مخلّفات الحرب في الشمال.. إحصائية مخيفة لقاتل موقوت والأطفال أكثر الضحايا

مخلّفات الحرب في الشمال.. إحصائية مخيفة لقاتل موقوت والأطفال أكثر الضحايا

بينما كان عبد الله الخلف، شاب ثلاثيني مهجر من بلدة العيس جنوب حلب إلى قرية النيرب شرق إدلب، يرعى أغنامه، وجد لغماً كبيراً زرعته قوات النظام بعد خسارتها مناطق إدلب وريفها في 2015، فأحضر اللغم إلى منزله برفقة اثنين من أولاد أخيه، ليحاول فتحه بأداة حادة، فانفجر عليه وقتله مع ابن أخيه ابن العشر سنوات، كما أصاب ابن أخيه الآخر بشظايا في عينيه ما زال يعاني منها، عبر إجراء عمليات جراحية تصل تكلفتها لـ 1000 دولار أمريكي.

وليست حادثة السيد عبد الله فارس الحمد بعيدة، حيث فقد إحدى يديه بينما كان يبحث عن ألغام يفككها قرب الجبهات العسكرية بريف حلب، ليقوم ببيع المواد المتفجرة الموجودة داخل الألغام، فهو يتخذها مهنة له ولكن خطورتها تسببت له بعاهة دائمة.

وفي حادثة مشابهة في صيف 2016، بينما كان حسن حج عزيز، شاب عشريني من قرية البها بجبل الحص جنوب حلب، يرعى الغنم مع خمسة أطفال، وجدوا قذيفة مدفعية عيار130، وأثناء قيامهم بتفكيكها لبيعها خردة، انفجرت عليهم لتقتل أربعة أطفال والشاب حسن وتبتر قدمي طفل ويده وأصابع اليد الأخرى.

وتسبب الألغام ومخلفات الحرب بمقتل وإصابة الكثير من المدنيين، وخصوصاً القاطنين بالقرب من الجبهات مع ميليشيات أسد في جنوب وشرق إدلب وغرب حلب.

ويعيش ملايين المدنيين في سوريا في مناطق موبوءة بالألغام والذخائر غير المنفجرة نتيجة سنوات من قصف النظام وروسيا، وتشكّل تهديداً كبيراً على حياة السكان، وتؤثر بشكل مباشر على استقرار المدنيين والتعليم والزراعة.

قاتل موقوت 

يقول السيد محمد سامي المحمد، مسؤول فرق إزالة مخلفات الحرب (uxo) لأورينت نت، "لا يقتصر خطر القصف والهجمات العسكرية على الأثر المباشر من قتل وتدمير للبنية التحتية والمنازل، هناك مخاطر أخرى كبيرة، هي إرث ثقيل يمتد لسنوات ويلاحق المدنيين، حيث آلاف من الذخائر التي تقصف بها المدن والأراضي الزراعية لا تنفجر وتبقى بين المنازل والأراضي الزراعية محتفظة بقدرتها على القتل".

وعن استجابة فرق الدفاع المدني يقول المحمد، إنهم استجابوا خلال عام 2020 لأكثر من 60 انفجاراً لمخلفات الحرب في شمال غرب سوريا أدت لمقتل 32 شخصاً بينهم 6 أطفال و4 نساء وإصابة 65 آخرين بينهم 7 أطفال و13 امرأة.

بينما انخفضت انفجارات مخلفات الحرب لنحو النصف عام 2021، حيث "استجابت فرقنا لـ 32 انفجاراً، أدت لمقتل 18 شخصاً بينهم 5 أطفال، وإصابة 32 آخرين بينهم 11 طفلاً".

ومنذ بداية العام الحالي حتى الثلاثاء 6 كانون الأول، "وثقت فرقنا 31 انفجار لمخلفات الحرب في شمال غرب سوريا أدت لمقتل 28 شخصاً بينهم 13 طفلاً، وإصابة 31 آخرين بينهم 22 طفلاً".

يتابع المحمد، تقوم فرق متخصصة في الدفاع المدني السوري في التعامل مع أنواع محددة من مخلفات الحرب، وهي أحد أخطر الخدمات وأصعبها، وتضم عدة نشاطات مختلفة منها المسح لتحديد المناطق الملوّثة وعمليات التوعية، وعمليات التخلص بشكل نهائي من الذخائر.

يبلغ عدد فرق الإزالة 6 فرق متوزعة في شمال غرب سوريا قامت حتى الآن بالتخلّص من أكثر من 23 ألف ذخيرة متنوعة من بينها أكثر من21 ألف قنبلة عنقودية وضمن إمكانيات محدودة جداً وظروف عمل صعبة للغاية في كثير من الأحيان كلّفت 4 قتلى من الدفاع المدني السوري.

وأضاف "انضمت متطوعات في الخوذ البيضاء للمرة الأولى في شمال غرب سوريا هذا العام إلى فرق الذخائر غير المنفجرة (uxo)، وذلك في مهمة جديدة يؤدينها في معركتهن للحفاظ على المجتمعات ولإنقاذ الحياة، لتثبت المرأة السورية في كل لحظة أنها بالخطوط الأمامية، في السلم وفي الحرب، وكانت رائدة في التعليم والقيادة وبناء الأجيال، واليوم هي رائدة في حماية المجتمعات وإنقاذ الأرواح".

وطوال السنوات الماضية، وثقت فرق الذخائر في الدفاع المدني السوري استخدام 60 نوعاً من الذخائر المتنوعة تم استخدامها لقتل المدنيين منها 11 نوعاً من القنابل العنقودية المحرمة دولياً والتي لم يتوانَ النظام وحليفه الروسي عن استخدامها.

ومنذ بداية العام الحالي وحتى منتصف نهاية شهر تشرين الثاني أتلفت فرق (uxo) في الدفاع المدني السوري أكثر من 850 نزه من الذخيرة  بينها 377 لغما وقدمت الفرق أكثر من  1100 جلسة توعية من مخاطر الألغام ومخلفات الحرب.

صعوبات وتحديات

يقول المحمد، "هناك جملة من الصعوبات وخاصة أن إزالة مخلفات الحرب هي المهمة الأخطر في العالم والخطأ الأول سيكون الأخير".

وفقد الدفاع المدني السوري منذ بدء العمل بإزالة مخلفات الحرب 4 متطوعين وأصيب آخرون، وتبقى المعوقات الأمنية من أبرز المخاطر أيضاً، لوجود أعداد كبيرة من مخلفات الحرب والذخائر غير المنفجرة بمناطق قريبة من خطوط التماس مع ميليشيات أسد وروسيا وأحياناً يتم استهداف الفرق، ما يُشكّل عائقاً كبيراً على عمل الفرق، وخاصة أن قوات النظام وروسيا تتبع سياسة ممنهجة باستهداف العمال الإنسانيين.

ويوجد معوقات لوجستية تتعلق بعدم توفر المعدات المتطورة، فيما تحتاج كوادر فرق الإزالة (uxo) لتدريبات متقدمة لأن التدريبات التي خضعت لها غير كافية للتعامل مع جميع أنواع الذخائر ومخلفات الحرب ويبقى التعامل محدوداً مع عدد من المخلفات وتسعى الفرق لكسب المزيد من الخبرات للتعامل مع جميع أنواع الذخائر ومخلفات الحرب.

وتعمل منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية والفرق التطوعية على رفع الوعي لدى المدنيين بمخاطر مخلفات الحرب والوقاية منها والابتعاد عنها وخصوصاً لدى الأطفال، مما ساهم بتقليل عدد الإصابات بهذه المخلفات.

وتنتشر مخلّفات الحرب في عموم مناطق سوريا التي باتت ساحة حرب لتجريب واختبار الأسلحة الروسية، فحجم الترسانة العسكرية التي تم قصف المدنيين فيها كبير، وانتشرت مخلفات الحرب في المدن والقرى وفي الأحياء السكنية وفي الأراضي الزراعية.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات