كتب أرّخت للثورة-2 (هذه ثورتي) لمحمد جلال: يوميات شاهد عاش حلم البدايات!

كتب أرّخت للثورة-2 (هذه ثورتي) لمحمد جلال: يوميات شاهد عاش حلم البدايات!

تتابع أورينت نت البحث عن صورة الثورة السورية في المكتبة العربية، من خلال سلسلتها الاحتفالية (كتب أرخت للثورة) فلا ثورة بلا كتاب يوثق للتاريخ وللأجيال القادمة العوامل والمقدمات والوقائع والمآلات، وأي درب سلكه السوريون من أجل ثورتهم. في الحلقة الثانية قراءة في كتاب (هذه ثورتي) لمحمد جلال. (أورينت نت).

كانت الثورة السورية، رغم الآلام التي عاناها الشعب السوري خلالها، إشعاع نور أضاء عقول أجيال الشباب، وفتَّح أذهانهم على عالم جديد، كانوا بأمسّ الحاجة إليه، فصنعوه بأيديهم حين واتتهم الفرصة، ومن ذلك الإشعاع حالة الوعي الاستثنائي التي أخذت تفتح أذهان الشباب خلال مجريات الثورة وبعدها، وأعني العمل في ميادين الثقافة، وعنصرها الرئيس الكتابة بألوانها الصحفية منها والأدبية.. ولعلَّ رواية "هذه ثورتي" لمؤلفها الشاب "محمد جلال" من الوعي الاستثنائي.. إذ تعد وثيقة مهمة في تدوينها لحوادث أيام الثورة الأولى في مدينة حلب، وريفها، وتجيء أخبار المحافظات الأخرى في السياق ذاته.. وقد رواها الكاتب على شكل يومياتٍ أو جُمَعٍ تتالى بأحداثها الجديدة والمفاجئة. فالروائي مشاهد ومشارك في الوقت نفسه.. وتحكي الرواية التي جاءت في إطارها العام ومحتواها لرصد حركة المتظاهرين، وقياس خلجات أنفسهم، وحساسيتها المرهفة خلال الظروف الاستثنائية التي عاشوها صنّاعاً ومشاهدين.. وغالباً ما تترافق البدايات بشيء من الخوف والتردد اللذين يفضحان، حقيقة القمع الذي كان وقسوته، وما فعله في نفوس أبناء المجتمع، وقد كان في الوقت نفسه، حافزاً وقوة ضاغطة للثورة والخلاص من نظام القمع والاستبداد بأشكاله كافة.. فلا أحد يقدِّر فرحة أولئك الشباب لدى قيامهم بأدنى عمل من أعمالهم الثورية.. مثل كتابة عبارة على جدار أو هتاف شعار في مسجد ما، كما لا يستطيع أحد أن يقيس مدى حزنهم لدى رؤيتهم أياً من زملائهم يقع بين يدي شبيحة النظام الذين يحملون العصي والسكاكين والسواطير.. يقول مؤلف الرواية في مقدمته التي يصف من خلالها مشاعر هؤلاء الشباب لدى قيامهم بتلك الأفعال السلمية البريئة والمفرحة جداً رغم ما يعقبها أحياناً من مآسٍ:
"عشناها هناك، قمة السعادة وقمة الحزن، قمة الأمل وقمة اليأس، قمة اليقين وقمة الشك، قمة القوة، وقمة الضعف.. قمة الجهاد، وقمة العبث". وعشناها، أيضاً، حيث كان كل أمر خيراً وشراً، صائباً وخاطئاً، دعاءً وكفراً، حلالاً وحراماً. ص7


تقع الرواية في ثلاثمئة واثنتين وثلاثين صفحة، وتصل فصولها أو عناوينها الرئيسة إلى ستين فصلاً أو عنواناً ومن تلك العناوين: الحروف الأولى، وموعد جديد، وقبل الميلاد، والجدار المثقوب، وخيبة أمل، وأيام مشهودة، وهموم، وجمعة التحدي، الجمعة السوداء، وقبل الربيع، وربيع حلب.. إلخ.


أسباب الكتابة ودوافعها 

يقول المؤلف: "أردت أن يعرف كل متابع لهذه الثورة بعض التفاصيل الصغيرة التي عشناها، كي يضعها مع الأحداث العامة المعروفة خلال مجريات الثورة.." ص10، ويضيف إلى ذلك، سبباً آخر، إذ تتصل به فتاة، لا يعرفها، من مدينة حمص تقول: بعد السلام والسؤال عن الأحوال، إنها تريد "أن تطمئن على مدينة حلب" فيقول لها بالعامية: "إي وكيف شفتيها؟!" فتجيب الفتاة: "بترفع الراس.." ص 70 ولأنه مهووس بالثورة ويريد لقيامتها أن تكون اليوم قبل الغد، فيظن أن الفتاة كانت تسخر منه، فيقوم مع مجموعة من أصدقائه وأقربائه بمحاولات أولية إضافة لرصده ما يجري على الفيسبوك..


وقبل أن يدخل في تفاصيل أسباب الثورة وتفاصيل مجرياتها أشار في الفصل الذي عنونه بـ: "قبل الميلاد" إلى سطوة أجهزة الأمن في القمع الشامل للبلاد السورية كافة، وخاصة بعد تكاثرها في أعقاب أحداث أوائل الثمانينات إذ همَّش النظام مؤسسات الدولة ورجال الدين وألحق تنظيمات المجتمع الأهلي من نقابات واتحادات وجمعيات بحزب البعث وتحت رقابة الأجهزة الأمنية، ولم يستثنِ الجيش المنوطة به حماية الوطن واسترجاع الأراضي المحتلة فقال: "تحوّل الجيش السوري من أحد أقوى جيوش المنطقة إلى مجموعة من المنتفعين والمرتشين، الذين أُبيح لهم فعل كل شيء داخل هذه المؤسسة ما داموا يدينون بالولاء للقائد. فبدلاً من أن تكون الخدمة في الجيش شرفاً لكل مواطن، أصبح مكاناً للذلّ والعبودية ودفع النقود، التي امتلأت بها جيوب الضباط، وفي أحسن الأحوال يكون العسكر خدماً لزوجات الضباط، وسائقين لأولادهم. كما أصبح الجيش مكاناً يتعلم فيه المواطن كل أنواع الشتائم وفنونها، ولا يستثني رب العباد الذي يؤمن به غالبية الشعب السوري". ص12


ثم ينطلق في الحديث عن الربيع العربي وشرارته التونسية وما أعقبها في مصر وليبيا فيقول: 
"لكن ورغم ذلك كله، لا زلنا غير مصدقين بأن تحدث في سورية ثورة مشابهة، وكل ما كنا نقوله، لم يكن سوى خيال وتصورات أحداث ثورة نشارك بها، رفعاً لمعنوياتنا لا غير". ص13 ويختتم صفحات الفصل من 14 وحتى نهاية 19 بالحديث عن طبيعة النظام واستبداده وفساده وأعوانه مؤكداً ضرورة الثورة في سورية..


ويفرد صفحات للحديث عن أول مظاهرة تشي بأول تمرد جماعي وعلني، إذ يقرأ منشوراً على الفيسبوك يوحي ببدء الثورة: "كانت مظاهرة لأناس بمنطقة الحميدية في دمشق تهتف "وينك يا سوري وينك" "الله سورية حرية وبس" و"سلمية سلمية". وفي اليوم التالي يعلن عن اعتصام أمام وزارة الداخلية للمطالبة بإطلاق سراح معتقلين سياسيين، لكن "الاعتصام لم يؤد إلى إطلاق حرية أي سجين، بل أضاف نزلاء جدداً منهم المفكر الطيب تيزيني، والناشطة سهير الأتاسي التي برزت للواجهة من خلال حديثها مع الإعلام يوم الخامس عشر من آذار." ص26


ويتابع وصف الحالات الأولى وكيف أخذ الهمس يسري بين الناس، وكيف بدأ النظام بالاستعداد لمجابهة أي حراك محتمل.. إذ راح النظام يرتب المنظمات الطلابية وغيرها.. ويفاجأ الراوي وهو في طريقه مع مجموعته الصغيرة لحضور مباراة بأول كتابة على الجدران: "الشعب يريد" في منطقة جسر الحج، وقد مسحت بالدّهان الأسود، وقد علم محتوى العبارة الممسوحة من سائق السرفيس، وكانت بشارة خير، ومن فرحه، أخبر زملاءه بها..

أول عمل ثوري خاص

من خلال المجموعة الصغيرة التي شكلها الراوي (بطل الرواية) وبعد قرار اتخذوه بعمل ما، وإن كان صغيراً، المهم إيجاد حركة ما يحرك الناس الذين يستمعون لأخبار تونس ومصر وليبيا.. وما دامت قد بدأت في دمشق وبعدئذ في درعا فلم لا تكون في حلب وهكذا قررت المجموعة تحطيم جدار الخوف.. لكن التنفيذ العملي غير التصور.. ويصف حالته النفسية لدى عملية التنفيذ وهي كتابة على جدار اختاروه أبيض نظيفاً فيقول: "مشيت في شارع موازٍ باتجاه مكان العملية، حاملاً البخاخ، وكأني أحمل جبلاً على كتفي خوفاً من "الجريمة" التي أريد الإقدام عليها." ص27. 

أما بعد إنجاز المهمة، وصعوبات صغيرة اعترضتهم.. داخلهم فرح غير مسبوق يقول في ذلك: "وصلت إلى المنزل، ونسبة الأدرينالين بدمي، في أعلى معدلاتها، مانحة لي ذلك المزيج من الفرح والخوف والجنون. كان ذلك أول عمل ثوري أقوم به، جعلني أشعر أني أحلق فوق السحاب". ص28 وينتاب الشباب شعور بالفرح وجدية ما يقومون به الذي سوف يقود إلى سورية جديدة: 
"كانت حياتنا قبل الخامس عشر من آذار تافهة بلا معنى ولا هدف، والآن أصبح لدينا حلم نعيش لأجله ونموت لأجله. شيء نحلم به عندما ننام، ونخاف عليه كأم تخاف على أطفالها. حلم يشغل حديثنا حتى مع أنفسنا.. حلم يفرحنا ويحزننا، يضحكنا ويبكينا، يرفعنا عند بعضهم وينزلنا عند آخرين." ص29

شبكات صغيرة تتجمع


وبعد ذلك وبالتعاون مع الشباب الذين حوله ومن خلال الاتصال عبر الفيسبوك بالمدن الأخرى التي تحركت قبل حلب وبالقوة أخذ الشباب يتشكلون في مجموعات صغيرة: 
"راح كل شخص منا يشكل حوله شبكة من الشباب المعارضين، والمتحمسين للثورة، إذ كان كل شخص يصل أصدقاءه بعضهم ببعض حتى لو لم يكونوا على علاقة مسبقة.. وكنت على سبيل المثال أشكل محور شبكة تضم أصدقائي في العمل والحارة وأقاربي وأخوتي والأصدقاء الذين تعرفت عليهم عن طريق الإنترنت. تلقائيا توسّعت هذه الشبكة لتضم أصدقاء أصدقائي، فما كان يصلني، يصلهم والعكس صحيح." ص 38 


ويتابع وصف حالة الناس الآخذة بالتبدل والتغير إذ يصف اصطفاف الناس الذي أخذ ينمو بين مؤيد ومعارض وبين.. بين.. وأخذت المظاهرات الأولى قليلة العدد تخلق حالة جديدة في حياة الحلبيين:
"كانوا كألوان قوس قزح، يعرف منها سبعة، لكنها عدد غير منته من الألوان، تتدرج بين البنفسجي والأحمر. فكل لون يحمل نسبة معينة من الألوان الأساسية. وبمرور الوقت، كانت غالبية الناس تتنقّل بين هذه الألوان، وفي الغالب باتجاه يعاكس توجهات النظام. فبدأ عدد المعارضين يزداد باضطراد، ومن كان متعصباً للنظام، بدأ يتراجع، ومن كان مؤيداً تحول إلى محايد. بالطبع مثل هذا الأمر كان يزيد ثقتنا بأنفسنا، وبعدالة قضيتنا. شخصياً أعرف الكثير من المؤيدين الذين أصبحوا معارضين، لكني لم أعرف أبداً من كان معارضاً وأصبح مؤيداً." ص52


المشاركة في المظاهرات 


وفي الصفحات التي تلي ذلك71/ 72/ 73 يتحدث عن مظاهرة "جمعة التحدي" التي وافقت السادس من أيار 2011 وذهابه هو ومجموعته إلى جامع الزبير في حي صلاح الدين.. وحين هاجم خطيب المسجد المتظاهرين متهماً إياهم: "بأنّهم يريدون حرية أميركا التي ترتكز على انحلال الأخلاق، وتجاوز الحدود والتقاليد والمحرمات، يريدون القيام بالزنى.." و"نشر اللّواطة وغيرها من الأفعال حرية الفجور في الشوارع دون أن يحاسبهم أحد". وقف أحد المصلين وصرخ بأعلى صوته: "إيش عمتقول يا شيخ؟! إيش عمتقول؟! اصدح بالحق يا شيخ اصدح بالحق" وحمل الرجل نفسه وخرج من المسجد.. ولدى خروج الناس من المسجد لم يكن المجال يسمح بالقيام بأية مظاهرة فالأمن والشبيحة يحتلون المكان ويتهيؤون لأية حركة.. 


جامع آمنة والشهيد الأول


في منطقة سيف الدولة ومن مسجد آمنة بنت وهب أخذت المظاهرات تتوالى خلال أشهر.. وأخذ الصراع بين المتظاهرين والشبيحة يزداد ويحتدم بين كر وفر، وكانت مجموعة الراوي تنتقل بشاحنة صغيرة (سوزوكي) أسموها "سوزوكي الثورة" وفي جمعة سقوط الشرعية التي صادفت يوم الرابع والعشرين من حزيران 2011 تجمع حول مسجد آمنة نحو ثلاثة آلاف إنسان وكانت شرفات المنازل قد امتلأت نساء وأطفالاً وكانت الشبيحة قد تغلغلت بين الحشود تنتظر الهتاف/الشرارة لتنقض عليه، فالكل يعرف ما يمكن أن يحدث فهو خائف ومتردد يترقب.. ويصف الراوي المشهد بالصدق كله، وبما تحدثه نفسه: "لم أكن شخصياً أمتلك الشجاعة للقيام بذلك، وقفت مع الواقفين بانتظار تتالي الأحداث". معبراً بذلك لا عن خوف وجبن بل عن عمق التوحش لدى الشبيحة، ولم تمض ثوان حتى انطلق أحدهم بهتاف "الموت ولا المذلة" ليحدث ما هو متوقع وتنهال الشبيحة على صاحب الصوت وعلى المجموعة المحيطة به، في ذلك الوقت ومن بين الذين وقعوا ضحايا الضرب حتى الموت بالعصي والأرجل كان محمد أكتع الشاب الذي نقل مباشرة إلى مشفى "النايف" القريب الذي لم يتجرأ أن يعالجه فتوفي، وكان قد سبقه شاب آخر هو طبيب اسمه "صخر حلاق" عاد من ألمانيا وكانت عناصر الأمن قد اختطفته بعد عودته من ألمانيا، لتوجد جثته مرمية على مشارف حلب" وتعود المجموعة ممتلئة بالأمل رغم حزنها على شهيدها فكثرة عدد المشاركين في ازدياد ص 76/ 77  وأكثر ما كان يسعد بطل الرواية وهو الكاتب كما أشرت أنه يخرج من بعض المظاهرات بفيديو قصير يرسله وثيقة حية عبر النت إلى قناة الجزيرة.. وفي الفصل المعنون بـ الجدار المثقوب يذكر أنه من "المستحيل على النظام أن يعزل سورية في ظل هذا التقدم التكنولوجي الذي يعيشه العالم. وظلّ النظام يصرُّ على روايته العقيمة بأن لا شيء يجري، بينما الجدار الذي بناه حول البلد كان مليئا بالثقوب". ص 81 لكن سرعان ما يتبدد ذلك التفاؤل إذ لا تقوم قيامة حلب المرجوة، وتصبح حلب مجالاً للسخرية في بعض المدن فعليها تعقد الآمال! فهي العاصمة الصناعية، ويشكل سكانها نحو 20% من سكان سورية. ويحاول مؤلف الرواية أن يجد عذراً لأهلها.. ويقدر بأن الأسباب قد تعود لأيام حوادث الثمانينات، أو لنقص في التعليم، أو لعدم احتكاك طائفي، وربما لحوادث طالت أموال وممتلكات بعض التجار والصناعيين (حرق معمل خالد علبي) وربما لأن النظام لم يستخدم قسوة قصوى (الشبيحة لم يقصروا بشيء أبداً) لحرصه على أن تكون إلى جانبه فقد ارتكب في حمص وريفها مجازر منذ الأيام الأولى. وربما لأن "من كان يملك نوعاً من التأثير على سكان المدينة من كبرى العائلات وشيوخ الدين أو الفنانين أو شخصيات اجتماعية لا يبدو أنهم يبالون بما يجري في البلد، وربما استطاع النظام تدجينهم.." ص84

اعتقالات واغتيالات


بعد ذلك يفرد عدة صفحات لأحد أفراد مجموعته (زكريا) الذي اعتقل ورغم حزنه عليه تفاجأ به وهو يصوره دون أن يدري وكان بين يدي الشبيحة، لكنه غبطه على اعتقاله الذي سوف يذكره تاريخ الثورة، ومن هنا يفرد نحو مئة صفحة وأكثر للسجن، إذ لم تمض أيام قليلة حتى اعتقل هو الآخر وبعض مجموعته، ولن نفصل في حياة الاعتقال ولا السجن إذ لم يكن بتلك القسوة التي صارت إليه بعد شهور أخرى، ولا حتى بحملات أيام الثمانينيات على الإخوان المسلمين، وعلى أعضاء رابطة العمل الشيوعي.. فالتعذيب هنا أخف وكذلك مدة الاحتجاز أقل، كما حصل مع مؤلف الرواية، لكنها بالنسبة إليه.. كانت تجربة أولى وفيها شيء من الرومانسية النضالية.


في الصفحات اللاحقة جرى الحديث عن اغتيالات للشبيحة وتهديدات إذا استمر بعضهم فسوف يلقى ما لا يشتهيه وقد خف ظهورهم وخاصة بعد دخول الجيش الحر المدينة وغدت الجامعة منطلق المظاهرات التي يجتمع فيه أطياف المجتمع السوري. وفي التاسع من شباط وفي الفصل المعنون بـ: "هذه ثورتي" أخذ الراوي يدون أحداث روايته، وهو يعلم بأنه لن يدون أكثر من جزء يسير، ونقطة من بحر عظيم.. وفي هذه الأثناء أخذت الثورة بعدها المأمول. وكثرت عمليات الاغتيالات لضباط يعتقد أنهم مؤيدون للثورة، ومنهم أقرباء للمؤلف وشباب ثوار أصدقاء مثله، وازداد حنق النظام وجرائمه، وأخذت أجهزة الأمن تطلق النار على المشيعين، وعلى خيام العزاء، كما حدث مع عزاء الشهيد عبد الواحد هنداوي. وركزت الصفحات المئة الأخيرة على ما كان يحلم به الكاتب، فلا أحد قادر على الإلمام بعدد المظاهرات أو عدد الشهداء، ففي الثاني والعشرين من شهر حزيران انفجر البركان، ومن جامع الزبير بالذات في منطقة صلاح الدين، وبعد خروج المصلين من صلاة الجمعة، حدثت مجزرة مروعة ضحاياها سقط مباشرة من ضحاياه خمسة عشر شهيداً.. وكان الجيش الحر في الريف الشمال يحقق انتصارات مشهودة، ويتحدث الكاتب عن اختطاف الجيش الحر لابن عمه الضابط برتبة عميد والد زكريا الذي مر ذكره مع المجموعة يقول الراوي: "لا أعرف بماذا أفكر؟ هل أفكّر في عمي الذي اقتص منه، وأنا أعرف يقيناً أنه لم يؤذ إنساناً في حياته؟! أم أفكر في عائلته؟! في زكريا الذي لم يبخل يوماً على الثورة، أهكذا تكافئه الثورة؟! أم أفكر في الكم الكبير من الكلام والنظريات التي كنت ألقيها على أصدقائي؟! وكيف أصبحت بثوان هباء تذروه الرياح؟" ص267


ويختتم الكاتب روايته بما يشير إلى أنه لم يدون إلا ما شاهده، أو شارك فيه، خلال ثلاث سنوات، آملاً إن أتيحت له الظروف، أن يتابع.. وقد تابع فعلاً ونشر جزءاً ثانياً للرواية لم تتح لي قراءته.. وقد تحقق حلمه، وإن كان الثمن باهظاً أو كانت الرياح قد جرفت الثورة بعيداً إلى حيث لا تشتهيه.. فلا بد من أن ينعم السوريون، كل السوريين، بحرياتهم التامة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات