السعودية ترفض التراجع عن تشددها تجاه واشنطن..محاولة انتقام أم حياد مؤقت؟

السعودية ترفض التراجع عن تشددها تجاه واشنطن..محاولة انتقام أم حياد مؤقت؟

‏جونسون عاد من السعودية خالي الوفاض، بعد رحلة "تسول النفط الفاشلة".. هكذا وصفت صحيفة ميرور الإنكليزية زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون يوم الأربعاء إلى الرياض وأبو ظبي، التي جاءت "لبناء أوسع التحالفات وتأمين خيارات بديلة تخلص الغرب من الابتزاز الروسي في مجال مصادر الطاقة"، كما قال جونسون قبل مغادرته لندن.


الرياض متمسكة بموقفها


زيارة رئيس الحكومة البريطانية تأتي، كما هو واضح، من أجل إقناع السعودية والإمارات بتغيير موقفهما من زيادة إنتاج النفط بهدف خفض أسعاره، بعد تقلص صادراته القادمة من روسيا نتيجة حزمة العقوبات الضخمة التي فرضت عليها مؤخراً من قبل الغرب بسبب غزو الجيش الروسي لأوكرانيا.

لكن، وحسب المعلومات التي رشحت عن الزيارة، فإن جونسون فشل هو الآخر باقناع الدولتين الخليجيتين المصدرتين للنفط والمؤثرتين في أسواقه العالمية، بالتراجع عن حصص الإنتاج المتفق عليها بين الدول النفطية، حيث أكد ‏ولي العهد السعودي "حرص بلاده على المحافظة على توازن أسواق النفط واستقرارها"، منوهاً بدور اتفاق أوبك+ في هذا الأمر وأهمية المحافظة عليه.

جاء ذلك خلال اتصال تلقاه من رئيس الوزراء الياباني يوم الخميس، وهو الاتصال الذي يعدّ إحدى المحاولات المستميتة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها من أجل تغيير موقف المملكة على هذا الصعيد.


يأتي ذلك وسط أنباء عن فشل محاولة أمريكية سرية قبل يومين لإقناع الرياض بالتراجع، كما تحدثت مصادر مقربة من القيادة السعودية عن اعتذار المملكة عن جدولة زيارات أمريكية جديدة في المستقبل القريب، في وقت تم الكشف فيه عن ترتيبات لتوجه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين إلى الرياض بالتزامن مع سفر الرئيس جو بايدن إلى بروكسل في الرابع والعشرين من آذار/مارس الجاري.

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية قد كشفت الأسبوع الماضي عن رفض قادة السعودية والإمارات الرد على اتصالات البيت الأبيض، بينما تحدثت مصادر إعلامية أخرى عن أن المسؤولين في واشنطن نصحوا الرئيس الأمريكي بزيارة المملكة شخصياً من أجل حل هذا الخلاف مع السعوديين.

ومن الواضح أن الرياض ومعها دول أخرى في المنطقة لطالما اعتبرت حليفة مخلصة لواشنطن والغرب، ترد بمواقفها المفترقة عن الموقف الغربي من روسيا هذه المرة، ورفض مطالبه بزيادة إنتاج النفط، على المواقف المتشددة التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي استبق دخوله البيت الأبيض مطلع العام ٢٠٢١ بمهاجمة هذه الدول وفرض إجراءات ضدها "بسبب سجلها الحقوقي" في الوقت الذي تندفع فيه هذه الإدارة بحماس شديد لرفع العقوبات عن إيران على أساس احياء الاتفاق النووي معها.


مغامرة حساسة


لكن السياسي والإعلامي السوري المقيم في الولايات المتحدة أيمن عبد النور، يحذر من خطورة الموقف، ويرى أن هذا ليس الوقت المناسب اليوم لكي ترد هذه الدول على بايدن، لأن قرار المواجهة مع روسيا "قرار وطني أمريكي شامل وليس قرار الديمقراطيين أو البيت الأبيض فقط".


وقال في حديث مع "أورينت نت": الدولة العميقة في أمريكا هي التي تحارب اليوم، ولذلك لا يمكن التعويل على شرخ أو حتى خلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين يمكن الاستفادة منه، وسيكون خطأ كبيراً الوقوف ضد هذا الإجماع في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا.

وأضاف: منذ عام ٢٠٠٨ والأمريكيون يعملون على هذه الخطة لإيقاع بوتين وتوجيه ضربة حاسمة لأحلامه وتطلعاته، وبالتالي هذه إستراتيجية أمريكية شاملة، وأي تموضع عكس تيارها أو حتى الحياد تجاهها هو خطأ فادح بالحسابات ستترتب عليه متاعب كبيرة برأيي.


عبد النور المطلع على السياسات الأمريكية، شدد على حساسية الموقف بالنسبة للولايات المتحدة التي ليست بوارد تقديم أي تنازلات في هذه المواجهة مع روسيا، أو التسامح مع أي موقف لا ينسجم معها، لكنه ينصح السعودية ودول المنطقة الأخرى "الغاضبة من إدارة بايدن" أن تستفيد من علاقاتها بالفاعلين داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي "من أجل التفاوض لحل هذا الإشكال، وتجنب المواقف المعلنة والتصريحات الرسمية التي لا تصب في سياق دعم الموقف الأمريكي".


يتفق عبد النور في هذه المقاربة مع كثير من السياسيين والمراقبين الذين يعتقدون أن الرياض تغامر في لحظة تاريخية دقيقة جداً، مشيرين إلى أن دولاً أخرى حليفة للولايات المتحدة أيضاً وعلى درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لها، مثل إسرائيل وتركيا، اتخذتا موقفاً أكثر تماهياً مع موقف واشنطن رغم انزعاجهما الشديد من إدارة بايدن، وإبقائهما على التعاون مع روسيا قائماً.

ويرى هؤلاء أن ما يجعل موقف الرياض بالتحديد بمثابة المغامرة هو إظهارها التحدي لواشنطن في وقت عصيب على الأخيرة، الأمر الذي قد لا تتسامح معه الولايات المتحدة، مؤكدين أن هذا ليس وقت تصفية الحسابات.


موقف مبدأي وحياد إيجابي


لكن الخبير الإستراتيجي السعودي مبارك العاتي ينفي أن يكون موقف بلاده الحالي على سبيل التحدي أو حتى الاصطفاف، بل ينبع من قراءة وموازنة للمصلحة الوطنية ويعبر عن حياد المملكة في المواجهة الحالية بين روسيا والغرب.

وفي تصريح لـ"أورينت نت" قال: أرى أن موقف السعودية وبقية الدول الحليفة لها في الخليج والمنطقة من الأزمة القائمة بين روسيا والغرب، تشكله مصالح هذه الدول، والقيادة السعودية التي تعتبر المصلحة الوطنية مقدمة على أي مصالح أخرى، تؤمن بأن الحياد وإقامة علاقات متوزانة بين موسكو وواشنطن يحقق مصلحة الكتلة الخليجية سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وهذه الكتلة غير مجبرة على أن تعلن انحيازها لهذا الطرف أو ذاك.

ويضيف: تملك دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية القدرة على تجنب الانزلاق في صراع المحاور، وأعتقد أنها نجحت في البقاء على الحياد، والأهم أن هذه الدول تؤمن اليوم بضرورة عدم استخدام النفط كسلاح من أي طرف ضد الآخر لأن هذا سيؤثر على العالم كله، وإذا كان مطلوباً من الممكلة وأشقائها عدم المغامرة بمصالحها مع أمريكا فلدى هذه الدول أيضاً مصالح متعاظمة مع روسيا والصين وليس من المنطق أن تغامر بها أيضاً.

 

من الواضح إذن أن السعودية لا تُظهر أي بوادر تسامح تجاه ما تعتبره "الطعنات الأمريكية" التي تلقتها خلال ١٥ شهراً من حكم الرئيس الديمقراطي جو بايدن، وخاصة فيما يتعلق بحرب اليمن وصادرات السلاح، والأهم ملف الاتفاق النووي مع إيران، حيث تجاهلت الولايات المتحدة بشكل كامل تحفظات المملكة على مسودته المطروحة التي لا تأخذ بعين الاعتبار البرنامج الصاروخي والتدخلات المزعزعة لأمن المنطقة ودولها من قبل إيران.


لكن من الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة التي بدأت تلوح بمعاقبة هذا الموقف، لا تزال مصرة على بذل كل المحاولات الممكنة لتغيير موقف الرياض، بما في ذلك التواصل لأجل ترتيب زيارة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى المملكة.

ويوم الأربعاء أعلنت مصادر أمريكية وإسرائيلية عن عزم بلينكن إجراء زيارة إلى المنطقة تشمل الإمارات والسعودية والأراضي الفلسطينية وإسرائيل، نهاية الشهر الجاري.

وستكون هذه الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأمريكي إلى السعودية والإمارات، وفق ما نقله موقع “أكسيوس” الأمريكي. 

وأضافت المصادر أن هذه الزيارة ستستغرق أكثر من أسبوع، يُجري خلالها بلينكين مباحثات مع المسؤولين في البلدان، قبل الانضمام إلى الرئيس جو بايدن في زيارته إلى أوروبا لعقد قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" والاتحاد الأوربي في بروكسل، ابتداء من الرابع والعشرين من الشهر الجاري، بينما لم يستبعد مراقبون أن يتوجه بايدن لزيارة هذه الدول، لكن فقط بحال تم التوصل إلى صفقة مع إيران حول برنامجها النووي.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات