كيف أثر ارتفاع الليرة التركية على عمل الباعة الجوّالين في الشمال المحرر؟

كيف أثر ارتفاع الليرة التركية على عمل الباعة الجوّالين في الشمال المحرر؟
تشهد سوق الشمال السوري حالة من الفوضى والتوتر، بعد الانهيار الأخير في قيمة الليرة التركية، الذي تسبّب في ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية خلال الأسابيع القليلة الماضية، ما أدى إلى خسارة المئات مصادر دخلهم.

ورغم قرار استبدال العملة المحلية بالليرة التركية قبل عام ونصف تقريباً في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، إلا أن الاضطراب على مستوى السوق الاجتماعية ظلّ مستمراً، مقارنة بالتعاملات التجارية الكبيرة التي تعتمد على الدولار الأمريكي. 

توقف عمل الباعة الجوالين

وانعكس انحدار قيمة الليرة التركية على مختلف النواحي الاقتصادية والمعيشية لسكان المنطقة، الذين يعتمد غالبيتهم على الأعمال اليومية في إعالة أسرهم، إلا أنها ضاعفت من معاناة الباعة الجوّالين وتجّار التجزئة الذين يمثّلون غالبية اليد العاملة في الشمال السوري.

حيث اضطُر "أبو عمر" وهو بائع ألبسة متنقّل بين البازارات اليومية والمخيمات الحدودية، للتوقف عن العمل، جراء الأزمة الاقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية بالنسبة إلى قاطني الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة، التي جعلت من الألبسة خارج حساباتهم نهائياً.

ويوضح أبو عمر المهجر من مدينة حلب إلى إدلب خلال حديثه لـ"أورينت نت"، أن الخروج إلى العمل بات يعود عليه بالخسارة، بسبب عزوف السكان عن شراء الألبسة وتوجههم نحو شراء السلع الأساسية من الطعام والشراب وضروريات المنزل فقط.

ويقول: "منذ شهرين تقريباً صرنا نذهب ونعود دون أن نكسب حتى ثمن أجرة المواصلات التي أدفعها من مدينة إدلب باتجاه الشمال والقرى الحدودية، بسبب وضع الناس المعيشي والغلاء الكبير الذي أصاب كل شيء، حيث لم يعد أحد مهتماً بشراء الألبسة، فهمّ الجميع اليوم تأمين وجبة الطعام، وعليه، فقد توقفت أعمالنا تماماً ولم نعد قادرين على تأمين مصاريف العائلة". 

ويضيف: "رغم أن هذه الأيام تعتبر موسماً بالنسبة لنا حيث يتوجه السكان لشراء كسوة الشتاء، إلا أنني أصرف حالياً من رأس المال، وبعد أيام لدي دفع إيجار المنزل وهذا أيضاً سيكون من رأس المال، فبالنسبة لي كمعيل لخمسة أطفال وأمهم، فأنا مضطر لتأمين الطعام والشراب والمستلزمات المنزلية كاملةً، وهذا يعني أني سأفقد حتى السيولة التي أعتمد عليها في تجارتي بعد فترة قصيرة. متسائلاً: "ماذا سيحدث بعد ذلك هل نفتح أفواهنا للسماء؟".

مضاعفات ارتفاع المحروقات

ولا يبدو "أبو رضوان" (بائع مواد بلاستيكية وأوانٍ منزلية منتقل على دراجته النارية) بحال أفضل، حيث تسبب ارتفاع تسعيرة المحروقات بتوقفه عن العمل الذي يعتمد على التجول بين أزقة القرى والمخيمات، كما أوضح في حديثه لـ"أورينت".

ويقول: "ارتفاع سعر المحروقات الذي وصل اليوم إلى ما يقارب 11,50 ليرة تركية للبنزين باعتبار أن "ماتوري" (دراجة نارية) يعمل عليه، قيّد حركتنا نحن الباعة الجوالين وأصحاب البسطات الذين نلاحق البازارات اليومية في القرى والمدن باحثين عن لقمة عيشنا، ما أجبرني على البقاء في إدلب أنتظر بازار الأربعاء أو أقف عند دورات المدينة للبيع".

ويشير إلى أنه سابقاً لم يكن يتجاوز مصروف تنقلاته 10 ليرات تركية، وهو رقم مقبول مقابل أرباحه التي تصل أحياناً إلى 40_50 ليرة يومياً، لكن، وبعد ارتفاع أسعار البنزين والمازوت بشكل يومي، صار  المشوار نفسه يكلّفه 20_25 ليرة، مقابل انخفاض عمليات البيع والشراء بشكل لم يعد يغطي تكلفة البنزين الذي يحرقه "الماتور".

وكانت نشرة الأسعار الأخيرة لشركة "وتد للمحروقات" التي تبيع الوقود والغاز للمدنيين، قد شهدت ارتفاعاً طفيفاً يوم الأربعاء، حيث ارتفع سعر البنزين المستورد إلى "11,32" ليرة تركية، وأسطوانة الغاز المنزلي إلى "157,50" ليرة تركية.

توصيات بعيدة عن الواقع

وبحسب ما تداوله ناشطون ومواقع محلية، فإن الاجتماع الأخير لمجلس شورى إدلب الذي عُقد يوم الثلاثاء الماضي، بحضور زعيم هيئة تحرير الشام "أبو محمد الجولاني" مع مسؤولين في حكومة الإنقاذ، على خلفية الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسكان وتجدد الوقفات الاحتجاجية، قد خرج بالعديد من القرارات والتوصيات، أبرزها "دعم أكثر من 40 فرناً منتجاً للخبز في إدلب، وتشديد الرقابة على الأسعار، والعمل على تثبيت أسعار المحروقات".

ويعتبر خبراء اقتصاديون أن الحكومات المسيطرة على الشمال السوري المحرر (الحكومة السورية المؤقتة وحكومة الإنقاذ) غير قادرة على ضبط السوق المحلية، بالنظر إلى ما يتطلبه الأمر من وجود سياسات وبنية اقتصادية ثابتة، على عكس عملية دعم الخبز التي يمكن تحقيق نتائج إيجابية فيها، بالنظر إلى اعتماد هذا القطاع على الدعم المالي المباشر والمحدود.

وفي حديث سابق لـ"أورينت"، أكد الخبير الاقتصادي "عبد الرحمن أنيس" أن الحل الأمثل لتدارك الوضع الاقتصادي الحالي في الشمال السوري يتمثل بإيجاد منطقة اقتصادية موحّدة، وإحداث مجلس اقتصادي أعلى ومجلس نقد وتوحيد خزينة عامة مشتركة يتفق عليها وعلى أشكال الإنفاق العام وفقاً لموازنة عامة موحدة، وضرورة وجود جهة رقابية عليا تضبط البوصلة. معتبراً أن هذه الطريقة هي الوحيدة لحماية السوق واقتصاد السكان وعدم تحميلهم أثر التغيرات الاقتصادية دفعة واحدة.

ولم تتوقف تبعات الأزمة الاقتصادية الحالية على ارتفاع الأسعار فحسب، إنما زادت أيضاً من ارتفاع معدل البطالة بين السكان، فعلى الرغم من مرور أكثر من شهر على أزمة انحدار قيمة الليرة التركية، وظهور انعكاساتها على الواقع المعيشي والاقتصادي لقاطني الشمال السوري، إلا أن الحكومات المسيطرة على المنطقة لم تتخذ أي خطوات عملية تحمي مصادر دخلهم.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات