عودة النازحين لخان شيخون بين التجاهل وحقيقة مفاوضات روسيا وتركيا حولها

عودة النازحين لخان شيخون بين التجاهل وحقيقة مفاوضات روسيا وتركيا حولها
تستمر قضية النازحين واللاجئين السوريين في فرض نفسها كإحدى أهم الأوراق التي تعمل مختلف الأطراف على الاستثمار فيها، باستثناء مؤسسات المعارضة على ما يبدو، التي لم تستطع القيام بواجباتها تجاه هذه الفئة، ما جعلها عرضة للابتزاز والاستهداف والاستغلال أيضاً، من قبل النظام وحلفائه.

الوجهة: خان شيخون

منذ بداية فصل الشتاء سجلت مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، تزايداً ملحوظاً في عدد العائدين إليها من سكانها المهجرين، أغلبهم من النازحين إلى مناطق سيطرة النظام، لكن بينهم عائلات كانت تعيش في مخيمات ريف إدلب.

عملت ماكينة النظام الإعلامية على تضخيم أرقام العائدين، وخاصة من مناطق سيطرة المعارضة، للتأكيد على انتصار روايته من جهة، وتسويق نفسه كملاذ للاجئين والنازحين الذين يجب أن يعودوا إلى مناطق سيطرته.

وبينما استمرت حكومتا الإنقاذ والائتلاف في تجاهل الأمر، كانت أعداد الأسر التي تغادر مناطق سيطرتهما لتعود إلى منازلها وأراضيها في تلك المنطقة تتزايد، حيث لعب انخفاض درجات الحرارة ورفع أسعار المحروقات والخبز من قبل حكومة الإنقاذ دوراً في ذلك، بالإضافة طبعاً إلى تردى وضع المخيمات التي باتت في حال مزرية.

أرقام وتفاصيل

يقول أحد ناشطي الثورة من أبناء مدينة خان شيخون، ويقيم حالياً في مخيم للنازحين بريف إدلب الشمالي، إن "عدد العائلات التي غادرت مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام وعادت إلى مناطق سكنها الأصلي في خان شيخون ومحيطها يتراوح بين ٦٠٠ و ٨٠٠ عائلة".

ويتابع الناشط الذي طلب عدم الكشف عن هويته: أفضل عدم نشر اسمي لأنني لا أريد أن يتم اعتقالي أو اتهامي بوهن عزيمة الثورة والثوار، والترويج لدعاية النظام بعد نشر هذه المادة، فالقائمون على مؤسسات المعارضة لا يجدون سوى إنكار الحقائق أو اتهام من يواجهها ويحذر من خطورتها بمثل هذه التهم، للتغطية على تقصيرهم وفشلهم وفساد بعض المعنيين بملف النازحين والمخيمات، وخاصة في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، التي لم تكتف بالتقصير، بل أضافت عليه التضييق ورفع الأسعار والاعتقالات، وكأنها تريد تطفيش النازحين!

ويضيف في حديثه لـ"أورينت نت": منذ أن اختار النظام مدينة خان شيخون كمركز إداري مؤقت لمحافظة إدلب، بدأ يعمل على إصلاح البنية التحتية في المدينة ومحيطها، وأطلق العديد من المشاريع الخدمية بشكل لافت للانتباه، حتى إن بلدة التّح مثلاً التي ينحدر منها رئيس حكومة النظام حسين عرنوس، تتوفر فيها الكهرباء على مدار الساعة، وهذا لا يحصل حتى في القرداحة، وكذلك قرية أبو دالي التي ينتمي إليه عضو مجلس الشعب وزعيم أكبر مجموعات التشبيح في ريف إدلب الجنوبي أحمد المبارك، تعتبر اليوم مزدهرة، الأمر الذي يثير شبهات كبيرة بالفعل حول مصدر تمويل هذه المشاريع والغاية منها!

أهداف النظام

ويعتقد الناشط أن النظام يهدف إلى تشجيع أبناء المنطقة من النازحين والمهجرين على العودة، من أجل الاستفادة إعلامياً من ناحية، ولاستئناف استثمار مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية التي ظلت خارج الخدمة طيلة السنوات الماضية من جهة أخرى، ما يوفر له منتجات غذائية هو بأمس الحاجة لها، أما التمويل فيرجح أن يكون صغر المساحة التي يسيطر عليها النظام من محافظة إدلب مكن من استخدام ميزانية المحافظة وصرفها في هذه المنطقة تحديداً لتشجيع عودة النازحين إليها تحقيقاً لتلك الأهداف.

ويتابع الناشط الذي قاطعت أورينت معلوماته مع مصادر أخرى من المنطقة وتبين أنها متطابقة إلى حد كبير: سجلنا عودة المئات من مخيمات إدلب إلى خان شيخون ومحيطها، وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى الظروف القاسية التي يعيشها النازحون خاصة مع اشتداد البرد وندرة المساعدات، ناهيك عن أن البعض، وخاصة غير المطلوبين للنظام من أبناء المنطقة، ورغم عدم ثقتهم بالنظام، إلا أنهم يرون أن الموت في منازلهم أفضل من الموت بسبب البرد أو الجوع في المخيمات، ولذلك عاد بعضهم ويفكر آخرون باللحاق بهم.

وحول الطرق التي يسلكها العائدون من ريف إدلب إلى هناك يقول: يتوجه الراغبون بالوصول إلى خان شيخون نحو ريف حلب الشرقي، ومن خلال معبر أبو الزندين بمنطقة الباب يدخلون إلى مناطق سيطرة النظام، بسبب عدم تشغيل أي معبر بين مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام ومناطق سيطرة النظام بريف إدلب.

لكنه في الوقت نفسه لا يستبعد فتح معبر سراقب في أي لحظة، مذكراً بسماح الهيئة العام الماضي بذلك ما أدى لاحتجاجات واسعة أجبرتها على إغلاقه، خاصة إذا ما حدث أي توافق بين تركيا وروسيا حول هذا الملف، وهو أمر يجري الحديث عنه بين الحين والآخر، والآن هناك معلومات عن مفاوضات بين الطرفين بهذا الخصوص.

الائتلاف ينفي والإنقاذ تتجاهل

أورينت نت تواصلت مع مسؤولين في الائتلاف وحكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، من أجل مناقشتهم حول هذا الموضوع، وبينما قلل الطرف الأول من خطورة الأمر، امتنع الطرف الثاني عن الإجابة على أسئلتنا.

عدنان الرحمون رئيس مكتب اللاجئين في الائتلاف قال: النسبة الأكبر من النازحين العائدين كانوا مقيمين في مناطق سيطرة النظام، سواء في حماة أو ريفها، والغالبية عادوا إلى خان شيخون وإلى بلدة التح وإلى معرة النعمان وقرية بابيلا بريف المعرة الشمالي.

ويضيف: عدد النازحين العائدين من المخيمات في إدلب محدود جداً ولا يكاد يذكر، بل إن هناك ممن هو الآن في مناطق النظام وخاصة من سكان معرة النعمان وريفها استطلع إمكانية العودة، لكن بسبب الدمار الكامل في المدينة والقرى التابعة لها اكتشف استحالة العيش هناك. ويضيف: هذا يؤكد كذب دعاية النظام وحديثه عن تجهيز هذه المناطق بالخدمات والبنى التحتية، بينما تم التأكد من عودة ثلاث عائلات فقط من المخيمات، واحدة إلى قرية سنجار وتم اعتقالها من جانب المخابرات الجوية، واثنتان إلى قرية أبو دالي، كان أبناؤها يعملون في الصرافة وتحويل الأموال وعليهم مشاكل مالية، وفجأة اختفوا ليتبين عودتهم إلى هناك لاحقاً.

ويقر الرحمون بأن الحياة في المخيمات في غاية الصعوبات، حيث تغيب أبسط مقومات العيش الكريم، ويقول: من الطبيعي أن الناس تفضل السكن في خيمة بجانب منزلها المهدم على التشرد والمعاناة، ولذلك نحن نتابع باستمرار هذه المسألة ولدينا إحصائية بعدد المخيمات وخريطة انتشارها وأوضاعها، وحالياً نعد دراسة بعنوان "معوقات التحويل من خيم للنازحين إلى وحدات سكنية" من أجل وضعها بين يدي المنظمات ومؤسسات الأمم المتحدة للمساعدة في هذا الأمر.

وعلى أي حال، يضيف الرحمون، فإنه ورغم الوضع المأساوي في مخيمات النازحين في الشمال إلا أنه يبقى أفضل من حال المخيمات في لبنان التي يواجه قاطنوها معاناة قاسية جداً، ومع ذلك يرفض السوريون العودة إلى مناطق النظام الذي لا يمكن الوثوق به من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن المناطق الخاضعة له ليست بأفضل حالياً على صعيد الخدمات ومستوى العيش حيث يسعى الآلاف لهجرة هذه المناطق يومياً.

خطة روسية

ورغم أن الجميع يتفق مع ما يقوله الرحمون حول تردى الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة النظام، وعدم الثقة بأجهزته الأمنية وانتقام الشبيحة من العائدين إلى هذه المناطق، إلا أن اللافت تركيز روسيا جل اهتمامها واستماتتها من أجل عودة اللاجئين والنازحين لهناك، وتحديداً المنطقة الممتدة بين مورك في ريف حماة وسراقب في ريف إدلب.

ومنذ سيطرة النظام على هذه المنطقة، دأبت موسكو على الحديث عن تحويل هذه المنطقة، مع مناطق متاخمة لها تحت سيطرة المعارضة، إلى منطقة منزوعة السلاح من أجل عودة السكان إليها، مع استئناف تشغيل مؤسسات النظام الخدمية فيها، بالإضافة إلى جهاز الشرطة.

ومؤخراً تجدد الحديث عن هذه الخطة الروسية، مع انتشار معلومات عن مفاوضات بين موسكو وأنقرة بهذا الخصوص، الأمر الذي يستبعده محمد سالم الباحث في مركز الحوار السوري للدراسات.

ويقول في تصريح لـ"أورينت نت" تعليقاً على هذه المعلومات: مع استبعادي لوجود مثل هذه المفاوضات إلا أن احتمال طرح الفكرة من جانب الروس يظل قائماً طبعاً، فروسيا كانت على الدوام تأمل بأن تجد خطتها هذه طريقاً للتطبيق، لكن السؤال الأهم هل الأتراك سيوافقون على ذلك، وهل هناك مقومات وظروف ملائمة لكي تصبح قابلة للتنفيذ؟.. أرى أن هذا مستبعد جداً.

وحول وجود آراء تعتقد بأن تركيا مستعدة للقبول بهذه الفكرة إذا ما جرى تطويرها بشكل يتناسب ورؤيتها، خاصة في هذا التوقيت، حيث تواجه حكومة حزب العدالة والتنمية ضغوطاً داخلية كبيرة بسبب اللاجئين السوريين، القضية التي تستغلها أحزاب المعارضة بشكل مركز، يقول سالم:

في عالم الاحتمالات يبقى هذا وارداً أيضاً، فقد تفرض الظروف سواء الداخلية أو الخارجية على تركيا الموافقة على مثل هذا المشروع، لكن هل يمكن أن تفرض حكومتها على السوريين، سواء من الموجودين في أراضيها أو النازحين في مناطق سيطرة المعارضة العودة لهذه المناطق؟.. أيضاً جوابي هو لا، لأن لا أحد يثق بضمانات روسيا وبأجهزة النظام الأمنية، خاصة بعد ما حصل في مناطق المصالحات من اعتقالات وموت تحت التعذيب وغير ذلك من انتهاكات.

على أية حال، وبغض النظر عن إمكانية حدوث مثل هذا الاتفاق من عدمها، إلا أن فشل مؤسسات المعارضة الخدمية في تحسين ظروف المخيمات، والإهمال الذي يعاني منه النازحون والمهجرون، خاصة في المخيمات العشوائية التي يقيم فيها مئات الآلاف، يجعل المعارضة مسؤولة عن أي قرار يتخذه سكان هذه المخيمات الذين صبروا طبلة سنوات بمواجهة أقسى الظروف من أجل عدم منح النظام فرصة المتاجرة بهم، فهل سيكون هناك رهان آخر من جانب المعارضة؟

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات