صناعة المفروشات بالغوطة الشرقية.. مهنة خرجت للعالمية وأدخلها الأسد قبور التاريخ

صناعة المفروشات بالغوطة الشرقية.. مهنة خرجت للعالمية وأدخلها الأسد قبور التاريخ

تُعتبر صناعة الأثاث والمفروشات من أهم الحرف التي اعتمد عليها أهل الغوطة الشرقية في تحصيل رزقهم، وخاصة مدن وبلدات القطاع الأوسط، حيث كانت الوارد الأكبر لهم واشتغل فيها عشرات الآلاف من الأهالي، ولكن بعد قيام الثورة ضد نظام الإجرام الأسدي عام 2011 قصفت الميليشيات التابعة له مدن وبلدات الغوطة، ما تسبب بتراجع كبير لهذه الصناعة نتيجة تدمير الصالات والورش وهجرة آلاف الحرفيين من الغوطة.  

 

بداية المهنة وازدهارها

وفي حديثه لأورينت نت قال "منذر عبد العال" رئيس المكتب الاقتصادي للغوطة الشرقية سابقاً: إن مدن القطاع الأوسط وخاصة مدينة سقبا كانت تعدّ مركز صناعة وعرض المفروشات على مستوى سوريا والمنطقة، وهي تتطلّب الخبرة والدقّة وتجمع بين الفن والعمل اليدوي.

 

وأضاف منذر، أنه مع أوائل السبعينات اهتمّ سكان سقبا بعمل النّجارة واحترفوا صناعة الموبيليا الخشبية بعد أن نقلوها من حي القيمرية بدمشق، وبدؤوا بنشر المهنة بين شبان المدينة وما حولها، وأصبح لها قبول كبير في المنطقة، وأصبحت تنتج كميات كبيرة، وفيما بعد ظهرت معارض وصالات لإظهار هذه المنتجات الحرفية فائقة الجودة، وتوسعت المهنة في التسعينات لتكون الحرفة الأولى لسقبا والغوطة الشرقية، وأصبحت المفروشات هناك هي الأشهر في سوريا والمنطقة وزاد الطلب عليها.

 

امتداد المهنة وتوسعها قبل الثورة

وأكد رئيس المكتب الاقتصادي الذي ترأس المجلس المحلي لمدينة سقبا أيضاً، أن صناعة المفروشات وما يرافقها من مهن مثل الحفر والصبغ والتنجيد والتلبيس امتدت من سقبا باتجاه البلدات المجاورة، حمورية وعربين وكفر بطنا وحزة، ليعمل آلاف الأهالي فيها، وأصبح الشارع الممتد من ساحة كفر بطنا إلى حمورية بطول 2.5 كم سوقاً كبيراً لعرض المفروشات، حيث يوجد فيه أكثر من 400 صالة عرض واستقطب زبائن من كل من دمشق والمحافظات ومن خارج سوريا، كما إنه في عام 2007 أُقيمت فعالية معرض "سقبا عاصمة المفروشات" ليكون نقطة فارقة في ذلك الوقت.
 

وأردف منذر أنه مع بداية عام 2000 تأسست جمعية للحرفين خاصة بموضوع المفروشات ولجنة تجار، وصارت بعد ذلك منتجات المفروشات في الغوطة الشرقية تصل إلى دول أوروبية وخليجية عربية، وأصبحت هناك طفرة بهذه الصناعة لم يسبق لها مثيل.

 

الإحصائيات والأرقام

أما عن لغة الإحصائيات والأرقام فذكر "منذر" أن عدد الصالات في الغوطة الشرقية بلغ في عام 2011 بين 1000 إلى 1200 صالة عرض للمفروشات، وأنه لغاية العام 2011 كان هناك أكثر من 500 صالة عرض في سقبا لوحدها ونحو 350 صالة في باقي البلدات المجاورة (حزة وحمورية وعربين) لتمتد صالات مفروشات أخرى إلى حد مدينة دوما. 

 

وبيّن بأنه توجد في مدينة سقبا مئات صالات عرض المفروشات "غرف نوم- غرف سفر- غرف ضيوف"، ولُقّبت هذه المدينة بعاصمة المفروشات؛ لأنها حوت على أسس الصناعة وأنتجت مفروشات فاخرة تعتمد على الحفر اليدوي والخشب الطّبيعي المستورد، وكان يصل سعر غرفة النوم وسطياً من ألفي دولار إلى 5 آلاف في عام 2010، أي ما بين مئة إلى 250 ألف ليرة سورية، في حين أن مدينة عربين المجاورة اشتهرت بالمفروشات المكتبية وغرف النوم. 

 

ولفت إلى أنه كان يوجد 3000 ورشة نجارة ومحل “بخ وتنجيد” وبيع “إكسسوارات” لتخدم صالات عرض المفروشات، كما وفرت هذه المهنة فرصة عمل لأكثر من ثلاثين ألفاً من أهالي منطقة سقبا بالدرجة الأولى وباقي البلدات، حيث جاء العديد من الأشخاص من قلب العاصمة للعمل فيها.

حال المهنة مع بداية الثورة

من جهته قال "ياسين البلدي" صاحب إحدى صالات المفروشات في الغوطة لأورينت نت، إنه مع بداية أحداث الثورة في عام 2011 بدأت زيارة الزبائن لصالات المفروشات في الغوطة الشرقية تقل تدريجياً، نتيجة اندلاع المظاهرات في المنطقة وتعامل نظام أسد الوحشي معها، وبحلول عام 2012 أصيبت صناعة المفروشات بشلل تام، حيث عاقبت ميليشيات النظام العاملين بالمهنة بقطع الكهرباء والمضايقات ووضع الحواجز بتهمة خروجهم في المظاهرات.

 

وأضاف "ياسين " أنه بعد عام 2012 ومع بدء الحصار على الغوطة لم تعد تدخل المواد الأولية وانقطعت الكهرباء بشكل كامل، ففشلت الحركة التجارية بالصالات وهاجر عدد كبير من المشتغلين بالمهنة، أما من بقي منهم في الحصار فلم يستطيع القيام بأي شيء نتيجة القصف وعدم وجود سوق للتصريف وانخفضت قيمة المنتج وأصبح كاسداً، فيما قام بعض الناس باستخدام المفروشات للتدفئة نتيجة الظروف المأساوية في الغوطة الشرقية.
 

وذكر أن نظام الأسد وروسيا قاما بتدمير ما نسبته 75 بالمئة من الصالات والورش القائمة في الغوطة الشرقية، كما احترق قسم كبير من الصالات نتيجة حمم القذائف والصواريخ وخاصة بالحملة العسكرية الأخيرة بين شهري شباط وآذار من عام 2018.

هجرة الحرفيين واستمرارهم بالمهنة 

وعن المشتغلين بهذه الحرفة وما حل بهم، أكد "ياسين" أنه مع عام 2012 ونتيجة ظروف الحرب والقصف بدأ الحرفيون والفنيون المشتغلون بمهنة المفروشات بالهجرة إلى خارج الغوطة وسوريا وانتقلوا للدول المجاورة الأردن ومصر وتركيا ولبنان، وهناك نشطوا وطوروا صناعة المفروشات وفتحوا أسواقاً خاصة لهم بتلك الدول، كما حدث بمصر حيث توجد أحياء كاملة للمفروشات خاصة بأهالي الغوطة، وكذلك بمنطقة أنغول بتركيا هناك أسواق خاصة لهم، وحتى إنهم نشطوا ببعض الدول الأوربية على مستوى الحفر اليدوي.

 

المفروشات بالغوطة بعد سيطرة ميليشيا "أسد"

ومع بداية دخول نظام أسد للغوطة الشرقية بعد الحملة العسكرية التي قام بها بالاشتراك مع روسيا وإيران، ذكر "منذر عبد العال" أن شبيحة وعناصر ميليشيا أسد قاموا بأكبر عملية سلب ونهب للمفروشات في منطقة القطاع الأوسط، وبلغت قيمة المسروقات ملايين الدولارات وعشرات المليارات من الليرة السورية.

 

وبين أن كل صالة كان فيها ما يقارب قيمته 50 ألف دولار إلى 100 ألف دولار، وهناك قسم من البضائع دُمّر بالقصف، وما تبقى سلبته ميليشيا أسد، مضيفاً أن بعض أصحاب الصالات كانوا يرون سرقة مفروشاتهم من قبل ضباط وميليشيات أسد ولم يستطيعوا فعل شيء.

 

وعن صناعة المفروشات في الوقت الحالي بمنطقة الغوطة بعد سيطرة ميليشيا أسد أوضح "منذر" أن مقومات المهنة مفقودة نتيجة انقطاعات الكهرباء وعدم إدخال مواد أولية، كما أعاقتها الضرائب والإتاوات التي يأخذها ضباط أسد من المشتغلين بهذه المهنة، وكذلك تفرض الحواجز المنتشرة بالغوطة مبالغ تصل لـ 15 ألفاً على كل حمولة سيارة في أثاث منزلي ومفروشات وما شابه.
 

وأضاف أن هناك كارثة كبرى وهي كون مهنة المفروشات كانت تنتقل بالوراثة، أما الجيل الجديد نتيجة الأحداث المستمرة من 12 عاماً إلى الآن انعدمت لديه عوامل الاستمرار بعمل المهنة وتعلمها، كما تأثرت المهنة باستشهاد وموت العشرات من أمهر عمال الحرفة نتيجة حرب ميليشيا أسد على منطقة الغوطة وهذا أدى لأن تهوي هذه المهنة حالياً.

 

معوقات المهنة 

وحول خسارة الحرفيين لفت "غسان الذهبي" صاحب محل للنجارة وصالة للمفروشات في الغوطة الشرقية إلى أن العمل في مهنة المفروشات انحسر بشدة ولم يبق من حرفيي وصناعيي المهنة في الغوطة الشرقية إلا 10 بالمئة في الوقت الحالي، مشيراً إلى أنه كان يعمل في هذه المهنة قبل الثورة نحو 50 ألف شخص في الغوطة الشرقية تقريباً.
 

أما الآن فلا يوجد إلا بضع مئات منهم لأن مقومات العمل منعدمة من مواد أولية إلى غياب خدمة الكهرباء والاشتراكات الكهربائية والمولدات لا تكفي لمزاولة المهنة، إضافة إلى أن نسبة العمل بالمهنة والإنتاج حالياً لا يتجاوز 25 بالمئة عما كان في عام 2010، وتعمل الصالات بطاقات منخفضة وكميات إنتاج بسيطة نتيجة كل المعوقات السابقة.

 

عوامل انحسار المهنة

وأجمل "غسان" عوامل انهيار المهنة، بقلة الموارد الأولية من ناحية الأخشاب سواء المستوردة أو المحلية وانعدام الكهرباء في الغوطة الشرقية، وعدم وجود التصدير لدول الجوار أو حتى للمحافظات الأخرى وهناك سبب مهم وجوهري هو هجرة أمهر الحرفيين أو موتهم أو اعتقالهم وعدم دعم حكومة نظام أسد للصناعيين وقيامها بفرض الإتاوات والضرائب عبر الأفرع الأمنية.

 

ومن الجدير بالذكر أن صناعة المفروشات التي اشتغل بها آلاف الشبان في الغوطة الشرقية وأعالت آلاف الأسر تجمع 16 مهنة وحرفة بشكل مترابط بدءاً من تجارة الأخشاب إلى النجارة والبخ وتلبيس القشر إلى الحفر والتنجيد والتذهيب وغيرها ولها مكملات من إكسسوارات وغيرها.

 

كما إن مدينة سقبا دخلت العالمية بهذه المهنة وأصبحت نقطة فارقة لأنها دخلت موسوعة (غينيس) بوجود أكبر عدد صالات مفروشات في منطقة صغيرة وذلك في عام 2006، وتركزت صناعة المفروشات بالإضافة لمدينة سقبا في كل من كفر بطنا وحمورية وجسرين وحزة وعربين وكذلك داريا في الغوطة الغربية، ولكن نظام أسد شلّ هذه المهنة كما فعل بباقي قطاعات الحياة في سوريا.

 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات