البروكار والملكة ماري أنطوانيت وأسماء الأسد

البروكار والملكة ماري أنطوانيت وأسماء الأسد

قد يكون البروكار الدمشقي الفاخر أحد أسباب غضب الفرنسيين من الملكة ماري أنطوانيت، إلى جانب أنواع ومقتنيات أخرى كالذهب والماس وغيرهما، إذ اقتنت من البروكار مجموعة مؤلفة من 72 فستاناً، تكمل من خلال ظهورها بهم حياتها الباذخة، بينما الناس جوعى، وقد هالهم أمرها، وفوجئت بدورها كما هو معروف لسبب سخطهم منها، بأن لا خبز لديهم، ولم تنجح نصائحها بأن يتناولوا الكاتو عوضاً عنه، فانفجروا بها وبزوجها الملك لويس السادس عشر، وأطاحوا بهما..

وإذا كان للبروكار دور غير مباشر في سقوط الباستيل، فإنه بالنسبة للسوريين وإن حقق سمعة عالمية لهم، وذاع صيت الحرير المصنوع منه منذ ثلاثة آلاف عام، إلا أن هذه الحرفة باتت عرضة للانهيار، كما عناوين تراثية أخرى، بعد أن أجهز النظام على ورش صناعته تدميراً خلال الحرب، والآن يعمد إلى إبعاد شيوخ الكار العارضين للبروكار، عن مركزهم في التكية السليمانية مع نهاية العام الحالي.

لا حاجة للبروكار الدمشقي ولا لصُنّاعه بنظر النظام، فلا تلبس "ملكة" سورية أسماء الأسد من نسيجه، ربما خشية من لعنته على الطغاة الباذخين، لكنها تتقاطع مع الملكة أنطوانيت بشرائها المستورد الأجنبي، المتوفر في دور أزياء عالمية، وتحرص على انتقاء ملابسها باهظة الثمن منها، كمثل الفستان الشهير الذي ظهرت فيه بمناسبة عزاء اللواء ابراهيم صافي وأثار جدلاً حول ثمنه الذي قيل إنه يعادل راتب ستين أستاذاً جامعياً. 

وبالنسبة للسوريين فقد أظهر البروكار عظمة إبداعهم عبر التاريخ، وعدّه الرئيس السوري شكري القوتلي ثروة وطنية، ودعم حرفته، وأدخلها مفردة في عناوين مصلحة البلاد في علاقاتها الدولية، وأهدى باسم البلاد الملكة اليزابيت الثانية فستاناً منه لبسته يوم زفافها، في وقت قرر فيه الإبقاء على سيارته القديمة ولم يستبدلها بأخرى حديثة، حرصاً على المال العام. 

ويسمّي الأوروبيون البروكار دامسكو نسبة إلى دمشق، وحاول الفرنسيون خلال حقبة الانتداب نقل مهنة صناعته بأكملها إلى مدينة ليون، لكنهم لم ينجحوا، لافتقارهم إلى الحرير الطبيعي السوري، وهي المادة الأولية التي تُنسج منه، إلا أن المهندس الفرنسي جاكار زار دمشق، ورسم تفاصيل نول دمشقي قديم، وصنع آلة نسيج، سمّيت باسمه “ماكينة جاكار”، ثم استورد بعض التجار هذه الآلة، وأصبحوا ينتجون البروكار الآلي، لكنه لا يمت بصلة إلى هوية وروح البروكار اليدوي.

البروكار كان يرصع أسواق دمشق القديمة، وهو ليس مجرد قماش من حرير طبيعي فقط، بل أبدع الحرفيون بالتفنن برسومات عالية المستوى عليه، مثل رحلة السندباد البحري، والكشمير والعاشق والمعشوق، ورسوم لعمر الخيام ولوحة أرض معركة حطين، ورسومات من ثقافة وقصص الشعوب الأوروبية منها "روميو وجولييت"، وأخرى مأخوذة من إمبراطور بألمانيا "تاج ملوكي"، ورسمة الفراشة والياسمين الدمشقي وورق العنب. 

بذل حرفيو مهنة القماش الفاخر أي البروكار المنسوج على نول يدوي، وباستخدام خيوط الحرير والذهب والفضة، جهوداً كبيرة للحفاظ عليها، وعملوا طيلة العقود التي سبقت قيام الثورة خارج إطار تدخل النظام، وتمسكوا بهذه الحرفة بوصفها مَعلَماً في التراث اللا مادّي للسوريين، وهي من الحرف الدمشقية القديمة ذات الشهرة العالمية وعمل في هذه المهنة حرفيون مبدعون تمرسوا في نسج الحرير الدمشقي الذي ارتبطت تجارته بطريق الحرير.

وأجهز النظام على حرفة البروكار، من خلال قصفه مناطق جوبر والقابون حيث الورش الكبرى، وهجرها كثير من أصحابها، وزاد بأن وجه إنذارات لشيوخ كار هذه الحرفة وحرف تراثية أخرى في منطقة التكية السليمانية التي تتبع وزارة الأوقاف بالإخلاء بحجة الترميم، وعدّ النظام من خلال معاون وزير السياحة نضال ماشفج الإخلاء بأنه يندرج في المصلحة العامة، ولا يحق لأصحاب المحال المطالبة بأي تعويض عن أي عطل أو ضرر أو غبن أو ما شابه ذلك. 

وبعد حديث النظام وعلى لسان محافظ دمشق طارق كريشاتي بأن الأمانة السورية للتنمية التي تتبع أسماء الأسد ستشارك بعمليات الترميم، ازداد التخوّف لدى المَعنيين بالتراث، وقال أحد حرفيي التكية، بأنه لا يوجد فيها أي تصدّع كما يُشاع، ولكنّ هناك أشخاصاً "لهم أغراض ومطامع استثمارية، يحاولون من خلال ترميمها إقامة استثمارات فيها، وهذا أمر بات معروفاً للجميع، إذ إن "الأمانة السورية للتنمية" كانت دخلت التكية عام 2015، تحت مسمى "أبهة" بـ 6 محلات، وفي عام 2019 استحوذت على عدد أكبر من المحال. 

السيطرة على المواقع الأثرية التراثية في دمشق بشكل خاص تتم تحت ذرائع متعددة وبشكل هادئ وبطيء، ربما عملاً بالأسطورة الفارسية التي تتفاخر بخنق الضحية بخيط الحرير شيئاً فشيئاً، وبدم بارد، وبالمناسبة فإن إيران تشارك الأمانة السورية للتنمية في استهداف الهوية السورية في إطار إستراتيجيتها لطمس معالمها، من خلال استثمار عقارات في سوق الحميدية وسوق ساروجة، ومحيط حمام القرماني، وأيضاً في الإجهاز على خان الدروبي في حمص، كذلك في حلب القديمة، وهي تنفق الأموال الطائلة لمد نفوذها الثقافي إلى سوريا. 

وقد تكون لعنة البروكار التي رافقت الملكة إليزابيت بسبب مبالغتها في الترف والبذخ، هي ذاتها التي ترافق أسماء الأسد فهي تخشى وجوده بوصفه جزءاً من الهوية السورية ولا سيما أن مشروع تغيير التكية السليمانية التي تضم شيوخ كار هذه المهنة لتتحول إلى مركز سياحي باذخ، هو من بنات أفكار الأمانة السورية للتنمية التي تتبع لها مباشرة.

التعليقات (1)

    مغترب

    ·منذ سنة 3 أشهر
    هدانا وهداك الله يا أخي ، البروكار فقط للأميرات والملكات و سيدات البيوت الجميلات وليس إلى القردة أسماء يلي مو معروف قرعة ابوها مين . لم تنجح اسرائيل بوضع كوهين رئيس لسوريا ولكنها نجحت في وضع ( أسماء ) زوجة رئيس لسوريا . المعلومات متاحة لدى المخابرات الانكليزية ، انا مالي عرفان ليش ما عم تكتبوا عنها .
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات