"جاري يا حموّدة" والحالة الحرجة!

"جاري يا حموّدة" والحالة الحرجة!

ثمّة أدلة جديدة على أن علاء اللباد هو شخصية حقيقية، وليس شخصية متخيّلة اقتحمت ثلاثة سيناريوهات فانتازيّة كتبها هاني السعدي كما يعتقد البعض، إذ بمقدور عشيرتي "البوسبيع" و"البوشعبان" تأكيد وجوده شيخاً عليهم، وبمقدور تلفزيون النظام التطفّل على وقته الثمين، واستخدامه ببراعة كحقنة معرفيّة مرّةً واحدة كل شهر على الأقل، للحديث عن مشروعه العبقري في المقاومة الشعبية لدحر الولايات المتحدة الأمريكية من شرق الفرات، وفي آخر ظهور له كان يأمل بأن تنضمَّ إلى مقاومته تلك جموعُ الدروز "الزعران" الذي أحرقوا صور بشار وعلم نظامه. كانت عينا اللباد تشعّ بلا انقطاع طيلة اللقاء التلفزيوني، وكأنه وفّر وظيفةً حكومية ثمينة لمن ثار في السويداء، وهي العمل إمّا لدى دائرة "المقاومة الشعبية" والنفوس، أو لدى دائرة "المقاومة الشعبية" والبيئة، لا يهم! إحداهما على الأقل ستقود "بايدن" إمّا إلى تقديم استقالة مبكرة، أو إلى مستشفى ابن سينا للأمراض العقلية والنفسية!

ما بعد إحراق سرايا السويداء

لا يزال الكثير من الدروز يسمّون بناء المحافظة "بالسرايا" وهي كلمة تركية معناها القصر، وذاك البناء هو قصرٌ عثمانيّ قديم بالفعل، وسيتذكر الدروز، وربما غيرهم من السوريين تاريخ إحراقه بدقة، يوم الأحد الرابع من كانون الأول/ ديسمبر من العام 2022، بكل ما حواه من صورٍ أنيقة لرأس النظام، وأعلام بالمقاسات الرسميّة الثلاثة، وملفات متشعّبة الارتباط، وأثاث مكتبي. لكن قلّةً فقط تنجو من السكتة القلبية إن رأت حمودة الصباغ على إحدى قنوات النظام الإعلامية، وهو يشرح بفصاحةٍ للغافلين عن الحقيقة كيف أن موقف نظامه "المبدئي" من "القضية الفلسطينية" هو سبب الويلات التي يعانقها السوريون بلا انقطاع، وحمودة ذاك ليس الذي تغنّي له عليّة التونسيّة أغنيتها الراقصة "جاري يا حموّدة" بل هو رئيس مجلس شعب النظام، ويبدو عن قرب وكأنه الشقيق غير التوأم لوليد المعلم وزير خارجية السلطة السابق، لجهة امتلائه بالسُّمنة المفرطة، وتباهيهِ بها، وكأنها وسام جمهوري لا يملُّ بشار من إلصاقه على وجوه أركان نظام حكمه.

بعد أسبوع على إحراق "السرايا" وعلى اختفاء انتفاضة الدروز، أخذت الوقفات الاحتجاجيّة تطلّ بخجلٍ وتلعثم، بعضها دام يومين كالوقفة في ساحة السير "الكرامة لاحقاً" وسط المدينة، والتي لم تستقدم إليها سوى القليل من الواقفين المحتجّين، لم يكن عددهم مشجّعاً بأي حال للديمومة والبقاء، وبعضها الآخر تمّ الإعلان عنه مسبقاً وقبل أسبوع من موعده، مثل وقفة ساحة الشعلة، أو تلك التي ستقام أمام منزل شيخ العقل الثالث للدروز في بلدة "السهوة". لكن ما الذي حدث في زحمة الكواليس المعتمة لبتر تلك الانتفاضة، والاعتداء على بهجتها المشعّة؟! وتسليمها إلى اعتقال طويل داخل مقرّات الوقفات الاحتجاجيّة الخجولة التي تشبه تصفية الوقت والمخيّلة الجامحة معاً؟! لا أحد يدري على وجه الدقة، ولا حتى "جارهم حمودة" يدري أيضاً؟!

إسعاف الحالات الحرجة فقط!

يفرض بقاء بشار في الحكم ضرائبَ مُبهجة وأضافية على القطعان الموالية، منها توقّف الأفران الخاصة عن نشوة إنتاج الخبز بسبب غياب المازوت، ومنها اقتصار حركة سيارات الإسعاف التابعة لمستشفيات النظام على نقل الحالات الحرجة فقط، بعد تخفيض مخصصاتها من مادة البنزين 40 في المئة. لكن كيف يمكن تحديد الحالة الحرجة هنا؟!    

صدّقوني المسألة صعبة للغاية! وربما هي كذلك على جورج قرداحي، وعلى حفيظ درّاجي، حتى ولو اجتمعا معاً على امتداح الطاغية، سيبدو الأمر صعباً عليهما ومقلقاً في آن، مهما اصطاد قرداحي حجلاً ودجاج ماء من سبخات حلب المقهورة، ومهما غرغر صوت دراجي واستعرض طبقاته المختلفة كلما لمست البرازيل كرة القدم.

السوريون الموالون برمّتهم هم الحالة الحرجة التي ينبغي إسعافها بلا تلكؤ، يجوعون فيحمدون، يبردون فيتدثرون، يعتليهم النظام فيرقصون، وكلما نبذتهم الحياة يقولون: إنا لله وإنا إليه لراجعون، فيُسعفون، وإلا ما نفع تحديد سمات الحالة الحرجة الجديدة في سوريا، والتي ينبغي إسعافها على الفور، إن لم تكن كحالة الموالين تلك؟!.

مؤخراً استطاع برلمان البيرو عزل الرئيس بيدرو كاستيو، ولم يتمكن هذا الأخير من حلّ البرلمان بالرغم من جهده المبذول والواضح في سبيل ذلك، ليصير الرئيس الثالث الذي يعزله البرلمان، أما عزل كاستيو فقد جاء على خلفية انغماسه في ملف فساد حكومي ضخم. 

عاجلاً أم آجلاً سيعلم "حمودة" بما حدث في البيرو، لن تردعه دهونه العنيدة عن شغف المعرفة والاطلاع، ولن يتحسر على الفارق الجوهري بين برلمانٍ حر، وآخر مُستعبَد كالذي يترأّسه، قد يقول: يا أخي البيرو لا تحمل هموم "القضية الفلسطينية" لتنهشها مؤامرةٌ كونية كالتي نهشتنا!! لكنه يعلم في قرارة نفسه بأنه "حالة حرجة" كسواه من عبيد هذا النظام، حالةٌ ينبغي علاجها بصورة لا تحتمل التأجيل، أو إتلافها على الفور.       

             

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات