كان حافظ أسد القائد العظيم الخالد بطلاً حقيقياً، فلم يسلّم بلاده إلى الأمريكان ثمّ الإيرانيين كما فعل القائد المغوار المُجاهد صدّام حسين، بل إلى الإيرانيين والروس، ولم يفتك حافظ بالشيعة والسنّة والأكراد كما فعل صدّام حسين، بل بالأكراد والسنّة غالباً، ولم يقتل حافظ نصف مليون شابّ عراقي فداءً للخليج في حرب بالوكالة، بل أجّر الدولة السورية للجميع وقتل من قتل فداءً للمقاومة في السجون والمعتقلات، ثمّ نفق براحة وطمأنينة في مستشفى على سرير، فما أخرجه جندي أمريكي من حفرة فينفق متدلّياً من حبل على يد من هو أسفل منهم وهم أسفل منه.
مات "حافظ الأسد" بمرض الموت الطبيعي، وما سمح لأحد أن يشنقه، كما شُنِق "صدّام"، كلاهما حكما "الهلال الخصيب" بلاد الرافدين وبلاد الشام عشرات السنوات، المنطقة التي ازدهرت فيها قديماً أرقى وأهمّ وأغنى الحضارات في العالم، وحتّى العصر الحديث ظلّ "العراق" و"سوريا" منارتين للثقافة والعلم والآداب والفنون، فقدّم البَلدان أعظم الأدباء والعلماء والمفكّرين في المنطقة العربية وحول العالم، كما وأمهر الحرفيين والمعلّمين وغيرهم من الكفاءات البشرية في كلّ المجالات، لكن لم يُسمح أبداً لأهل هذه الكفاءات في العراق وسوريا وفي غيرهما من الدول العربية أن تُستثمر طاقاتها في الداخل، فتشتّت أصحابها في أصقاع المعمورة جرّاء القمع والتهميش والإذلال والإفقار، ما سبّب الهجرة في عهدي صدّام وحافظ، ثمّ ونزيف لجوء العراقيين والسوريين إثر الحرب الأمريكية على العراق وثورة السوريين على نظام بشّار الوحش.
قتل أية بارقة أمل
في دولتين غنيّتين بالموارد الطبيعية والبشرية، كادتا تثبان في وقت ما بعد استقلالهما عن بريطانيا وفرنسا نحو الديمقراطية والتعدّدية والازدهار العلمي والمعرفي والرخاء الاقتصادي كان لقوى الشرّ في الغرب والشرق وفي داخل العراق الشرقية وسوريا الغربية رأي آخر، قتل أيّة بارقة أمل بالتقدّم والانقضاض على أيّة محاولة للوثوب نحو الأمام، وليس أفضل وأسهل لفعل ذلك من تمكين العسكر وخلق الديكتاتوريات المتوحّشة والزعراء.
حُكِم البلدان شكلياً باسم "حزب البعث العربي الاشتراكي" بجناحيه يميناً ويساراً، لكنّ الجميع يعلم أنّ هذه الشكلية كانت وسيلة مهمّة ومطلوبة فقط للسيطرة على المجتمع بفئاته، وتطويعه بل تدجينه باستمرار وديمومة، وأنّ قوى الجيش والأمن كانت حاضرة جاهزة ومتأهّبة كلّما دعت الحاجة لخنق الحرّيات وكمّ الأفواه، بالتهديد والسجن والتعذيب والقتل، وهذه ليست مراحل متسلسلة مثل جداول العقوبات الوظيفية، فلقد يتمّ قتل الناس مباشرةً في الشوارع أو في غرف النوم، كما قد يتمّ بكلّ بساطة قتلهم جماعياً بالكيماوي الذي سبق فيه صدّام الأزعر في "حلبجة" الوحش ابن الوحش بشّار في "الغوطة" وغيرها، أو في حفر جماعية مثلما فعل الجيش العراقي بأكراد العراق فيما أسمي "حملة الأنفال"، أو كما فعل مرتزقة الجيش السوري بالسنّة الفلسطينيين والسوريين في "حيّ التضامن"، أو كما فعل الجيش السوري نفسه بالمعتقلين السوريين في "سجن تدمر"، تاريخ رهيب من إجرام لا يوصف، أبداً لا يمكن وصفه ولا حصره ولا كشف الكثير والكثير من فصوله أصلاً.
حزب واحد وبيئتان مختلفتان
يفكّر المرء الطبيعي دائماً وليس أحياناً ويتساءل: ما هذا القدر وما هذا النصيب وما كلّ هذا البؤس والألم ولماذا؟ أو يقول: ماذا فعلنا لنستحقّ كلّ هذا الماضي القريب وهذا الحاضر؟، كيف حلّ واحتلّ واستفحل بنا كلّ هذا البلاء، وكيف كانت حياتنا ومستقبلنا وستكون حياة ومستقبل أولادنا لو كانت الأحوال طبيعية؟ هكذا يفكّر المرء الطبيعي.
يقول "صالح القلّاب" وزير الثقافة ووزير الإعلام الأردني الأسبق: إنّ الفرق بين حافظ أسد وصدّام حسين اللذين تربّيا في حزب واحد ولكن في بيئتين مختلفتين، هو أنّ الأوّل كان ناعم الملمس وشديد التهذيب ووافر الأناقة وطويل البال، وأنّه عندما يقرّر التخلّص من خصومه فإنّه يأكلهم بالشوكة والسكّين، أمّا الثاني فإنّ ثقته الزائدة بنفسه مصطنعة، وأنّه شكّاك لا يثق حتّى بأولاده، وأنّه عندما يقرّر التخلّص ممّن يقفون في طريقه فإنّه يستخدم البلطة والساطور!.
يعني تعدّدت "الأساليب" والموت واحد، لكن.. وعَوداً على بدء، كانت -بزعمي- لنهايتهما المتّفقتين بالنتيجة وهي الموت، والمختلفتين بالوسيلة بين حبل مشنقة وسرير مشفى، سبب لا أكاد بعد كلّ ما حدث في العراق ثمّ في سوريا، وخصوصاً مع استمرار ابن الوحش ودعمه الدولي كلّ هذي السنوات، وهو أنّ صدّام كان في أحسن الاحتمالات دبّاً مفترساً انقضّ على "خلية نحل" وتمكّن منها، وفي أسوئها مجرّد عميل لكلّ من أوصلوه إلى السلطة ودعموا بقاءه ثمّ قُتِل حين آن أوان قطفه، وأمّا حافظ الوحش فلقد وليس فقد، لقد كان شريكاً لكلّ من أوصلوه ودعموه، شريك حقيقي بل و"حاخام" من عظماء حاخامات "إسرائيل"، بل ومثلما قيل في مقالة تحدّثت عن الجاسوس الإسرائيلي "إيلياهو كوهين" الذي ملأ الدنيا وشغل الناس: إنّ النظام السوري هو (أسد يهوذا الرابض على بلاد الشام) لحماية الدولة العبرية وتنفيذ وظائف محدّدة .
في النهاية، وهذا لتذكير من يحبّون صدّام الأزعر لأنّه "سنّي"، ومن أحبّوا ويحبّون الوحشين حافظ الوحش وابنه لأنّهما علويان، لم يكن صدّام سنيّاً بل ديكتاتوراً مجرماً سفّاحاً، ولم يكن الوحشان حافظ وابنه علويان بل ديكتاتوران مجرمان سفّاحان، إمّعات سفلة قتلة حثالة رعاع همج، وقدّر لهم أن يحكموا معظم "الهلال الخصيب"، ويا للعار.
التعليقات (10)