لماذا اضطرت روسيا وتركيا إلى إعادة إيران لمسار التطبيع؟

لماذا اضطرت روسيا وتركيا إلى إعادة إيران لمسار التطبيع؟

هل كانت إيران خارج عملية المصالحة بين تركيا ونظام ميليشيا أسد بالفعل؟، أم إنها كانت تجلس في المقعد الخلفي وتراقب كل شيء؟

سؤال تبدو الإجابة عنه في غاية الصعوبة، رغم أن كل المؤشرات ومعظم المراقبين متفقون على أنها كانت في الخارج بالفعل، وإلا لماذا ألغت زيارة رئيسها "إبراهيم رئيسي" التي كانت مقررة الشهر الماضي إلى دمشق، ولماذا اضطُر نظام أسد إلى إرسال نائب وزير خارجيته إلى طهران؟، ولماذا جاء وزير خارجية إيران إلى سوريا بعد ذلك، بالإضافة طبعاً إلى تعريجه نحو العاصمة التركية؟

بالطبع لا يمكن إغفال أن كل هذه المؤشرات تُوّجت بالتصريحات التركية-الروسية الأخيرة خلال اليومين الماضيين، والتي اتفقت على ضرورة انخراط إيران في عملية المصالحة بين أنقرة ودمشق التي ترعاها موسكو.

فبعد أقل من 24 ساعة على تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الإثنين، الذي طلب فيه أن تنضمّ طهران إلى المفاوضات، أكد وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف يوم الثلاثاء، أنه تم الاتفاق على انضمام إيران إلى العملية التصالحية بين دمشق وأنقرة بالفعل.

اللافت هنا أن تصريحات الوزير الروسي جاءت خلال لقائه نظيره المصري، حيث طالب لافروف في الوقت نفسه الدول العربية باحتضان نظام ميليشيا أسد، وهذا يتناقض مع النظرية التي تقول إن إقصاء إيران عن مفاوضات التطبيع التركي مع دمشق، كان بهدف إقناع الدول العربية بأن أنقرة وموسكو تعملان بالفعل على إبعاد النظام عن إيران، ما يعتبر مؤشراً على فشل هذه الجهود مجدداً وعدم اقتناع الفاعلين العرب بذلك حتى الآن.

إيران تكسب، ولكن..

يؤكد السياسي السوري المعارض بسام حجي مصطفى أن "إيران تمسك النظام من رقبته، بحكم أنها الممول الأكثر حماسة لبقاء هذا النظام كواجهة لمشروع توسيع نفوذها في المنطقة، تحت عناوين الطائفية والمقاومة، حيث تشكل مؤسسة النظام العسكرية والأمنية أساسات قوية لإيران، على عكس روسيا التي لا تستطيع إلا إغراء بعض العسكر بغطائها العسكري والسياسي الدولي".

ويضيف في حديث مع "أورينت نت" حول هذا الموضوع: "من هنا جاء مقتل وفشل مشروع روسيا لإدخال تركيا على الخط مع دمشق، والذي اعتمد مبدأ تبادل المنفعة، من خلال إقامة توازن تركي-إيراني تحت مظلة الفيتو الروسي، حيث ظهرت السيطرة الإيرانية على كل المفاصل الحقيقية للنظام، ليتبخر الوهم الروسي، الأمر الذي قد يعيد التفكير بتنشيط مسار أستانا الذي يضبط نوعاً ما ايقاع التوازن ظاهرياً ولو إلى حين خروج روسيا من ورطتها في أوكرانيا، التي فجّرت أزمات سياسية واقتصادية وعسكرية تشغل بوتين حالياً عن كل شيء، إلى حين حسم المعركة التي ما زالت على ما يبدو أهم مساعي روسيا".

ويتابع: "إيران اليوم أمام خيارين أحلاهما علقم، فإما البقاء الذي يعني حمل جثة النظام وجرائمه وحدها بدون حماسة روسية للعب دور نشط في ذلك، أو الرحيل وانهيار مشروعها في لبنان والعراق أيضاً، ولذلك لن ننتظر كثيراً لنسمع عن عودة مسار أستانا كما كان، مع الإقرار الإيراني بضرورة وأهمية الغطاء الروسي، وبالتالي التركي، حسب ما ستفرضه روسيا".

أسباب روسية وتركية

لكن ما هي مصلحة روسيا وتركيا في إبعاد إيران عن عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق طالما أن الجميع يعلم بإحكام طهران الطوق على نظام ميليشيا أسد، وعدم تمكن الأخير حتى وإن أراد التملص من هذا الطوق؟

سؤال يجيب عنه الباحث المتخصص في الشأن الإيراني عمار جلو بالقول: "إن لكل من روسيا وتركيا أسبابهما المختلفة في ذلك".

ويضيف في تصريح خاص لـ"أورينت نت": "روسيا سياستها الحالية، وربما الإستراتيجية أيضاً، هي ضبط توازن العلاقة بين الدولتين الإقليميتين اللازمتين لإستراتيجيتها القادمة في المنطقة والعالم، وعليه فلا مانع لديها من وجود إيران حالياً وربما مستقبلاً في سوريا طالما التزمت بضوابط الإيقاع الروسي، بمعنى أن يكون لطهران مكاسب محترمة من الفرقاء في سوريا، ولكن ضمن حدود ما ترضاه روسيا لها.

أما عن تركيا، فهنا يكون الوضع شديد التعقيد والالتباس، لأن تركيا وإيران على خط تنافسي متصاعد في المنطقة وجوارها، ومنها سوريا، والتطبيع التركي يفيد طهران في جانب، ولكن قد يضرها في جوانب متعددة، منها حسر النفوذ الإيراني، وخسارة إيران كثير من آمالها في مكاسب إعادة الإعمار، كونها غير قادرة على منافسة تركيا في هذا الجانب".

ويتابع جلو: "ربما فكرت أنقرة بقطع خطَّي الإمداد اللوجستي والأمني بين إيران وحلفائها في لبنان وغرب سوريا، بالإضافة لقطع مشاريعها الإستراتيجية، مثل خط حديد كلمنجة-البصرة-اللاذقية، وخط النفط الفارسي/الإسلامي، في حال نجحت تركيا في تثبيت نفوذها في العمق السوري، لكن إيران أيضاً تستطيع دائماً التسبب بمتاعب لتركيا على الأقل بحكم علاقاتها وتأثيرهها بحزب العمال الكردستاني.

موقف المعارضة السورية

لكن مصادر سورية معارضة كشفت لـ"أورينت نت" أن السبب الحقيقي الذي دفع جميع الأطراف إلى الاضطرار للدور الإيراني في عملية المصالحة بين أنقرة ودمشق، هو طلب المعارضة السورية إبعاد الميليشيات الإيرانية من سوريا، أو على الأقل من الشمال كحد أدنى كي تلعب دوراً إيجابياً في ذلك.

ولكن ما هو الدور الذي لا زال بيد هذه المعارضة لتلعبه؟

سؤال تجيب عنه المصادر بالقول: "إن الفصائل العسكرية التابعة لتركيا أو المتعاونة معها، ورغم تسليمها كل الخيوط لأنقرة، إلا أنها لا تستطيع في النهاية الذهاب معها حتى النهاية التي يفترض أن تتوّج بمصالحة أو اتفاق بين هذه المعارضة وبين النظام وفق المشروع الروسي التركي في سوريا دون الحصول على أي مكاسب تقنع من خلالها الحاضنة الشعبية للثورة والمعارضة بهذا الاتفاق على الأقل، وهي قادرة في النهاية على تعطيل فتح الطرق الدولية أو السماح بعودة مؤسسات (الدولة) إلى مناطق سيطرتها حتى الخدمية منها، ولا أيضاً تسهيل عودة النازحين واللاجئين كما تريد موسكو وأنقرة، خاصة مع وجود موقف أمريكي رافض وبحزم للتطبيع، وهو موقف مفيد بالنهاية للمساومة.

لذلك فإن عمار جلو يرى أن "أنقرة تتخبط في خطواتها التطبيعية مع الأسد، ويمكن الاستدلال على ذلك من اللقاء الوزاري الدفاعي بين تركيا وسوريا قبل الاتفاق على الحلول، بالإضافة إلى تصريحات وزير الخارجية عن موعد لقاء نظيره السوري ومن ثم تأجيل وربما إلغاء اللقاء، وكذلك الحديث المتكرر من الرئيس التركي عن مصالحة مع الأسد دون وجود تصريحات إيجابية من الطرف المقابل. ومن هذا التخبط يمكن قراءة موافقة أنقرة على إدخال طهران بالأمر، وهي مطمئنة إلى سياسة تنتهجها أحياناً، والمتمثلة بالقبول بتوافقات ثم الانقلاب عليها أو عدم تنفيذها.

يمكن القول إن المؤشر الأبرز على إعلان مختلف الأطراف العودة لمسار أستانا من خلال إعادة ضم إيران للمسار التطبيعي بين دمشق وأنقرة، يمثل إعلاناً غير مباشر لفشل المسار الخاص الوليد، مسار التطبيع التركي-الأسدي دون أن يعني بالضرورة فشل مفاوضات المصالحة التركية الأسدية بشكل كامل، الأمر الذي يؤكد أن الواقع أعقد بكثير مما توقعته هذه الأطراف، والتي أطلقت العنان لقطار المصالحة والتطبيع من دون تجهيز سكته كما يجب.

التعليقات (2)

    Majed

    ·منذ سنة شهرين
    من خلال هذا المقال يلاحظ أن القوى (الخارجية) الفاعلة على أرض سوريا هم 1- أمريكا في الشمال عند البترول والمتهمين بالسرقة 2- روسيا - والمتهمين من قبل الغرب بدعم النظام 3- تركيا والمتهمة بالدفاع عن المعارضة 4- إسرائيل والتي تحافظ على الأمن القومي لإسرائيل 5- إيران - والمتهمة باستغلال الأراضي السورية . أ- مصلحة أمريكا البترول والسيطرة ب- مصلحة روسيا - بسط نفوذ ج- مصلحة تركيا - الحفاظ على الأمن القومي من قسد ومسد وبي بي كي د- مصلحة إيران - الأراضي وبسط النفوذ هـ- مصلحة إسرائيل - الأمن القومي والباقي مابين مؤيد أو متفرج .. هل سوف تلتقي المصالح ( أو لما تلقي المصالح الناس بتتصالح ..) ؟ نأمل الإفادة الـسؤال

    عقيل

    ·منذ سنة شهرين
    في فترة ما كان الكاتب يسرق أفكار مقالاته من غرف واتس آب موجود فيها، وكان هناك إلى حد ما منطقية بمواده بسبب النقاشات التي تدور في الغرف. بعدها يبدو أنه صار ياخد حشيش مضروب.
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات