مقاربات كردية لاقتتال الفصائل المسلحة في عفرين

مقاربات كردية لاقتتال الفصائل المسلحة في عفرين

أصدرت مختلف القوى والتكتلات السياسية الكردية مواقف متشابهة ومتقاطعة في العديد من النقاط حول ما يدور في عفرين من اقتتال بين الفصائل المسلحة المختلفة وتدخل هيئة تحرير الشام فيها.

 فالمجلس الكردي انطلق من مقاربته للموضوع حول الضرر البليغ لحياة ومصالح واستقرار الأهالي والمنطقة والتي تتضرر نتيجة المعارك، مبدية اعتراضها على تدخّل تحرير الشام "جبهة النصرة" -المصنّفة إرهابياً- نصرة للحمزات والعمشات، فتصبح المنطقة الجغرافية تحت سيطرة "النصرة" تمتد من إدلب حتّى عفرين ومرشحة لتصل إلى مناطق درع الفرات ونبع السلام، وتالياً تُصبح مكونات "المنطقة الكردية" ودير الزور والرقة على تماس مباشر مع جبهة النصرة، مقاربة المجلس للقضية امتدت لتتهم الفصائل المسلحة المسيطرة على عفرين باستهتارها بحياة الناس وانتهاكاتها المستمرة، ووضعت الكرة في الملعب التركي لتحمّل مسؤولياته، كونه صاحب القرار في المنطقة، وتنتهي مقاربة المجلس للقضية بضرورة إخراج تلك الفصائل بما فيها النصرة كحل وحيد للاستقرار وإسناد المنطقة إلى أبنائها.

في حين أن مقاربة "قسد" للموضوع تقوم على اتهام كافة الأطراف بالقيام بمسرحية وصفتها بالهزيلة، وأن سيطرة هيئة تحرير الشام على عفرين إنما جاءت بموافقة تركيا لأسباب تتعلق بالجانب الميداني العسكري والسياسي وطبيعة الصراع بين قسد وتركيا، خاصة وأن الأولى تخشى من سيطرة هيئة تحرير الشام والفصائل المتعاونة معها على منبج أو ريف كوباني الغربي، وهو ما يعني الحصار المطبق على كامل مناطق سيطرة قسد، وتالياً تدرك قسد أنها ربما تصبح ضحية توافقات ومقايضات بين قوة إقليمية ودولية، وتكون هي الخاسرة بذلك.

أما مقاربة الحزب الديمقراطي التقدمي فقامت على "المخاوف من تسبب المعارك بالمزيد من هجرة الشعب الكردي من المنطقة، وإنها تدخل ضمن سياق ترتيبات تجريها تركيا لتعزيز موقعها أثناء أي اتصال مع دمشق برعاية روسيا، ورغبة منها بالتخلص من التنظيمات العسكرية الصغيرة، وتسليم المنطقة لجبهة النصرة وإعادة مليون لاجئ وتغيير ديموغرافية المنطقة".

تشابه في المضامين

التشابه بين مقاربات الأطراف تقوم أساساً على ستة مُحددات، الأول: الائتلاف وقيادة الأركان ووزير الدفاع لا سلطة لهم على تلك الفصائل وبل لا إمكانية لنقل عسكري من السلطان مراد إلى فيلق الشام على سبيل المثال، الثاني: الاستغراب من سرعة خروج المناطق والبلدات من سيطرة الفيلق الثالث-الجيش الوطني، الثالث: مؤشرات واضحة على غياب الاندماج بين الفصائل والألوية المستقلة كلٌ عن الأخرى، و"يتمتع" كل طرف بلجان سياسية ومحاكم وشرطة وأمنيات خاصة بها، تقاسموا مناطق النفوذ على حساب المجتمع المحلي، والرابع: رفضهم لسيطرة تحرير الشام-جبهة النصرة على أيّ من المناطق المعروفة بــ"درع الفرات-غصن الزيتون-نبع السلام"، لأسباب تتعلق بمستقبل المناطق الكردية في سوريا والرقة ودير الزور وغيرها، وبالتالي تغيير كلي في قواعد اللعبة وحصار خانق على ما تبقى من كتلة صلبة الجغرافية للقضية الكردية. والخامس: التغيير الديمغرافي والمزيد من تهجير السكان المحليين. والسادس والأخطر: تتفق كافة الأطراف الكردية بأنه لم تتغير المعادلة مع تخلي أبو محمد الجولاني عن القاعدة وتأسيسه "جبهة فتح الشام" كفصيل جهادي، ولم تنجح محاولته في  تطوير نفسه عبر تبني خطاب جديد وإعلان "هيئة تحرير الشام" والادعاء بتبني القيم الثورية، وبل اجتهد كثيراً في منح نفسه طابعاً مدنيّاً عبر حكومة الإنقاذ التي أعلنها، في حين أن المقاربات تختلف بين الأطراف حول طلب الوطني الكردي من تركيا تحمّل مسؤولياتها ومنع أي تمدد لهيئة تحرير الشام على حساب الأهالي والمنطقة ومستقبلها. وتذهب مقاربة قسد في اتجاه اتهامها لتركيا بالتساهل أو تراخي الفصائل التابعة لها أمام تمدد الجبهة، ويتهم التقدمي تركيا بفوبيا الكرد واستهداف الوجود الكردي في سوريا. 

هل تركيا محتارة أيضاً؟ 

الوقائع الجغرافية، تثبت عدم رغبة تركيا بالتفريط بالمناطق التي تسيطر عليها لصالح أطراف أخرى، لعدم إضعاف موقعها السياسي في الملف السوري لصالح نفوذ وأطراف عديدة، لكن أمام الصورة السوداوية لواقع الفصائل المسلحة وعدم انسجامها، وبل تكرار مشاكلها، هل لا تزال تركيا مضطرة للدفاع عنها وتمويلها، أم إن التعامل مع رأس وجسد وقرار واحد أسهل وأكثر توفيراً للجهد والمال، ويسهل عليها الاستثمار فيها؟ أم إنها تقوم بتأديب فصائل المعارضة السورية للعديد من الأسباب، ومن يدري ربما تدمج السببين معاً، خاصة وأن المعارضة السورية لم تتعلم من درس المجتمع الدولي الذي قطع الدعم عن تلك الفصائل بإلغاء غرفتي "الموم والموك" وفي البداية استمرت تركيا وقطر وحدهما في التمويل والدعم على أمل توحيدها في جسم عسكري وقيادة سياسية واحدة، قبل أن تذهب "أنقرة والدوحة" للابتعاد عن تمويلهما أيضاً بعد اليأس من إمكانية لم شملهم معاً، وبقيت الأطراف التي تسيطر على المعابر تتمتع بموارد مالية متفاوتة، كحال الجبهة الشامية التي تشكل العمود الفقري لما يسمى الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني والتي تسيطر على معبر إعزاز، وهيئة تحرير الشام المسيطرة على معبر باب الهوى في إدلب، إضافة إلى معابر أخرى مع قوات سوريا الديمقراطية، ومناطق سيطرة ميليشيا أسد، والتي تتوزع سيطرة تلك المعابر على فصائل مختلفة. فمن أين تأتي باقي الفصائل بمواردها المالية؟ بوضوح لم تجد سوى في فرض الإتاوات وقطع الأشجار وبيعها أفضل حلّ لها.

وصحيح أن لتركيا دوراً كبيراً في صناعة قرار تلك الفصائل، لكن يُمكن القول إن أنقرة اليوم ملت وتعبت من صراعاتهم اليومية، وانعكاسها على  قوى المعارضة السياسية وبل إحداثها شرخاً عميقاً بين كتلها، وتالياً سيكون لها تأثيرات وتبعات على مختلف تشكيلات المعارضة السورية سواء داخل "المؤسسات الرسمية للمعارضة أو خارجها"، وإذا كانت تركيبة وطبيعة العديد من الأطراف السياسية المشكلة للائتلاف ليس لها أي علاقة مؤثرة وغير مرتبطة بشكل من أشكال العلاقة مع القوى العسكرية المتصارعة، لكن ليس مستبعداً أن تتأثر وتتعرض للضغوطات المختلفة لاسيما إمكانية طرد مؤسساتها من المناطق التي تسيطر عليها تحرير الشام.

 في حين أن الفصائل العسكرية في مناطق سيطرة المعارضة والمنتشرة في جسم المعارضة السورية تحت مسميات مختلفة، فإنها هي المعنية الأساس، وكل مجريات المعارك من اقتتال وصلح وانسحاب وسيطرة يؤثر مباشرة على عملها ومستقبل انتشارها، فهي المعتمدة على طبيعة العلاقات البينية ونقاط الانتشار العسكري وموازين القوى، ولا تهتم كثيراً بقضايا الخلافات السياسية، لكنها تلعب دوراً مؤثراً في صناعة ذلك القرار بما يخدم أفعالها.

ترقب لمكونات شمال شرق سوريا 

استمرار تمدد هيئة تحرير الشام يُنذر بكارثة بشرية على كامل سوريا سيما شمالها وغربها، ويضع شمال شرق سوريا في أخطر منزلق جديد، خاصة وأن مكونات الشمال الشرقي تعي جداً ماذا يعني سيطرة فصيل مصنف إرهابياً على منطقة حدودية متاخمة لهم في سري كانيه على سبيل المثال أو على عفرين أو بالقرب من الريف الشمالي للرقة، فهم المكتوون بنار داعش منذ أعوام ولا يزالون يدفعون ثمنها، ولنا في المجازر التي ارتكبت في الرقة ودير الزور وعشائرها العربية جنوب القامشلي وريف الحسكة خير مثال على ذلك.

 وبالمقابل تمتلك الإدارة الذاتية أوراقاً جيدة في لجم تلك التطلعات، لتأخذ دور المنقذ للمنطقة التي تدخل مرحلة جديدة باقتراب جبهة النصرة منها، فهي وإن كانت تجتهد كثيراً في إطار بحثها عن المشروعية الخارجية، لكن الغريب إنها لا تلتفت بالسوية ذاتها للداخل والإطار المحلي والاتفاق مع القوى الأخرى الموجودة على الأرض، فهذه المرة الوضع غير، وربما تجد قسد نفسها في مواجهة مفتوحة مع الهيئة والعمشات والحمزات وسواها، أو مع تركيا وروسيا وقوات النظام.

وليس مستبعداً أن تركيا محتارة بين "تربية" كل الفصائل بعد تمردها على طرحها فتح صفحة حوار بين المعارضة والنظام، وبين عدم منح بطاقة مجانية لروسيا، لكن هيئة تحرير الشام أصبحت شريكة وفاعل وبل ذات حركية رئيسية في الأمنيات والحواجز والملف العسكري.

 وما يهم الأطراف الكردية هو كيفية ضمان عدم نشوب معارك جديدة في مناطقها، وحماية عفرين من أتون المعارك، وهي التي لا تمتلك أي أوراق ضغط أو مواجهة مباشرة مع مختلف الأطراف العسكرية هناك، ما خلا الورقة الوحيدة والتي يُفرط الكرد بها، ورقة فتح باب الحوار بين المجلس الكردي والإدارة الذاتية مجدداً، والاتفاق على أبرز بنود الخلاف بينهم، والاستفادة من الدرس التركي الذي تلقنه للفصائل العسكرية المختلفة بعد نفاد صبرها، والذي من الممكن أن تكون الإدارة الأمريكية أيضاً صاحبة صبر غير إستراتيجي.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات