"احتجاجهم مستمر منذ أشهر" .. معلّمو "المحرر" ظالمون أم مظلومون ؟ (1/2)

"احتجاجهم مستمر منذ أشهر" .. معلّمو "المحرر" ظالمون أم مظلومون ؟ (1/2)
تستمر مشكلة رواتب المعلمين في مناطق سيطرة الجيش الوطني، كواحدة من الأزمات التي تسبب صداعاً مُزمِناً لجميع أطراف العملية التعليمية، في ظل العجز المستمر عن إيجاد مقاربة مقبولة للحل.

والواقع أن معالجة هذه المشكلة ليست بالبساطة التي تبدو عليها للوهلة الأولى، فنحن لسنا أمام فئة من الموظفين تطالب بزيادة رواتبها فقط، بل يكشف هذا الملف عن عمق أزمة التعليم في هذه المناطق، كواحدة من الآثار التي ترتبت على اختلال العلاقة بين المجالس المحلية والحكومة المؤقتة.

 وإلى جانب زيادة الرواتب، يقول المعلمون إنهم يطالبون بتحسين العملية التعليمية التي سيكون مصيرها الانهيار في الشمال بحال لم يحدث تدخل عاجل يضع حداً للواقع الصعب الذي تعيشه، والعبث المستمر الذي تتعرض له من جانب المجالس المحلية، المتهَمة بارتكاب أخطاء وتجاوزات خطيرة في ملف يُعدّ شديد الحساسية.

 ورغم أن هذه المنطقة تقع تحت إدارة الحكومة السورية المؤقتة، إلا أن السيطرة الحقيقية على جميع النواحي الخدمية والإدارية هي للمجالس المحلية، التي تشرف على عملها وتديره الولايات التركية المحاذية لها، الأمر الذي يعقّد التعامل مع مطالب المعلمين ويجعل من الصعب تحديد الجهة المسؤولة عن تلبيتها.

الأهالي يتذمرون ويتهمون المعلمين !

لكن ورغم كل ما يقدمه المدرّسون في مناطق الجيش الوطني من مبررات لحركتهم الاحتجاجية المستمرة منذ أشهر، إلا أن أصواتاً شعبية بدأت تتعالى متهمة المعلمين بـ"الانتهازية وتفضيل مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة"، الأمر الذي اعتبره ممثلون عن هذه الفئة أنه "خطاب ناتج عن التحريض ضد المعلمين ونشر دعاية مضللة عنهم".

يقول أبو أحمد، وهو مهجّر من حلب إلى مدينة جرابلس في منطقة درع الفرات، إن "الإضرابات التي ينفذها المعلمون أضرّت بالعملية التعليمية"، متهماً القائمين عليها بعدم المبالاة تجاه التلاميذ.

ويضيف في الشكوى التي رفعها لـ"أورينت": "من حيث المبدأ فنحن ندعم مطالب المعلمين بزيادة رواتبهم، لكننا نرفض أن يلجؤوا إلى الإضرابات، فقد أدى هذا الأسلوب إلى ضياع الكثير من الساعات على أولادنا، ولا يُعقَل أن تُحلّ مشكلة طرف على حساب طرف آخر".

 لكن ربيع، وهو والد لثلاثة أطفال يدرسون في المرحلتين الابتدائية والمتوسّطة في بلدة قبّاسين التابعة لمدينة الباب، يبدو أكثر قسوة في انتقاده لحركة المعلمين الاحتجاجية، ويذهب إلى حد توجيه الاتهامات لهم.

يقول ربيع لـ"أورينت نت": "الكثير من هؤلاء المعلمين وصلوا إلى المناطق المحررة حديثاً، ولم يغادروا مناطق سيطرة النظام إلا بعد أن فقدوا أي أمل بحياة أفضل بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية هناك، وعندما كان راتب المعلم هنا يبدو كبيراً قبل انخفاض الليرة التركية، كانوا يتزاحمون من أجل الحصول على هذه الوظيفة، أما الآن فهم غير مستعدّين لتقاسم المعاناة مع بقية فئات المجتمع، ولا يُبدون أي اهتمام بمستقبل الأطفال الدراسي!".

ويضيف: "راتب المدرس في المناطق المحررة 700 ليرة، وهو أعلى من راتب عنصر الجيش الوطني أو الشرطة أو أي موظف من هذه الفئة، ممن لا يتجاوز راتبهم 400 ليرة في الشهر، ومع ذلك فهم يعتقدون أن الليرة انخفضت عليهم فقط.. بصراحة هم يريدون أن يُجبروا الطلاب وذويهم على اللجوء للمعاهد والمدارس الخاصة التي يعملون بها".

 اتهامات لا تعبّر عن وجهة نظر جميع السكان في هذه المناطق طبعاً، لكن لا يمكن إنكار حالة التذمّر التي باتت تتّسع بين الأهالي الذين يزعجهم بالطبع تأثر العملية التعليمية بسبب استمرار الإضرابات التي ينفذها المعلمون هناك.

 ويبلغ راتب المدرس في مناطق الجيش الوطني 700 ليرة تركية، بينما يحصل المستخدم أو الحارس على 500 ليرة في الشهر، أما المسؤول عن مكتب التعليم في كل مجلس محلي فيبلغ راتبه الشهري 1300 ليرة.

 

ما هي أهداف المعلمين ؟

 لكنّ ممثلين عن المعلمين في مناطق سيطرة الجيش الوطني يرفضون هذه الاتهامات، ويؤكدون أنهم يأخذون بعين الاعتبار تجنيب العملية التعليمية أي آثار سلبية للاحتجاجات التي ينفّذونها قدر الإمكان، كما شدّدوا على أن مطالبهم لا تنحصر فقط بزيادة رواتب المدرسين، بل تشمل تحسين ملف التعليم في هذه المناطق بشكل عام.

 محمد الدبك، عضو الهيئة التأسيسية لنقابة المعلمين في الشمال، تحدث بشكل مطول لـ"أورينت نت" حول كل ما أثير بهذا الخصوص. ورداً على سؤال حول المطالب التي ينادي بها زملاؤه قال: "لدينا مطلبان أساسيان، الأول هو تحسين العملية التعليمية بكافة جوانبها، والثاني هو زيادة الرواتب".

 ويتابع: "فيما يتعلق بتحسين شروط العملية التعليمية فهذا يشمل زيادة عدد المدارس والصفوف، إذ ليس مقبولاً أن يكون لدينا 60 طالباً أو أكثر أحياناً في نفس الصف، بالإضافة إلى تأمين الوسائل التعليمية والكتب، والكوادر التدريسية الكافية، والاهتمام أكثر بمادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، إذ يعاني الطلاب من مشاكل على صعيد مادة اللغة العربية تحديداً وهذا غير مقبول، كما نطالب بتشديد الرقابة وتدقيق تصحيح الأوراق الامتحانية مع تزايد الأخطاء فيها".

 وفيما يتعلق بنتائج الاحتجاجات التي ينفّذها المعلمون، وإذا ما كان هناك أي استجابة يقول دبك: "حتى الآن ليس هناك أي استجابة، لذلك نحن مستمرّون بحركتنا التي تتضمن وقفات احتجاجية وإضرابات أسبوعية بعد أن كنّا في إضراب مفتوح، لكن استجابة منا للوسطاء أوقفنا الإضراب المفتوح على أمل أن تنفّذ الجهات المعنية وعودها وتستجيب لمطالبنا، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وعليه فنحن نفكر بأن نزيد مدة الإضراب من يومين إلى ثلاثة، وأن نستمر بالتصعيد إلى حد العودة للإضراب المفتوح في حال استمر هذا التجاهل".

تعليق الإضراب حرصاً على الطلاب

 الدبك أكّد أن أحد أهم أسباب تعليق الإضراب المفتوح واللجوء إلى الإضراب الجزئي كان الحرص على ألا تتأثر العملية التعليمية وألا يتضرّر التلاميذ، وأضاف: "ندرك أن قسماً من الأهالي يتأثر بالدعاية التي توجَّه ضدنا، ولذلك هناك من يصدّق الاتهامات التي تروَّج حول المعلمين وحركتهم الاحتجاجية، إلا أنه بالمقابل نلمس تأييداً كبيراً وتعاطفاً واسعاً من الأهالي، الذين عرفوا حقيقة مواقفنا عندما لم نتردّد عن متابعة التعليم عن بُعد خلال فترة إغلاق كورونا. أضف أننا نحن من ضغط من أجل إعادة فتح المدارس عندما وجدنا أن الظروف باتت ملائمة، وعندما قررنا تنفيذ احتجاجات لتحسين ملف التعليم وزيادة الرواتب، أخذنا بعين الاعتبار المصلحة العامة وقررنا أن يكون الإضراب جزئياً، مع وضع برنامج لتعويض الساعات، وفي النهاية نؤمن أن الاحتجاج حق مشروع نمارسه، والإضراب هو أداة من أدوات الاحتجاج السلمي".

الانهيار قادم ؟!

 دبك يرى أيضاً أن من يضرّ بالعملية التعليمية حقيقة "هم القائمون على إدارتها ممن يرفضون الاستجابة لمطالب الإصلاح"، ويرى أن العملية التعليمية في المناطق المحررة وفق الأمر الواقع حالياً "في طريقها للانهيار"، لذلك فإن ما يطالب به المعلمون "هو لمصلحة الجميع وليس لمصلحة المعلمين فقط" كما يقول.

 وحول الجهة المَنوط بها الاستجابة لهذه المطالب يقول دبك: "الجميع يتملّص من المسؤولية، فوزارة التربية تقول إن المجالس هي المسؤولة عن القرار في هذه المناطق، والمجالس تقول إن القرار بيد الوالي التركي، والوالي التركي يقول إن القرار في أنقرة...إلخ، وهكذا، لذا فنحن نتوجه بمطالبنا ونخاطب أصحاب القرار، بغض النظر عن هويتهم، للاستجابة لمطالبنا".

استهداف المعلمين!

 بعد التواصل مع عدد غير قليل من الأهالي في مناطق سيطرة الجيش الوطني الثلاث للوقوف على انطباعاتهم تجاه احتجاجات المعلمين والمطالب التي ينادون بها، تبيّن بشكل واضح أن الغالبية العظمى من هؤلاء الأهالي لا يعلمون شيئاً عن مطالب أخرى تخصّ تحسين شروط العملية التعليمية وتطويرها.

كان ملاحَظاً بكل وضوح أن كل ما يعرفه الناس عن هذه الحركة هي أنها للمطالبة بتحسين رواتب المدرسين فقط، وقد خرجت "أورينت" بأسئلة أساسية رددها الأهالي ونقلناها لممثل المعلمين في هذا التحقيق.

وهنا يرى محمد دبك أن هذا ناتج عن "الاستهداف الممنهج للمعلمين من قبل الجهات التي لا تريد تحسين الواقع التعليمي في المناطق المحررة".

ويضيف: "تسعى هذه الجهات إلى عرقلة تأسيس نقابة للمعلمين في الشمال، وتمارس ضغوطاً كبيرة لإيقاف هذا المشروع وإجبارنا على إنهاء حركتنا الاحتجاجية بالتخويف ونشر الدعاية المضلِّلة ضدنا والتي تشمل التخوين وتشويه السمعة!".

 

زيادة الراتب للجميع

 أول الأسئلة التي طرحها الأهالي الذين استطلعتهم "أورينت" بهذا الخصوص هو: لماذا قبل المعلمون العمل بهذا الراتب أصلاً، ولماذا يحتجّون عليه الآن؟!

يرد محمد دبك: "أولاً نحن لا نحصل على راتب بل على منحة، وأحد مطالبنا هو أن تتحول إلى راتب رسمي، أما لماذا قبلنا بهذا المبلغ، ففي عام 2017 كنا نحصل على 500 ليرة في الشهر، أي ما يعادل 150 دولاراً، وهو مبلغ معقول ولا بأس به في ذلك الوقت، لكن انخفاض سعر الليرة التركية إلى درجات غير مسبوقة وارتفاع الأسعار المتزايد جعل من ال ـ700 ليرة التي نحصل عليها اليوم لا تساوي إلا خمسين دولاراً، أي إننا فقدنا ثلثي مستحقاتنا، فكيف يطلب منا القبول بذلك؟!!

دبك يشير أيضاً إلى أن زيادة الأجور والرواتب يجب أن تشمل جميع الموظفين والعمال في المناطق المحررة، لكنه يعتبر أن مشكلة المعلمين مضاعفة "لأنهم لا يستطيعون في الغالب العمل بوظيفة أخرى خارج الدوام، على عكس العديد من أصحاب الوظائف الأخرى الذي يمكنهم بذلك تحسين دخلهم".

هاربون من النظام .. جريئون في المحرّر!

 ألا يجب أن يشعر بالخجل المعلمون القادمون حديثاً من مناطق النظام، بعد أن بات راتبهم هناك لا يكفي ثمن الخبز، من المطالبة بزيادة الراتب والإصرار على ذلك حتى لو أدى الأمر لتعطيل العملية التعليمية برمتها في المناطق المحررة؟، وهل يريد هؤلاء خدمة النظام بتعطيل العملية التعليمية، خاصة أن بين المعلمين مؤيدين للنظام ولا يخفون هذا الموقف؟!

سؤال آخر يجيب عنه دبك بالتأكيد على "أن هناك معايير لقبول أي معلم في المناطق المحررة، على رأسها الموقف السياسي"، وأن أي متقدم للوظيفة يكون لديه أدنى ميل لتأييد النظام "يُرفَض طلبه قولاً واحداً"، أما فيما يتعلق بالقادمين حديثاً من مناطق النظام "فليس هناك عدد يلفت الانتباه على هذا الصعيد، ومن المستغرَب الحديث بهذه الطريقة" كما يقول.

 التضحية بالتعليم العام لصالح القطاع الخاص!

الاتهام الثالث الذي يوجّهه معارضو حركة المعلمين الاحتجاجية هو أن أحد أهدافها تعطيل التعليم العام وإجبار الأهالي على تسجيل أبنائهم في المعاهد والمدارس الخاصة التي يعمل الكثير من المدرسين فيها برواتب عالية، ولا يستطيع جميع السكان في هذه المناطق تأمين مصاريفها..!

اتهام يردّ عليه محمد دبك بالقول: "لو كان هذا هدفنا لكنا استقلنا كلنا وتوجهنا جميعاً للتعليم الخاص، لكن بالعكس لدينا الكثير من الأمثلة عن مدرسين قُدّمت لهم عروض مغرية للعمل في القطاع الخاص لكنهم فضلوا الاستمرار في المدارس العامة عندما لم يتمكنوا من التوفيق بين الدوام هنا وهناك، فخسروا راتباً مغرياً بسبب الحرص على المصلحة العامة".

المدارس كمقرات عسكرية!

 يتساءل الدبك: "كيف يُتهم المعلمون الذي يحتجون من أجل مطالب مشروعة بإعاقة العملية التعليمية والإضرار بها من قبل القائمين على المجالس المحلية، رغم أن على رأس مطالبهم زيادة عدد المدارس والصفوف، بينما الشرطة العسكرية حولت ثلاث مدارس إلى مقرات لها، والشرطة المدنية تضع يدها على بعض المدارس، كما إن هناك مجالس محلية تستثمر بعضها الآخر للمؤسسات الإدارية والخدمية؟!!".

ويضيف: "أحد مطالبنا كان إفراغ هذه المدارس وإعادتها لخدمة التعليم، والسعي لبناء مدارس جديدة من أجل استيعاب العدد المتزايد للتلاميذ، بينما يمكن للشرطة والإدارات أن تبني مقرات خاصة بها".

ويبلغ عدد المعلمين في مناطق (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام) نحو 14 ألفاً، يقدمون خدماتهم لأكثر من 330 ألف تلميذ في مدارس المنطقة الجغرافية الممتدة من عفرين غرب حلب إلى رأس العين في ريف الحسكة الشمالي.

هل المعلمون في مناطق سيطرة الجيش الوطني ظالمون أم مظلومون؟

سؤال قد يرى البعض أن الإجابة عنه سهلة وواضحة، فهم ينادون بمطالب مُحقّة، ويحتجون بأساليب مشروعة. لكن بالمقابل هناك من يرى أن المعلمين وقعوا في المبالغة، سواء من حيث المطالبة بأمور لا يمكن أن تتوفر في هذه الظروف الاستثنائية التي تعيشها سوريا بشكل عام والمناطق المحررة بشكل خاص، أو من حيث مواصلة الاحتجاجات رغم أن رسالتهم وصلت ومطالبهم باتت قيد الدراسة..لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: من هي الجهات المسؤولة في هذه المناطق وهل هي قادرة على إنقاذ التعليم فيها بالفعل؟

أسئلة ستحاول "أورينت نت" الإجابة عنها في الجزء الثاني من هذا التحقيق الذي يُنشر غداً..

التعليقات (2)

    عمر الشامي معلم

    ·منذ سنتين 4 أشهر
    راتب ادنى مستخدم في اي منظمة 200$دولار وهو يساوي راتب استاذ مع مدير واضف احيانا مستخدم

    حسان الخالد

    ·منذ سنتين 4 أشهر
    انامعلم والراتب لايكفي ثمن البنزين لعجله دولابين ولي اسره من ثمانية اشخاص فما رأي الاهالي هل اموت من الجوع انا وعائلتي ام اتابع رسالتي التعليمه
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات