاً لتسجيل المباني التي كانت خاضعة حينذاك لضرائب ومستحقات مختلفة.

وقالت الحكومة إنها ضرورية لإزالة الخلافات بين الدولة والمواطنين وتقنين الأبنية، وكان من ضمن الأبنية الحاصلة على إعفاءات، عشرات الآلاف من الأبنية الموجودة في الجنوب التركي الذي شهد الزلزال المدمر.

لماذا انهارت الأبنية؟

تحت عنوان "زلزال تركيا.. لماذا انهار عدد كبير من الأبنية؟" نشرت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، مقالاً تحدثت فيه عن سبب انهيار عدد كبير من الأبنية رغم أن البعض منها حديث البناء، الأمر الذي يثير تساؤلات حول معايير السلامة التي يفترض اتخاذها في تلك المباني.

ووفق معايير وتقنيات السلامة الحديثة، فإن العديد من الأبنية المنهارة، كان يتفرض أن تصمد أمام هذا الزلزال، وقد أظهر إعلان تجاري لمجمع سكني في ملاطيا أنه "بُني اعتماداً على أحدث أنظمة مقاومة الزلازل" ووفق أحدث المعايير، التي يفترض أنه تم تحدثيها وإقرارها عام 2018، إلا أنه انهار جراء الزلزال، والأمر ذاته ينطبق على مجمع سكني آخر في إسكندرون، انهار أيضاً رغم أنه افتتح عام 2019.

وتنقل بي بي سي عن خبراء قولهم، إنه على الرغم من قوة الزلزال إلا أن الأبنية المشيدة بشكل صحيح (وفق المعايير المطلوبة) ما كانت لتنهار، وقال البروفيسور ديفيد ألكسندر، الخبير في خطط وإدارة الطوارئ في كلية لندن الجامعية: "لقد كان زلزالاً قوياً، ولكن قوته ليست كافية بالضرورة لتدمير مبان شُيّدت بشكل جيد، في معظم الأماكن المتضررة لم تكن شدة الزلزال والاهتزاز في حدها الأقصى، وبالتالي يمكننا الاستنتاج أن الآلاف من الأبنية التي انهارت لم تكن تلبي معايير البناء المقبولة لمقاومة الزلازل".

وتم تشديد قوانين البناء في تركيا عقب زلزال إزميت الذي راح ضحيته نحو 17 ألف شخص عام 1999، ثم خضعت القوانين لتحدث عام 2018، إلا أن المشكلة كامنة في التطبيق السيئ و"العفو" الدوري الذي منح لأبنية ما كانت تمتلك معايير وشهادات سلامة مطلوبة.

وكان 75 ألف مبنى في المناطق المتضررة جراء الزلزال، من بين الأبنية التي سبق لها أن حصلت على إعفاءات، بحسب ما ذكر رئيس اتحاد غرف المهندسين في إسطنبول، وقد كانت وسائل إعلام تركية ذكرت قبل أيام من الزلزال، أن هناك مسودة قانون جديد تنتظر موافقة البرلمان لمنح "عفو" وإعفاءات جديدة.

وسبق للعالم الجيولوجي التركي جلال سيجور، أن علق على هذا الإعفاء، في وقت سابق من العام الجاري، بالقول إن "هكذا إعفاءات، في بلد يقع على خط صدع زلزالي رئيسي، لهو أمر يرقى لاعتباره جريمة".

وأشارت هيئة الإذاعة البريطانية إلى أن تقريراً لـ "بي بي سي تركيا" كشف أن 672 ألف مبنى في المنطقة الغربية من إزمير التي ضربها زلزال عام 2020، استفادت من إعفاءات البناء.

وكشف التقرير ذاته، نقلاً عن وزارة البيئة في تركيا، أنه في 2018 كانت 50% بالمئة من الأبنية في البلاد، أي ما يعادل حوالي 13 مليون مبنى، مخالفة للوائح البناء.

تحديث لا هدم

مجلة تايم الأمريكية، نشرت هي الأخرى مقالاً، وعنها نقلته وسائل إعلام تركية، تحدثت فيه عن إخفاق تركيا بالتعامل مع الزلزال، وعن أن لوائح وقوانين البناء جيدة وشاملة ولكن المشكلة هي في تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع.

وذكرت المجلة أن المهندس الخبير إيتش كيت مياموتو، وصل إلى تركيا مؤخراً لتقديم العون إلى المهندسين الأتراك، وقد شرح أنه في العام 1997 أقرت تركيا قانوناً يقضي بتشييد المباني باستخدام نوع من أنواع الخرسانة المرنة التي تقلل من مخاطر انهيار الأبنية عند حدوث الزلازل، ولكن واحداً فقد من بين كل 10 مبان في تركيا التزم بهذا الأمر.

وقال مياموتو الذي عمل مع البنك الدولي لإعادة تأهيل المدارس في تركيا، إنه يمكن للمهندسين تحديث المباني القديمة بدلاً من هدمها وإعادة تشييدها، وهذا الأمر يكلف فقط بين 10 إلى 15% من عملية الهدم وإعادة الإعمار، وبالتالي يمكن تعديل ثمانية أبنية بتكلفة مبنى واحد، ولكن هذه التعديلات لا تضيف أية قيمة سوقية اقتصادية للعقار" فصناعة البناء مصدر كبير للكسب في تركيا، وتحقيق الربح هو المطلب الرئيسي، الأمر الذي دفع لغض الطرف عن التجاوزات، على حد تعبير المهندس التركي كونيت توزون، الذي لفت أيضاً، في تصريحاته للمجلة، إلى وجود تفاوت اقتصادي كبير بين شرق تركيا وغربها، وأن جودة البناء في الشرق أقل بكثير منها في الغرب.

وختم توزون بالقول: "إن الطبيعة تحذرنا الآن، وإذا ما أخذنا تحذيراتها على محمل الجد وقمنا بالإجراءات المناسبة، فإن خسائرنا ستكون أقل في المستقبل".

25 عاماً

في تصريحات أخرى أدلى بها البروفيسور ديفيد ألكسندر، ونقلتها وسائل إعلام تركية عن صحيفة ديلي تلغراف البريطانية، قال إنه زار اليابان قبل فترة، وحدث زلزال شدته 6.8 على مقياس ريختر، إلا أنه لم يتوقف عن القراءة حينها رغم كونه في الطابق السادس، في إشارة منه لجودة تطبيق معايير وقوانين البناء بما يتناسب مع خطر الزالازل المتوقعة.

وتظهر دول مثل اليابان، حيث يعيش ملايين الأشخاص في مبان شاهقة مكتظة بالسكان، على الرغم من تاريخ البلاد مع الزلازل الشديدة، كيف يمكن أن تساعد أنظمة البناء في الحفاظ على سلامة الناس عند وقوع الكارثة، وتختلف متطلبات سلامة البناء هناك، باختلاف استخدامات المبنى وقربه من المناطق الأكثر تعرضاً لخطر حدوث زلازل (الصورة أدناه).

وفي الوقت الذي يتحدث فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إعادة بناء المنطقة المتضررة خلال عام، قال ألكسندر إن الأمر قد يستغرق 25 عاماً، وأضافت الصحيفة البريطانية أنه ليس هناك أيضاً ما يضمن أن الأبنية الجديدة ستلبي المعايير المطلوبة، بالإضافة للوضع الاقتصادي المتدهور والسياسي غير المستقر، على اعتبار أن الانتخابات باتت قريبة، ما قد يقوض جهود إعادة الإعمار.

اعتقالات وتحذيرات

بالتزامن مع استمرار حملات اعتقال السلطات التركية لعشرات من مقاولي الأبنية السكنية التي انهارت بسبب الزلزال، على خلفية وجود عيوب ومخالفات فيها، وجّه رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو نداء عاجلاً لسكان المدينة، محذراً فيه من خطر الأبنية المخالفة.

وقال أوغلو في تغريدة عبر حسابه في تويتر: "أتوجه إلى سكان إسطنبول، دعونا نفحص هياكل الأبنية الخطرة.. إنها مسألة حياة"، وأضاف أنه حتى الآن لم يوافق سوى 29000 مالك مبنى فقط من أصل 107 آلاف مبنى تم بناؤها قبل عام 1999 على المسح الضوئي اللازم لتقييم حالة البناء.

كما أكد أنه يتوجب على السلطات المعنية في المدينة الكشف على كل المباني من أجل معرفة الصورة الواقعية للوضع العمراني من أجل إيجاد الحلول اللازمة.

وسبق لخبراء زلازل أن صرحوا بإمكانية أن يضرب زلزال شديد المدينة التي يصل عدد سكانها إلى حوالي 20 مليوناً، خلال السنوات القليلة المقبلة (بحلول 2030)، لا سيما وأنها تقع على الحافة الشمالية لأحد خطوط الصدع الرئيسية في البلاد.

وكان الأستاذ في معهد أبحاث الزلازل في إسطنبول، دوغان كالافات، قال العام الماضي، إن النسب المئوية لحدوث زلزال في إسطنبول بقوة 7 درجات على مقياس ريختر قبل عام 2030 هي 64% في المئة و 75% قبل 2050 و95% قبل 2090.

وشدد على أن معرفة الوقت المحدد بدقة أمر مستحيل، وأن الهدف الرئيسي يجب أن يكون العمل على تقليل الأضرار التي سيتسبب بها الزلزال المستقبلي.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات