موسكو.. احتمالات التصعيد في أوكرانيا

موسكو.. احتمالات التصعيد في أوكرانيا
ربما يكون الهجوم العسكري البري الواسع النطاق بعيد الاحتمال لما قد يثيره من تدخل دولي لا تحسب عواقبه، لكن السيطرة على سواحل بحر آزوف تعتبر هدفا لموسكو.

أعاد إطلاق البحرية الروسية النار على 3 سفن حربية أوكرانية كانت تحاول دخول بحر آزوف من البحر الأسود، وأسر بحّارتها الـ24 تسليط الضوء على النزاع الروسي الأوكراني الذي اندلع عام 2014 بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية. المثير للقلق ليس التوتر الدبلوماسي بين البلدين، وإنما احتمال تصاعد هذا التوتر لمواجهة عسكرية.

تأتي أهمية المواجهة العسكرية في مضيق كيرتش من كونها بمثابة اختبار لتصعيد روسي مستقبلي يمنع أوكرانيا من الوصول إلى بحر آزوف الذي يتصل بالبحر الأسود عن طريق ذلك المضيق. وتصدر أوكرانيا العديد من السلع التجارية عبر شواطئ بحر آزوف وتعتبر إمكانية عدم وصولها إليه ذات تأثير كبير على اقتصادها. كما تنبع أهمية هذا الحادث من كونه يأتي بعد تقارير عن حشود عسكرية روسية خلال الأشهر الماضية على طول الحدود مع أوكرانيا، ما ينذر بعدوان بري واسع النطاق، دفع الحكومة الأوكرانية إلى سلسلة من الإجراءات مثل إعلان حالة الطوارئ ضمن عشر مناطق حدودية ومنع دخول الذكور الشباب من روسيا إلى أوكرانيا خلال فترة حالة الطوارئ.

في المقابل، ألغى الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعه الذي كان مقررا مع الرئيس الروسي خلال قمة العشرين ردا على التصعيد الروسي. كما قام الجيش الأميركي بتنفيذ طلعة جوية “غير اعتيادية” فوق أوكرانيا بما يشكله ذلك من رسالة مباشرة لروسيا حول جاهزية واشنطن لأي عدوان محتمل. وتعني تلك المؤشرات أن جميع الأطراف تأخذ التصعيد الروسي على محمل الجد، بل تعتقد بإمكانية أن يتحول إلى هجوم بري واسع. وهو ما يطرح السؤال حول أسباب تصعيد موسكو في هذا الوقت.

رغم أن النزاع الروسي الأوكراني مستمر منذ عام 2014، لكن الحادث الأخير يُعدُّ المواجهة العسكرية المباشرة بين البلدين. إذ اتبعت روسيا استراتيجية “الحرب الهجينة” وهي الحرب غير المباشرة التي دعمت فيها الانفصاليين في شرق أوكرانيا لانتزاع تلك المناطق من سيطرة الحكومة الأوكرانية. وفضلا عن دعم الانفصاليين استخدمت موسكو سياسة الاغتيالات لشخصيات محددة داخل أوكرانيا، والحرب الإلكترونية والقرصنة والحظر التجاري، وكل ما بوسعها من وسائل تضعف أداء الاقتصاد الأوكراني وتولد مشاعر بعدم الاستقرار بين السكان.

تبدو الصورة السائدة أن روسيا قد نجت بأفعالها العدوانية تلك، إذ تمكنت من اقتطاع جزء من أوكرانيا رغم ما يشكله ذلك من انتهاك للمعايير الدولية المعمول بها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كما نجحت بتجاهل الضغوط الدولية لإعادة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا، وما تخلل ذلك من عقوبات اقتصادية أدت إلى انحدار الاقتصاد الروسي. كل ذلك جعل المحللين يصورون روسيا بمشهد المنتصر في هذه الأزمة. لكن فلاديمير بوتين يعتقد أنه لم ينتصر بعد.

لم يرض نظام بوتين بكل ما تحقق لصالح بلاده منذ ضم شبه جزيرة القرم وتخفيف الآثار السلبية على بلاده والمترتبة عمّا يسميه بـ”الانقلاب” في كييف. بل يعمل بشكل دؤوب على تنفيذ انقلاب جديد. وخلال محاولاته تلك واجهت موسكو معضلة الأسلوب الذي يمكن لها اتباعه. فمع تصعيد أوروبا والولايات المتحدة من ردة فعلهما تجاه روسيا عام 2014، حاولت الأخيرة تجنب إثارة المزيد من ردود الأفعال وامتنعت عن المواجهة المباشرة مع أوكرانيا، واتجهت نحو الحرب الهجينة أولا ومن ثم نحو مجموعة سياسات غير ظاهرة تعمل على إثارة القلاقل في البلاد.

أما وقد هدأت ردود الفعل الغربية تجاه ضم شبه جزيرة القرم وعادت روسيا لتكون لاعبا رئيسيا في مجموعة من القضايا الدولية، فقد حفزها ذلك على اختبار إمكانية التصعيد من جديد مع أوكرانيا، وخصوصا بعد أن وصلت استراتيجية الحرب غير المباشرة والتدريجية إلى طريق مسدود.

هكذا يمكن القول إن التصعيد بين روسيا وأوكرانيا هو أمر متوقع طالما احتفظت موسكو باستراتيجيتها المتمثلة في الإطاحة بالحكومة الأوكرانية المنتخبة وإعادة البلاد إلى النفوذ الروسي. ربما يكون خيار الهجوم العسكري البري واسع النطاق بعيد الاحتمال لما قد يثيره من تدخل دولي لا تحسب عواقبه. ولكن السيطرة على سواحل بحر آزوف ومنع أوكرانيا من استخدامها لتصدير منتجاتها، تعتبر جميعها هدفا رئيسيا لموسكو.

صحيفة العرب اللندنية

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات