الزلزال وحّد السوريين حول 6 قضايا

الزلزال وحّد السوريين حول 6 قضايا

لأول مرة منذ 12 عاماً، يتوحد شعور السوريين داخل البلاد وخارجها، فالرعب والخوف وحّدهم بعد أكثر من عقدٍ على شلالات الدم والعنف الذي تأصّل في المجتمع السوري، وإن كانت الآثار والأضرار متفاوتة مابين المادية بالممتلكات ضمن المنازل، كحال ريف دمشق، أو الخوف والرعب في محافظة الحسكة، في حين أن الموت والدمار الشامل لحق بالمحافظات الساحلية وحماه، وأغلب مدن شمال غرب سوريا، خاصة جنديريس التي تغيّرت كامل ملامحها، فالهدم الواسع للمباني والكلفة البشرية فيها، تجاوزت حدود المعقول والاستيعاب، إضافة لآلاف السوريين الذين قضوا نحبهم في مختلف مناطق تركيا جراء الزلزال الذي ضربها. 

عجز الإنسان بالبحث عن إجابات منطقية لأسئلة ملحّة وطارئة، تكشف جملة من القضايا المركّبة، الأولى: ضعف العقل البشري بالرغم من كل التكنولوجيا والتطور الرقمي أمام غضب الطبيعة، والثانية: وهي نتيجة للقضية الأولى، أن كل الحكومات التي تعاقبت على سدة الحكم في سوريا، أو التي تتقاسم النفوذ والسلطة اليوم، كُلها لم يدر في بالها رغم سنوات الحرب المريرة، أن تُبادر لإيجاد ملاجئ أو ملاذات آمنة، ولنفترض أن النتائج الكارثية للزلزال، كانت ستكون بفعل الحرب والصواريخ، لماذا يستمر العقل النفعي والنهبي في القضية ذاتها، ما يهمهم كيفية الكسب والمزيد من الكسب لا غير. 

ساعات عديدة قضاها السوريون في الشوارع والحدائق، منهم من كان حافي القدمين، ومنهم من نسي أن يرتدي ما يستر به جسده، كُلهم لم يهتموا بكل هياكل الحكم والسلطة، فكّروا فقط متى ينتهي الزلزال ويعودون لمنازلهم، وإذا كان الزلزال ونتائجه وحّد أوجاع السوريين، فإن فقدان الأمل بأيَّ جديد تأتي به نماذج السلطة هو الأمر الثالث الذي تتفق عليه مكونات الشعب السوري، فتكاد تندر وجود مبانٍ دون أقبية، أو ما يُعرف بمصطلح "القبو" وهو من أكثر الأماكن أماناً في الزلازل مقارنة بالبيوت والشقق، فإن ذهبت كل تلك الأقبية، ولماذا لم يتم تحويل بعضها لملاجئ، أو على أقل تقدير تجهيزها للأيام القادمة، من يدري ربما تكون الهزات لم تنتهِ بعد، وإن شاء الله تكون انتهت.

في البداية ظننتها جشاعة متعهدي البناء في القامشلي وحدها، لكن بتواصلي مع بعض المحافظات السورية، للاطمئنان على بعض الأصدقاء والأحبة، اتضح أن السوريين يشتركون في قضية بيع تلك الأقبية، أو إغلاقها وعدم التنازل عن فتحها أمام المتضررين والمحتاجين، وبالعموم هي ثقافة أكثر من كونها حالات فردية، لم يتوقف كاتب الأسطر عند ذلك البحث في قضية الأقبية، بل البحث في أسباب الشعور الجمعي لدى السوريين، وأن لا معيل ولا طرف سيعوضهم لخسائرهم، شكّلت القضية الرابعة التي اتفق فيها السوريون بين بعضهم البعض، وبقيت فرصة الحصول على سفرة إلى أوروبا بالمجان هو الأمل الوحيد أمامهم، فإذا كانت أضرار سنوات الحرب الطويلة لم تلقَ من يعوضهم، فهل من سيعوض عن الخسائر التي تسبب بها الزلزال.

أما خامس القضايا التي اشترك بها السوريون المؤيد منهم والمعارض، داخل البلاد وخارجها، تحت سيطرة النظام، أو الخاضعة لسيطرة القوى المحلية في شمال شرق وشمال غرب سوريا، هي معضلة العشوائيات التي ستكون أول أهداف الاهتزازات، فهي فاقدة لأي مقومات مواجهة الصدمة، أو الشروط السليمة للبناء، متلاصقة ودون أساسات متينة، بُنيت على عجل ودون تخطيط، ويُمكن أن يتسبب اهتزاز وهدم منزل واحد بهدم بقية المنازل فغالبيتها ذات جدران مشتركة للأحواش، وأساساً تلك العشوائيات تعيش كارثة إنسانية نتيجة عدم وجود إجراءات احترازية للسكان، وأغلب المتعهدين لم يضعوا في حساباتهم مثل هذه الكوارث الطبيعية، وغالبية العشوائيات بُنيت على عجل هرباً من الدوريات والبلدية، مع تقليل قدر الإمكان من الحديد والبيتون عند البناء، طمعاً بتوفير كلفة المنازل لبيعها بأسعار أكبر وأرباح أعلى.

والقضية السادسة: هو تشابه جشاعة وإجرام قسم ليس بالقليل من متعهدي بناء الشقق السكنية ذات الطوابق العالية، إذ يكفي القول إن غالبية المباني ودور السكن العليا التي تهدّمت في جندريس والساحل السوري والمنازل التي تعرضت للتشققات في الحسكة هي حديثة الصنع، فكيف يُمكن لبناء حديث يُفترض فيه القوى والمتانة وصلابة البناء أن ينهار خلال ثوانٍ، في حين أن البيوت الأرضية غير العشوائية صمدت أكثر من تلك المباني؟ ولعل آخر القضايا وأكثرها سحقاً للذات السورية، هي أن كل السوريون يعيشون لحظة استغلال مصابهم من قبل كل من تطاله يده لذلك، والتلاعب وتسيس ملف المساعدات الإنسانية، والاشتراطات السياسية لقاء الحصول على موافقات عبور القوافل الإنسانية.

أيُ وطن وبلاد أنجبتنا، وأيّ مستقبل ينتظره السوريون على اختلاف مشاربهم، لنعترف أن هذه هي بلادنا التي ظنناها أقوى، تحولت لصاحبة أسوأ الحظوظ بين البلدان، والتي جرّبت كل أنواع الحروب والخراب والدمار، جاء الزلزال ليمزق أجساد من حظي بالأمان من الصواريخ والرصاص، ليكتمل المشهد على آخره، ومع ارتفاع صيحات الاستغاثة والنجدة وطلب المساعدة، لكن القضية الأكثر اشتراكاً بيننا نحن السوريين، أن لا دعم دولياً واضحاً، بل الأكثر وضوحاً أنهم لن يدعموا عذابات السوريين بالمجان.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات