مشروع الثورة السورية في مواجهة مشاريع متعددة!

مشروع الثورة السورية في مواجهة مشاريع متعددة!

قضت سوء أحوال المنطقة خلال القرن المنصرم إلى عديد من الإشكاليات في بنية المجتمعات الشرق أوسطية، ولم تكن الدعوات العلمانية القومية وغيرها، على قدر كاف من المرونة والوعي بخصوصية المنطقة، فأفضت إلى ظهور أنظمة حاكمة لعقود أنظمة طائفية أسرية أقلوية مريضة بكل المعايير، حاقدة إلى حد يدفعها إلى تحويل المنطقة إلى خرائب حسب ما تقتضيه مصلحة مشغليها الإقليميين والدوليين.

في هذه الأثناء كانت كثير من شعوب المنطقة تتلمس قليلاً من كرامتها الإنسانية، باسم ثورات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة (عندما نقول: "قليلاً من كرامتها الإنسانية"، فنحن لا نتحدث عن حقوق آدمية طبيعية، بل تحسين ظرف العبودية ليكون أكثر شفقة، إذ إن المنطقة تحكمها أنظمة عميلة متواطئة لم يشهد مثلها التاريخ البشري).

الثورة السورية: مطالب بدائية وعصف جيوبولتيكي

كان السوريون بداية ٢٠١١ يمنون النفس بخروج رأس النظام، ليشمر عن ذراعيه ويبدأ حملة إصلاحات وتطهير في بنية الدولة، شعب بسيط ورئيس شاب على غير عادة رؤساء المنطقة، لكن الأماني لا تقع، بل تقع حقائق المرض الأقلوي أو المذهبي أو الثقافي... لتتطور نزعة المجتمع إلى الثورة بأدق تفاصيلها، والثورة عملية تطهير شاملة، ما فيها واسطية بين الحق وأنصاف الحق، لتبدأ الثورة (المشروع) التي تنحو منحى محلياً، غير متفقه في قضايا الإقليم ومشاريعه، لا يدري عن نفسه طبيعة ثعابين مجتمعه وأورام الثقافات والمذاهب التي كان يتعايش معها من غير سؤال عن لماذا؟! لدرجة أن الثوار السوريين لا يدرون شيئاً عن مدن سورية متمذهبة، أو جوار لسورية كيف ظهر فكره السياسي وأنظمته الديمغرافية الطولية والمتشابكة، نستطيع القول: إن السوريين في تلك اللحظات كان يمثلون المجتمع الطبيعي البسيط الذي تحدث عن فلاسفة المثال.  في الوقت الذي يحكم جوار سورية عصابات طائفية ومذهبية في لبنان برتبة دكتور وإمام وزعيم، وقوى أجنبية صليبية في العراق إلى جانب أقليات مسكونة بالأحقاد التي تشير إلى حقيقة وجود حيوانات غير ناطقة في المعمورة، نفسها فلسفة تعريف المكون اللا معروف بين مكونات العمران الأرضي، ناهيك من تورم المشروع اليهودي الصهيوني إلى الجنوب من سورية، وتعالي صيحات الظهور القادمة من الشرق الفارسي البعيد نسبياً، ودعوات إيفان الرهيب الزاحفة من أقصى شمال العالم الروسي، وهنا لا يجب أن أغفل عن ذكر طائفة الناس الجراثيم الذين يلتصقون بجدار عالم الأحرار والبشرية (العلمانيون)، كل هؤلاء مجتمعين سبقوا الثورة السورية ظهوراً وتاريخاً وإمكانية وقدرة على التحكم السياسي بالخيوط البسيطة المتواضعة في سورية.

عورات كانت مستترة!

عندما ظهر إلى الملأ الاقتتال الطائفي والمذهبي في لبنان، كان السوريون ينظرون إلى ذلك على أنها حرب أهلية، غير ذات أبعاد دينية وثقافية ونفسية، وذلك لضعف عامل الإعلام أو الثورة الرقمية في المنطقة، ولسيطرة أقلوية على مقاليد الحكم في سورية تمنع أي معرفة محقة في قضايا المنطقة خشية أن يتألب الرأي السوري العام وينهض من غيبوبته! فيتكرر النموذج بحرفيته في بلد عريق اسمه العراق، أو نصف الكعكة الموازي للنصف السوري (عصب المنطقة) المحاصر بالمشاريع. اقتتال أهلي، لا أحد يقول إن مشروعاً فارسياً شيعياً صليبياً يهودياً لقتل المسلمين على الهوية في العراق، يبدو أن منظمات حقوق الإنسان والرصد الأممي لم تكن قد تشكلت بعد، نفسها المنظمات التي تشكلت أو -بمعنى أدق- نهضت وشمرت عن ذراعيها في عهد الثورة السورية! والسؤال الأبرز كيف سيتمدد هذا البلاء والإجرام إلى سورية؟ بحقوق الإنسان والقيم الليبرالية والدعوات القومية والمقاومة والممانعة والشيطان الأكبر، وبالتأكيد بنباح الأمم المتحدة وعواء مجلس الأمن، وفيتو المهزلة البشرية، وبالخطوط الحمراء ورايات الجندر والمثلية وهذه الهرطقات اللا بشرية التي تتسابق إلى الفريسة البسيطة الغنية المشتهاة في سورية.

وتهدم حاجز الخوف!

وهذه دلالة يستخدمها السوريون في تعبيرهم عن علاقتهم بالحاكم الوضعي أو صبي الولي الفقيه والسامي رأس النظام، لكنني سأستخدمها للدلالة على أسفل من ذلك وعلى جذر المشكلات وموطن الشرور الذي تلحف المنطقة، وهم العلمانيون الذين لا تخفى انتماءاتهم الطائفية والمذهبية، ولا يمرّ يوم من تكشف عورة من عورات نضالهم المزعوم، أبعد مليون شهيد من فتياتنا وفتياننا ومئات الآلاف من المعتقلات والمعتقلين من صفوة مجتمعنا، تطالبوننا بحقوق المرأة، وتعرية المحجبات واللواط وغير ذلك من آفات البشرية؟ هزلت والله، أن تطالب الصابرات في السجون والعاملات في ميادين الفداء والكرامة ومعلمات ومربيات الشباب الذين يقارعونكم في الميادين كافة، -أن تطالب- بالسير وفق عقلكم الكيدي الحاقد ونزواتكم التي تمثل عمقكم الثقافي والمذهبي والديني. حزينون بالتأكيد لأن السوريين يهتفون "الله أكبر ويا الله ما لنا غير يا الله"، ويشتد حزنكم عندما يخرجون من المساجد إلى الميادين، ويسمع أنينكم أكثر عندما يطالبون بكرامتهم وحقوقهم وكرامة وحقوق أشقائهم على اختلاف مسمياتهم المذهبية، لا يمكنكم استيعاب ذلك، تفتقرون إلى القوة في الميدان، القوة التي تصنع وجه ومستقبل سورية التي يصنعها السوريون على عينهم وعين ربهم، وهذا يعني الموت غيظاً وكمداً على قرن كامل من محاولات تضييع للمجتمع باءت بالفشل.

أجهزة وأذرع!

لا أبالغ إن قلت: إن ٨٠% من مؤسسات ومنظمات وكيانات الإعلام والمراكز المختلفة التي "تدعي" الانتماء إلى الثورة، عبارة عن مرتزقة وأعداء للثورة، وهنا لست بمعرض التسمية، ولكن بمعرض المراقب للكم الهائل من التزوير والفحش الإعلامي ورخص المرتزقة، تزوير للإحصائيات والانتهاكات والرصد، فصل للدين عن الدولة، جندر ولواط، حقوق مرأة، موالاة لميليشيات طائفية تفتك بالمجتمع، ترويج وتعويم لقتلة ومجرمين باسم معارضة داخلية، سياسة إعلامية متواطئة مع واقع النظام والمجتمع المتجانس في البلدات التي تحتلها قوى أجنبية موغلة بدماء المجتمع، إرهاب وتطرف في محاربة الآراء المخالفة، نشر الرذيلة بحس أكاديمي، سيطرة أقلويين وطائفيين مرضى على هذه المؤسسات، وهذا بعض الممكن قوله، أما غير الممكن فنتركه للشعب الصابر على آلامه المتجاهل هؤلاء إلى حينهم.

شرف المواجهة والصناعة المتدرجة! 

كما كل الثورات في العالم، لا بد أن كل ثورة معاصرة واجهت عدواً من الأعداء المذكورين في صلب المادة، ولكن شرف السوريين أنهم يواجهون كل هؤلاء مجتمعين، ولربما تكون ثورة السوريين محل تأريخ وتأثير إقليمي وعالمي في حضارة العالم ومستقبل الشعوب، الثورة التي سجلت أروع الحوادث البشرية غير المعقولة في ميزان المادة، الثورة التي يعلم ثوارها أن نصرهم يكون في ربح الفكرة لا الجولة، وفي إيقاظ شعوب المنطقة على المخاطر الدينية والثقافية والأخلاقية المحيطة بها، وفي وضع مسمار قد يكون أخيراً في نعش أنظمة الإجرام الكهنوتية البالية وعلى رأسها نظام إيران... وكذلك في فضح سوءة النظام الدولي ومؤسساته وتواطئه، وفي إعادة إنتاج حدود وجغرافيا عادلة في المنطقة، وفي ذلك زوال لكثير من الكيانات المحتلة، والكيانات الموازية لها.

التعليقات (3)

    Hani Al مع احترامي

    ·منذ سنتين شهر
    لم ادخل في تفاصيل كل من يكتب يجب تقييم ما حدث.. و العمل على ثورة منظمة لها خطاب جامع... ما حدث هو ردة فعل و تراكمت معها أفعال كلها عاطفية.. المثقفون يبحثون عن السلطة و الكثير من أفراد الشعب... نحن نتيجة لعهود طويلة من القمع و الفساد نحن مشوهون بحاجة لتقويم وإصلاح ثم الانطلاق على أسس صحيحة

    Hani Al

    ·منذ سنتين شهر
    مقال جميل.. فيه ما يكفي من ألم وعاطفة نحتاج لحلول... رغم الصعوبات و كثرة الخونة والمخاذلبن نعم الحدث المأساة في سوريا عالمية لأنها عرت وكشفت الجميع شكرا حازم

    بو علي

    ·منذ سنة 8 أشهر
    مقال متخبط من دون معنى لأن الكاتب طائفي بوضوح ويريد اللف والدوران. لن يتقدم الشرق الأوسط بوجود الطائفية بكل بساطة ولهذا فكاتب كهذا يضيع وقتنا ووقته...
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات