الصمود.. لعنة الصمت التي أبكت السوريين

الصمود.. لعنة الصمت التي أبكت السوريين
ينتمي مصطلح "الصمود" الذي تفاخر النظام السوري بإنجابه من خلال زواجه الطويل بأزمته الوجودية إلى سلالة مصطلحات هجينة، جمعت بين رثاثة الاقتباس اللغوي وسماجة الإيحاء الأيديولوجي. 

جاء المصطلح رداً على الشعارات الداعية إلى إسقاط النظام والتي داهمت فرضية "المجتمع الممسوك أمنياً" منذ العام 2011. بعدما كان النظام قد اطمأن إلى إتمامه لعملية إفراغ المجتمع من قواه الحيّة وقهرها، ومن إمكانية إنتاج أي فعل سياسي معادٍ لديمومة السلطة التي امتزجت مكوناتها منذ انقلاب البعث العسكري على مدنيّة الدولة عام 1963، وتبلورت بصورة نهائية بعد استيلاء حافظ الأسد على السلطة في سوريا واحتكارها، ومن ثم توريث نصابها كاملاً إلى ابنه بشار.

الصمود منذ بداياته

بعد العام 2011 طارت من المناطق الثائرة شعاراتٌ "طارئة" مثل "الشعب يريد إسقاط النظام" وعبرت فوق الجسد الميّت لشعارات دولة البعث "الوحدة، الحرية، الاشتراكية" وفوق العبارات والصور التي تزكم أنف الميادين والساحات العامة وواجهات المباني الحكومية، وتبرهن كيف أن السلطة زهقت روح الشعب وصادرته بصورة نهائية.

جاء مصطلح الصمود رداً على الشعارات الداعية إلى إسقاط النظام والتي داهمت فرضية "المجتمع الممسوك أمنياً" منذ العام 2011. بعدما كان النظام قد اطمأن إلى إتمامه لعملية إفراغ المجتمع من قواه الحيّة وقهرها

ولعل الخشية من اتساع مفاعيل الشعارات المناوئة للنظام في حينها هو الذي قاده للاستنجاد بعدّة شعارات من بينها "الصمود" فأحال مدلولاته بدايةً لتكون صموداً ضد ما أسماه "العصابات الإرهابية" وهو توصيف دلالي سهّل عليه تأطير كل ما هو مناوئ له وإسباغه هذا الوصف.

 ومع تنامي القطيعة العربية والدولية للنظام السوري في كل مرة كانت تفيض لديه شهيّة التدمير والتهجير وتخوين المختلف معه، انتقلت دلالات "الصمود" لتكون ضد "المؤامرة الكونية" وهذا تعبير دلالي آخر توجه به النظام إلى أنصاره يقنعهم به أنه عرضةٌ لاستباحة كونية تريد إفناءه نتيجة "صموده" في محور "صمود" وهمي، رأسُه يبدأ من إيران، ولعل انزلاق الشعار إلى متاهات "فانتازيّة" متخيّلة كان ضرورياً للاحتماء من نتائج الدمار المرعب الذي امتد سريعاً من البنية التحتية إلى الاقتصاد والمجتمع على السواء.    

ثم صار "الصمود" بألوان مختلفة وبمقاسات مختلفة أيضاً، فهو منذ سنوات بات يعني "ثبات" المواطن أمام الجوع والبرد والعتمة وانهيار القيمة الشرائية لليرة وكل الأشكال الممكنة من استباحته بصورة يومية، تلك التي أسماها النظام مجتمعةً "الصمود ضد الحصار".

الصامدون، تبجّحٌ في أمثلة حيّة

ورد في المعجم الوسيط: صمد صموداً أي ثَبَت، واستمرَّ، والجمع في المعجم الغني: صامدون، وصامدات، ومعنى الصامدون والصامدات في معجم النظام: هم الصامتون والصامتات، إذ لا فرق يذكر هنا بين الصامد والصامت، أو الصامدة والصامتة. 

لذا لم تجد بثينة شعبان المستشارة السياسية والإعلامية لبشار الأسد ضيراً من أن تدعو السوريين إلى مزيد من "الصمود" بمواجهة قانون قيصر، وذلك في شهر حزيران/ يونيو من العام الماضي، غير مكترثة بالصورة المخزية لحياة الذل الذي يؤمنها النظام بكفاءة واقتدار للقاطنين في مناطق سيطرته، وفي حين كان ابنها يطلُّ علينا مبتسماً، وإلى جواره سيارته الفارهة من خلال صور تناقلتها صفحات عديدة على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي.

مع تنامي القطيعة العربية والدولية للنظام السوري في كل مرة كانت تفيض لديه شهيّة التدمير والتهجير وتخوين المختلف معه، انتقلت دلالات "الصمود" لتكون ضد "المؤامرة الكونية" وهذا تعبير دلالي آخر توجه به النظام إلى أنصاره يقنعهم به أنه عرضةٌ لاستباحة كونية تريد إفناءه نتيجة "صموده" في محور "صمود" وهمي

كما لم تبخل لونا الشبل أواخر الشهر الماضي وهي المستشارة الأخرى لبشار الأسد بدعوة السوريين إلى اقتراف المزيد من "الصمود" لمواجهة الحصار الغربي على بلادهم والانهيار الاقتصادي الناجم عنه، وكما تناقل الكثيرون فإن الشبل تدعو إلى "الصمود" وفي معصمها ساعة "رولكس" بقيمة تتجاوز 145 ألف دولار، وترتدي فستاناً من ماركة "غوتشي" ثمنه لا يقل عن 3 آلاف دولار، وتسكن بيتاً في "قرى الأسد" ثمنه لا يقل عن خمسة ملايين دولار!! ثم تجري عمليات تجميل في باريس بكلفة مئة ألف دولار، فالمستشارة الشابة صاحبةُ الجنسية الفرنسية أيضاً، تستطيع أن تجرجر "الصمود" من ياقته البالية أمام أعين السوريين، وتطرحه أرضاً في ثوانٍ معدودات، ولن يكون بمقدور أحد مجاراتها في فعل ذلك.

الصمود، مقتطفات درامية

يزجُّ النظام الناس في أقبية معتمة طيلة فصول السنة، يفكر بالنيابة عنهم، ويصادر مصائرهم البائسة إلى أخرى أشد بؤساً كما لو أنها ممتلكاته الشخصية. في تلك العتمة تنمو المصطلحات المهجنة -"الصمود" أحدها- كالطحالب ملساء لا معنى لها، فائضة عن الحاجة، لا يريدها أحد.

لدرجة أن فنانين موالين، بدؤوا يزيلون الصدأ عن أفواههم المكمومة، متحاملين على مصطلح "الصمود" الذي لم يملّ النظام من إرضاعهم إيّاه. مثل الممثل السوري الموالي بشار إسماعيل الذي لم يعد يستسيغ تناول المزيد من وجبة الصمود اليومية، فانتقد مسؤولين في نظام بشار الأسد مطلع شهر آب/ أغسطس الحالي على دعوتهم لعناق الصمود مطولاً، وقال: هؤلاء مصروفهم اليومي لا يقل عن خمسة ملايين ليرة!!

قبل ذلك بنحو عام لم يشأ دريد لحام أحد أبرز الممثلين المدافعين باستماتة عن النظام أن يقلل من شأن هرمونات "الصمود" وبرأيه: لم يبقَ أمامنا سوى الصمود والتصدي.

لم تبخل لونا الشبل بدعوة السوريين إلى المزيد من "الصمود" لمواجهة الحصار الغربي على بلادهم والانهيار الاقتصادي الناجم عنه، وكما تناقل الكثيرون فإن الشبل تدعو إلى"الصمود" وفي معصمها ساعة "رولكس" بقيمة 145 ألف دولار، وترتدي فستاناً ماركة "غوتشي" ثمنه لا يقل عن 3 آلاف دولار، وتسكن بيتاً في "قرى الأسد" ثمنه خمسة ملايين دولار.. ثم تجري عمليات تجميل في باريس بكلفة 100 ألف دولار!

حتى إن تصدير مفهوم "الصمود" حسب وصفة النظام السوري إلى الصحافة العربية ظهر مرّات عديدة، إحداها في مقال حمل عنوان: "أبجديات الصمود السوري في وجه الحرب الإرهابية، وجردة 2020 لانتصارات لا تنتهي" ونشرته صحيفة رأي اليوم أواخر كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، والمقال يزخر بديباجات لفظية سائدة بين جمهور الموالين في فهمهم لحركة التاريخ والسياسة، وفي ترديدهم لهذيانات كتاب التربية القومية الاشتراكية.

قبل ذلك بعامين، وفي أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر نشر موقع "سبوتنك بالعربي" مقالاً جاء عنوانه: "الصمود السوري يفتك بالتحالفات الإقليمية ويعيد تركيبها" وهو أشبه بإغماءة سردية، تنبش بمجهود فائق كل التلفيقات الممكنة لشراء انتصار غير موجود واقعياً.

لكن كم يتوجب على السوريين أن يبتلعوا من هذا "الصمود" يومياً ليبقوا على قيد الحياة، حبة في اليوم، حبتين، ثلاث حبات؟! وهل يشترون هذا "الصمود" بالليرة أم بالدولار؟! ومن أي بقالية يشترونه؟! من بقاليّة شعبان، أم من بقاليّة الشبل؟! فالوصفة مكتوبة بخط واضح، لا لبس فيه.

التعليقات (6)

    HOPE

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    شعارات فارغه عفناها والاعيب مكشوفه سمجه لا يقبل بها الا الاغبياء او المنتفعين..... او من لاحول لهم ولا قوه!

    السيف الدمشقي

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    كاتب متميز.. بلغة متماسكة وأفق حر وسخرية راقية

    صادق محمد

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    ٤٤ عاما من عمري كارها للبعث و نظرياته الفاشلة و الصمود و التصدي و المقاومة و لا صوت يعلوا صوت المعركة و كل الامم تنتهك حرمات البلاد و العباد

    صادق محمد

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    الصمود في اللغة العربية هي مفرد صمد و هو ما يربط بالحمار او الثور عند الفلاحة .. هذا ما يقصد به نصح الشعب بالصمود

    Sami

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    الصمود شيء مشرف و راقي. ولكن هذه الأشياء للعظماء وليس للصغار

    أبو هيثم

    ·منذ سنتين 8 أشهر
    عندما لا يكون هناك خطة او بصيص أمل، فالصمود لا يعني نهاية الألم. لماذا يجب على السوريين ان يصمدوا وإلى متى؟ تحميل مافوق الطاقة لن ينفع معه الصمود وسينتج عنه الانهيار المفاجىء
6

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات