منظمة حقوقية تهاجم حكومة لبنان لدورها بحرمان أطفال السوريين من التعليم

منظمة حقوقية تهاجم حكومة لبنان لدورها بحرمان أطفال السوريين من التعليم
حذرت " هيومن رايتس ووتش" من مخاطر غير مسبوقة يواجهها الأطفال السوريون اللاجئون في لبنان على صعيد خسارة التعليم نهائياً، بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية منذ عامين، والتي أدت لإقفال المدارس وخسارة التعليم، في ظل عقبات إدارية وتعجيزية تفرضها وزارة التربية اللبنانية على أساس "تمييزي" تجاه التلاميذ السوريين بسبب ظروف اللجوء الخارجة عن إرادتهم.

وقالت المنظمة في تقريرها اليوم، إن "على وزارة التربية اللبنانية تمديد فترة تسجيل الأطفال السوريين في المدارس التي تنتهي في 4 ديسمبر/كانون الأول 2021، وإنهاء السياسات التي تمنع أطفال اللاجئين السوريين من الوصول إلى التعليم"، مؤكدة أن آلاف الأطفال السوريين اللاجئين يقبعون خارج المدارس "بسبب السياسات التي تشترط حصولهم على سجلات تعليمية مُصدَّقة، وإقامة قانونية في لبنان، وغيرها من الوثائق الرسمية التي لا يستطيع معظم السوريين الحصول عليها".

وقال المدير المشارك في قسم حقوق الطفل لدى "رايتس ووتش" بيل فان إسفلد: "لا يوجد أي عذر للسياسات التي تمنع الأطفال السوريين من الذهاب إلى المدرسة، وتركهم بدون مكان يلجؤون إليه لمستقبل أفضل، ورث وزير التربية قواعد ضيقة الأفق وتمييزية لا تزال تقوّض تعليم الأطفال اللاجئين بعد عقد على بدء النزاع السوري، وعليه أن ينهي العمل بها".

وأضاف فان إسفلد: "إذا أرادت حكومة لبنان الجديدة تدارك خسارة جيل عليها أن تتوقف عن وضع عقبات وطلب وثائق لا يمكن الحصول عليها من أطفال اللاجئين الذين يريدون الذهاب إلى المدرسة. لنكن واضحين، إذا لم تتخلَ الحكومة عن هذه السياسات، ستكون مسؤولة عن انتهاكات جسيمة للحق في التعليم".

كما طالب مسؤول المنظمة وزارة التربية بإفساح المجال أمام الأطفال السوريين للتسجيل في المدارس "بدون إقامة لبنانية، أو وثيقة ولادة أو وثائق من الحكومة السورية، وأن ليس عليهم تقديم أي دليل على تعليم رسمي، أو غير رسمي مصدَّق، سابق." خاصة أن العديد من الأطفال السوريين "لا يمكنهم الحصول على هذه الوثائق، لأسباب خارجة عن إرادتهم".

مأساة متكررة ومتفاقمة

تلك المأساة تتكرر في كل عام مع بداية الفصل الدراسي في لبنان، ولا يجدد تسجيل الأطفال السوريين في المدارس اللبنانية بشكل تلقائي كل خريف بسبب قرارات وزارة التربية اللبنانية والتعقيدات المفروضة على الأطفال، الأمر الذي "يضطر معظم الأطفال السوريين إلى انتظار وزارة التربية كي تنشر لائحة بالمدارس التي ستفتح صفوف دوام ثانٍ لهم كي يُسجلوا". 

وبحسب إحصائيات منظمة "الأمم المتحدة" فإن لبنان يستضيف 660 ألف طفل سوري لاجئ في سن المدرسة، لكن 30 % منهم (200 ألف طفل) "لم يذهبوا للمدرسة قط"، وأن 60 % منهم لم يُسجلوا في المدارس خلال السنوات الأخيرة، خاصة وأن عدد الأطفال المسجلين هذا العام يعتبر متدنياً جداً مقارنة بعام 2019، وما تبعه من أوضاع متردية نتيجة الأوضاع الاقتصادية والسياسية وأزمة كورونا في لبنان.

عقبات عديدة

غير أن معظم التلاميذ السوريين يضطرون لحضور صفوف الدوام الثاني في المدارس الرسمية في لبنان والتي لم تبدأ بعد، وفق التقرير الذي أكد أن الصفوف العادية في المدارس الرسمية بدأت في 11 تشرين الأول الماضي "بعد أن توصلت الوزارة إلى اتفاق مؤقت مع الأساتذة الذين هددوا بالإضراب بسبب الرواتب المتدنية نتيجة الأزمة المالية في لبنان. هدد أساتذة الدوام الثاني، الذي يعملون بموجب عقود قصيرة الأمد بالإضراب أيضاً بسبب عدم دفع الرواتب وتدني قيمتها".

وفي تلك الظروف، يضطر الأطفال السوريون للانتظار حتى انتهاء تسجيل الأطفال اللبنانيين ليسجلوا في الأماكن المتاحة في المدارس الرسمية، رغم أن عدد الأماكن المتاحة للطلاب انخفضت بسبب انتقال 54 ألف تلميذ لبناني من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية خلال عامي 2020و2021، بسبب الوضع الاقتصادي المتردي في لبنان، في وقت يعيش 90% من اللاجئين السوريين تحت خطر الفقر بعد أن كانت تلك النسبة نحو 55% عام 2019.

وبحسب المنظمات الإنسانية فإنّ الكثير من مديري المدارس الابتدائية في لبنان يرفضون تسجيل الأطفال السوريين بشكل تعسفي لعدم قدرتهم على تقديم وثائق لا تطلبها وزارة التربية اللبنانية، وهو ما أكدته إيلينا ديكوميتيس، مديرة المناصرة في "المجلس النرويجي للاجئين" في لبنان، وأوضحت: "مجددا هذا العام، يتصل بنا الأهل لأن بعض مديري المدارس يطلبون منهم وثائق صادرة حديثاً عن الحكومة السورية أو إقامة قانونية لأطفالهم، الحصول على هذه الوثائق شبه مستحيلة لمعظم اللاجئين في لبنان، ويجب ألا تحول دون دخول الأطفال إلى المدارس. العديد من الأطفال الذين يُمنعون من الذهاب إلى المدارس بسبب الوثائق ينتهي بهم الأمر بالعمل في الشارع، بعد أن عاشوا نازحين لعقد تقريبا".

شروط تعجيزية

في حين يشترط مديرو مدارس آخرون وثائق ولادة للأطفال السوريين وهي نسبة تقدر بنحو 70% من الأطفال اللاجئين المولودين في لبنان، بحسب "الأمم المتحدة"، كما تشترط وزارة التربية "حصول الأطفال السوريين على إقامة قانونية للتسجيل في المدارس الثانوية، وللخضوع لامتحان الشهادة المتوسطة (البريفيه)، بعد إنهاء 9 سنوات من التعليم الابتدائي، ولامتحان البكالوريا في نهاية المرحلة الثانوية"، رغم أن أقل من 16% من اللاجئين السوريين في لبنان يملكون إقامات قانونية، وهو أمر يضطر معظم السوريين في لبنان إلى "تأمين متطلبات شاقة للحصول على الإقامة، بما في ذلك مبلغ 200 دولار أمريكي سنويا."

ولا تقف العقبات التعليمية عند هذا الحد، بل إن وزارة التربية منعت خلال السنوات الماضية الأطفال السوريين من الانتقال إلى التعليم الرسمي "إلا إذا صدّقوا تعليمهم غير الرسمي"، وفي هذا الصدد نقلت "رايتس ووتش" عن ناشطين في المجال الإنساني قولهم :إن "الجماعات الإنسانية تعلّم أسس القراءة والكتابة والحساب بالاعتماد على مناهج وزارة التربية، لكن، لأن الوزارة لم تُصدّق على هذه الصفوف، ليس واضحاً إذا كان المديرون سيسمحون للأطفال بالانتقال إلى التعليم الرسمي."

وقال ناشطون متطوعون أيضا إن وزارة التربية اللبنانية تشترط على الأطفال السوريين الذين أمضوا أكثر من سنتين خارج المدرسة الخضوع لبرنامج تعليم مسرّع للتسجيل في المدارس، "لكنها أنهت البرنامج". ولفت أحد المعلمين في منظمة إنسانية في لبنان: "لدينا اليوم العديد من الأطفال الذين لا يمكنهم الذهاب إلى المدرسة لأنهم أمضوا عامين خارج المدرسة بسبب كورونا وباقي الأمور، ولا يوجد برنامج تعليم سريع".

كما نقلت "رايتس ووتش" عن مدير برنامج التعليم في (إحدى الجماعات الإنسانية الدولية)، "ما لا نعرفه هو ما سيحصل للأطفال الذين تركوا المدرسة خلال العامين الأخيرين"، وقال أحد ناشطي المنظمات الإنسانية المسؤولة عن التعليم: "هذا يكفي. بعد 10 أعوام (من النزاع السوري)، يجب ألا تكون الأماكن في التعليم الرسمي قائمة على أساس الجنسية، بل على الحاجة".

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات