وبالطبع كانت الأنثى سبّاقة إلى التشبّث بقطار وسائل التواصل، لأنها أحوج من الرجل إلى مساحة للحركة الذهنية. وكانت للأنثى في هذا الخضم، مخارج عدة تتدرّج وتتنوع في طرائق الظهور وتعليلاته. من بينها عرض المنجز العلمي ووقائع المشاركة المجتمعية وتظهير مناسبات التفوق والنجاح وغير ذلك. وهناك من يبحثن في فضاء العنكبوت، عن عريس، بطريقة المفاضلة بين عدة مرشحين واختبار أيّهم الأصدق. أما اللاهية فإنها تتلهى. بعضهن يستعرض خفة الظل والأناقة، وفي الحالات المستهجنة، تعرض هذه أو تلك، ما يكفي لإيصال معنى التهيّؤ لملاقاة الذكورة الشامخة، بالأنوثة واسعة المدى، فتأتي ردود الأفعال الأنثوية الأخرى، مختصرة بالألفاظ التي أصبحت على الشفاه، كأن تقول المتبرّمة عن المستعرضة “أوفر”!.
كأنما صفحة فيسبوك أصبحت المساحة التي يبسط فيها الإنسان سيادته على أرضه أو يلعب مباراته الفاصلة، على أرضه وبين جمهوره. يرحّب بالصديق وباللاعب، ويرفع البطاقة الحمراء لمن يتخاشن. البعض من ذوي السيادة على صفحاتهم، يألمون من الهجوم، ويسارعون إلى الشرح دفاعا عن أنفسهم، وكأن الشخص الذي يهاجمهم هو القاضي في محكمة التاريخ، وأن هذا القاضي قد حسم أمرهم، ولم يتبق لهم سوى الاستئناف بالشرح واستدعاء الشهود!
انطوى الزمن الذي كان فيه ركن المتحدثين في “الهايد بارك” اللندني، أعجوبة تجتذب السائحين. كان ذاك، نطاقا ضيقا، من بين مفارقاته في ركن متكلمي “هايد بارك”، ظاهرة الخطيب الذي لا يستمع إليه أحد، لكنه يستمر في خطبته بحرارة، دونما جمهور. إن منصات فيسبوك ليس فيها من يُغني لنفسه. فكل المتحدثين لهم جمهورهم، ولكل معروض جمهور. ولعل أكثر الصفحات العربية مرارة، تلك التي يديرها مواطنون من البلدان المأزومة التي ينقسم فيها الرأي العام، وبعض هذه الصفحات، يؤشر إلى قدرة الشعوب على اقتناص النكتة والدعابة من شدق المحنة، مع التمثيل التعسّفي برموز الخصم السياسي أو الاجتماعي!
كلّما ضاق هامش الحريات، اتّسعت وتغالظت مسارب التعبير عن الرأي، ما جعل فيسبوك وسواه، من أهم مآزق أجهزة الأمن ومن أعقد شواغلها!
التعليقات (0)