3 أزمات تزيد مأساة النازحين في الشمال السوري

3 أزمات تزيد مأساة النازحين في الشمال السوري

"في هذه الأيام الباردة وعند كل مساء، يشتدّ البرد وتبدأ مدافئ النايلون والبلاستيك تنفث دخانها الملوّن عبر الأجواء، عندها ترتفع حدة (الربو) عندي، وأشعر ضيقاً بالتنفس وأضطر لاستخدام البخاخ بشكل متكرر وطوال السهرة وخاصة عندما أتنقل في شوارع المخيم حيث الأجواء المشبعة بالدخان".

ذلك ما بدأ أبو عبد الله به حديثه لموقع "أورينت نت" خلال زيارتنا المسائية له.. كلماته المتقطعة قالها وسط السعال وممسكاً ببخاخ الربو بعد أن ضغطه عدة مرات في فمه ليفتح مجرى التنفس وقد بدت صعوبته من خلال صوت الحشرجة المسموعة لمن حوله، وأضاف أبو عبد الله النازح من ريف المعرة الغربي منذ عدة سنوات والمقيم في مخيم المطار القريب من مدينة الدانا الحدودية: "غلاء الحطب والقشور بشكل كبير إضافة إلى ارتفاع سعر الوقود بكافة أنواعه أرغم سكان المخيمات البحث عن البديل ووجدوا ضالتهم في ما يجمعه أبناؤهم خلال فصل الصيف من الكرتون والبلاستيك والنايلون، إضافة إلى أن البعض اشترى الألبسة الأوربية المستوردة (البالة) لاستخدامها في التدفئة ومنهم من يستخدم الفوط (الحفوضات) لنفس الغرض، ويمكن معرفة نوع التدفئة من شكل عمود الدخان الذي يصعد من مدافئهم". 

مع موجة البرد الحالية التي تضرب الشمال السوري والتي تترافق مع كثافة الضباب التي امتدت لتشمل كافة المناطق وتستمر طوال ساعات الليل وحتى ساعات الصباح المتأخرة، خلال هذة الفترة تظلل المخيم طبقات من الدخان الملون، تجعل كل من يسكن الخيم أو يجول بينها يعاني من ضيق التنفس، حتى أن كثافة الدخان تدخل الخيم وتسبب مزيداً من الضيق للناس وخاصة الأطفال الصغار وكبار السن.

غلاء أسعار ووسائل تدفئة ضارة

عبدالرحمن العبود ربّ أسرة مكوّنة من أربعة أطفال ومقيم في مخيم النور جنوب سرمدا قال إنه يضطر لمراجعة المراكز الطبية مع اشتداد برودة الجو لأن ارتفاع أسعار المحروقات أرغمهم على استخدام المواد البديلة والرخيصة مثل البلاستيك والكرتون، وهو ما يسبب الأمراض الصدرية والتنفسية للأطفال، مما يضطرنا للإسراع بهم إلى المشافي والتنقل ما بين مخابر التحاليل وغرف التصوير الشعاعي وفي أحيان كثيرة يحتاج الطفل لعدد من جلسات الرذاذ، وتستمر هذه الحالة منذ ولادة الطفل وحتى بلوغه العامين من عمره.

الدكتور أحمد علي العلي العامل في مشفى مخيمات أطمة أوضح لنا أن "استخدام هذه المواد في التدفئة يرفع نسبة الإنتانات التنفسية العلوية والسفلية لدى الأطفال في المخيمات، حيث السعال الشديد ما يستدعي جلسات الرذاذ، ويزداد عدد المراجعين للمشفى ونضطر إلى استقبال أعداد من المرضى تزيد عن الطاقة الاستيعابية للمشفى".

أما عن النصائح التي يوجهونها لذوي المرضى، يقول الدكتور أحمد، إن "الابتعاد عن السبب المؤدي للمرض هي النصيحة الأولى عادة، ولكننا للأسف لا نستطيع أن نطلب من أهل الطفل المصاب بالأمراض التنفسية أو الربو الابتعاد عن جو المخيم، فهم مرغمون على البقاء فيه بحكم الظروف القاهرة التي يعيشونها، ولكن ما نستطيع قوله أن يتركوا فتحات صغيرة للتهوية وتعريض الأغطية والألبسة المشبعة بالدخان للشمس واستخدام الأدوية والسيرومات بشكل منتظم".

المقالع الحجرية

التلوث الناتج عن وسائل التدفئة البديلة ليس هو الوحيد في مناطق المخيمات بل تعدّاها إلى المقالع الحجرية، التي تنتشر في كل مناطق المخيمات الجبلية وخاصة في منطقة دير حسان المكتظة بالمخيمات والمحاطة بالمقالع من كل الجهات، حيث إنّ العمل في تلك المقالع يعتمد على استخدام المتفجرات لتفتيت الصخر قبل طحنه للحصول على أنواع الرمل المختلفة.

وذلك ما يسبب تصاعد الغبار الأبيض وانتشاره، حتى بات واضحاً على وجوه الجوار، وفي الصدد تقول أم حسين التي تُقيم في مخيم الغاب ضمن تجمع مخيمات دير حسان والنازحة إليه من جبل شحشبحو قبل سنوات أربع، إنها تشطف الأرض عدة مرات في اليوم دون جدوى، فالغبار يعود ليكسو الأرض ويغطي الأواني، الأمر الذي يفرض علينا غسلها قبل كل استخدام.

كما تشير السيدة إلى أن هناك أذى آخر من المقالع بقولها: "قوة التفجيرات الصادرة من المقالع وقربها من المخيمات تسبب تشققات في جدران البلوك المحيطة بالخيم وقد تصل بها حد الانهيار، الأمر الذي يسبب خطورة على حياة الناس، إضافة إلى أن بعض الحجارة المتناثرة من التفجير تتساقط على شوارع المخيم وتزيد من الخطورة على الأطفال أثناء لعبهم، وتذكرهم بأصوات قصف طيران الأسد وحليفه الروسي".

وسألنا أم حسين لماذا لا تقدموا شكوى، لترد أنهم قدموا شكايات وتلقوا وعوداً بمعالجة المشكلة ولكنهم لم يلمسوا استجابة، فالغبار مازال يصعد وأصوات الانفجارات تعلو".

كثافة الغبار الناجمة عن تلك المقالع مع موجات الضباب التي تجتاح مناطق المخيمات، تحجب الرؤيا في الطرقات القريبة من المقالع، ما يسبب الكثير من الحوادث المرورية، كما إنّ ضرر الغبار يصل إلى رئات سكان الخيم القريبة ويُحدث مشكلات في العيون.

وتنتشر أيضاً وبالقرب من المقالع أيضاً وبين المخيمات المناشر الحجرية التي تعمل ليل نهار والتي تصدر ضجيجاً مرتفعاً تمنع جيرانها من النوم أو حتى الإحساس بالهدوء، مع الغبار المنتشر والذي يدخل الخيم دون استئذان، سألنا الحاج عبيد الذي يسكن في مخيم الجبل غرب سرمدا والذي تحيط به مناشر الحجر من جهات ثلاث، عن حالهم فأخبرنا أنه محروم من النوم حاله حال ساكني المخيم بسبب أصوات الآلات الصادرة عن هذه المناشر مع ما يعانونه من تلوث الهواء وخاصة عند اشتداد الرياح.

الصرف الصحي

مجاري الصرف الصحي المكشوفة تشارك أيضاً في التلوث، إضافة إلى الروائح الكريهة المنبعثة منها وهي مرتعٌ للبعوض والحشرات الحاملة للجراثيم والتي تسبب الكثير من الأمراض الجلدية.

الممرض المناوب في مستوصف المجد قرب بلدة كللي أحمد مصطفى السعيد، أخبرنا بأنهم يستقبلون العديد من المرضى في فترة المساء وهم يشكون من ضيق التنفس ويحتاجون جلسات الرذاذ نتيجة لارتفاع نسب التلوث في الهواء في فترة البرد، كما إنهم سجلوا حالات عدة من مرض الكوليرا الذي انتشر مؤخراً في مناطق المخيمات والذي من أهم أسبابه مياه الشرب الملوثة بالصرف الصحي، إضافة إلى الخضار المرويّة بمياه الصرف، وقال إن هناك حاجة لحملات توعية تشمل كافة المخيمات وتشرح طرق الحماية من المرض.

بدوره أصدر فريق “منسقو الاستجابة” إحصائية حول مخيمات النازحين في شمال سوريا الشهر الماضي، وحدد من خلالها أبرز المشاكل التي يواجهها النازحون وهي البيئة غير الصحية والتلوث، ولا سيما في المخيمات العشوائية، وشملت الأرقام الوحدات السكنية المقامة حديثاً، والمخيمات العشوائية، حيث ارتفع عدد المخيمات الكلي وفق بيان “منسقو الاستجابة” إلى 1633 يقيم فيها مليون وثمانمئة ألف نازح.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات