الغسيل الذي ماعاد ممكنا تنظيفه

الغسيل الذي ماعاد ممكنا تنظيفه
  ثمة نوع من البقع لايمكنك إزالتها بالمنظفات العادية ولايمكن معالجة آثارها فيتعذّر عليك ارتداء ماتلوّث مرة أخرى وتضطر إلى التخلي عنه ورميه في أقرب حاوية قمامة  .

  هذا هو تماما حال ميليشيات (الجيش الوطني) الحاكمة والمتحكمة بمختلف شؤون الحياة في مناطق شمال غرب سوريا .. فكمّ الانتهاكات والجرائم التي تمارسها تلك الميليشيات من النوع الذي لايمكن التغاضي عنه أو السكوت عليه بالنظر إلى أنها تحولت إلى منهجية عمل، وآلية متّبعة ومترسخة في إدارة شؤون الناس في تلك المناطق، الأمر الذي حوّل تلك المناطق لمجموعة إقطاعيات تتوازعها قوى وأدوات عسكرية تفرض فيها نفوذها وتحول حياة سكانها إلى جحيم مقيم لايختلف في طريقة ممارسة العربدة المتفلتة من كل الضوابط فيها عن أي منطقة من مناطق سيطرة ميليشيات النظام وفي بعض الأحيان أكثر سوءا منها.

  الكارثة الأكبر هي أن تلك الميليشيات لم تكتفِ بأن بندقيتها لم تعد لها وظيفة حقيقية في مواجهة نظام أسد وميليشياته، وإنما تحولت على المستوى الداخلي إلى أداة لكسر إرادة المجتمع في تلك المناطق وكم الأفواه وسلب الممتلكات وفرض الإتاوات واستباحة حياة وحريات الناس، كما تحولت على المستوى الخارجي إلى مجاميع مرتزقة وبنادق مأجورة تخوض قتالا ومعارك لاشأن لنا بها ولا تضيف لقضيتنا الوطنية أي شيء من الممكن توظيفه لخدمة صراعنا الأساسي كسوريين ضد سلطة العصابة الحاكمة، بل على العكس هي ترسل رسائل غاية في السلبية لكل العالم بمن فيهم القوى الدولية التي نعوّل على دور لها في خدمة قضيتنا الأساسية التي انطلقت الثورة لأجلها، فتلك الميليشيات والأدوات الرخيصة لها ممثلون ضمن بنية الائتلاف وهي يفترض أنها تتبع لحكومة "مؤقتة " التي تتبع أيضا بدورها لذاك الائتلاف الذي يمثل الوجه السياسي لقوى " الثورة " (!) وبالتالي فكل تلك الجرائم والانتهاكات تحصل تحت عين وسمع هذا الائتلاف وتلك الحكومة دون أن ينبس أحد منهما ببنت شفة تجاه تلك الجرائم ، ولم نسمع منهم قط أي تصريح يشير إلى رفضهم مايجري ومايصدر عن تلك الميليشيات، بل على العكس هم يقومون بزيارات ميدانية ويلتقون زعماء هذه الميليشيات ويجرون اللقاءات والاجتماعات الموسعة وكأن شيئا لم يحصل هناك .. وكأن تلك المناطق لاتعاني من وطأة ظلم وجور تلك الأدوات (!)  مايفرض علينا التساؤل : هل تلك الميليشيات تتبع الائتلاف وحكومته " المؤقتة " حقا  ؟؟ أم العكس  !!! .

من الواضح تماما لكل متبصر أن تلك البنية وهذه الأدوات لن تقودنا إلا حيث وصلنا .. إلى القاع ، فلا يستقيم أن يكون المعبّر عن مطالب الناس وحقوقهم أو يتولى إدارة شؤونهم أدوات وجهات وميليشيات تمارس القمع على الناس وتنتهك حقوقهم .. ومن الواضح تماما أننا وصلنا إلى مرحلة لم يعد السكوت عن ذلك إلا اشتراكا جرميا فعليا بكل ماتقوم به تلك الميليشيات من جرائم وانتهاكات ، خصوصا أن ثمة أدوات سياسية تسبغ عليها مشروعية مفترضة وتفسح لها بين صفوفها مقاعد لممثلين عنها  !!! .

الحال في مناطق شمال غرب سوريا لايحتاج منّا الإفاضة بالشرح والبيان، فحال الناس هناك يشي بحجم الفشل البنيوي والوظيفي على مختلف الصعد والمستويات، مايوجب إجراء مراجعة شاملة وحاسمة وسريعة لكل شيء، بدءا من بنية وطبيعة الوظيفة العسكرية لتلك الميليشيات وليس انتهاء بكل البنى الإدارية والخدمية والتعليمية التي ترزح تحت سطوة تلك الميليشيات، وإعادة صياغة علاقة كل تلك البنى بالحكومة المؤقتة ووظيفة تلك الأخيرة وعلاقتها بالدولة التركية.

لم يعد من الممكن قبول وجود ميليشيات متعددة الرؤوس والقرارات ومناطق الانتشار والاستحواذ بعيدا عن بنية عسكرية احترافية واحدة وحقيقية تتولى الشأن العسكري بكليته وتنحّي جانبا كل تلك الرموز الفاسدة من أمراء الحرب ولا تقحم نفسها في الحياة العامة وشؤون المدنيين  .

  ولم يعد مقبولا أن تتشكل المجالس المحلية بقرار ميليشيوي بعيدا عن إرادة الناس وخيارهم الحر ولا أن تستحوذ تلك المجالس على وظائف وسلطات ليست منوطة بها أصلا ولا هي جزء من مهامها ...

  ولم يعد مقبولا أيضا أن يتحول دور القضاء إلى مجرد شاهد زور يراقب ويشاهد، لكنه عاجز عن اتخاذ أي إجراء تجاه مايجري ... كما لم يعد مقبولا أن يقتصر دور الحكومة المؤقتة على مجرد حارس أو بوّاب لقادة ميليشيات يمارسون كل أنواع الرذائل .  

الحال الذي وصلنا إليه في الشمال السوري أن كل مانرتديه صار ملوثا وكثرت فيه البقع والقذارات بما يتعذر معه الاكتفاء بمجرد غسيله ونشره، فغسيلنا ماعاد من الممكن تنظيفه لفرط وساخته .. وصار لزاما علينا أن نفكر مليا وجديا بتطهير أجسادنا ومن ثم ارتداء لباس جديد.

التعليقات (2)

    عماد الدين

    ·منذ سنتين 4 أشهر
    الدولة التي تصفهم بالارتزاق لها هي نفس الدولة التي منحتك جنسيتها اذا كان ثمة تعريف للمرتزق فهو الشخص الذي يأكل بالاناء ثم يقضي حاجته به وهو الشخص الذي يقبض 150 دولار ليكتب مقال يشتم به أهله

    محمد

    ·منذ سنتين 4 أشهر
    المقال في الكثير من الصحة . انا معتقل سابق و اكره النظام جدا، و لكن المعارضة ليست شريفة . يكفي كذب
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات