حسنات وسيئات حكام العراق في ميزان المرشد الإيراني

حسنات وسيئات حكام العراق في ميزان المرشد الإيراني
في حمى مناحة الانتخابات في العراق سقط ثلاثة من شباب مدينة البصرة في فتحة مهملة للمجاري وعلى التوالي في محاولة لإنقاذ صديقهم الأول من ورطته. أربعة آخرون كُتبت لهم النجاة من مأزق يلخص تفاصيل النظام السياسي وكيفية إدارة الحكم وتفاصيل معاناة الناس في دولة مبتلاة بعصاب العمالة للنظام الإيراني.

الأمر يتفاقم بالسوء عندما تتولى سلطة طائفية المهام السياسية أو تنوب عنها أو تقتدي بها أو تمتثل لها، إذ بالإمكان افتراض الذهاب إلى تصميم ردة فعل متباينة لإسقاط أي حاكم، لكن من الصعب إلغاء هيمنة المرجع العقائدي الذي تتوفر له أحيانا فرصة مزدوجة تختصر السلطتين السياسية والدينية.

نظام ولاية الفقيه مزدوج الصلاحيات استغل تماما تأثيراته النفسية في رفع الغطاء الأمني والأمان عن منطقة الشرق الأوسط، وإذا أردنا أن نكون أكثر دقة بعائدية مسلسل المصائب فإننا نقصد الاستهداف الوقح والشائن لأمتنا العربية منذ اليوم الأول لاستلام الخميني مقاليد تلك الولاية في إيران في فبراير 1979.

ماذا نتوقع من نماذج الزعامات المكلفة بتمدد المشروع الإيراني إلا أن تكون شكلا ومضمونا ومنهجا نسخة طبق الأصل من غايات مصنع الإنتاج الأساس وصادراته.

قائد فيلق “القدس” في الحرس الثوري يهيئ الأذهان لمرحلة متقدمة في لبنان والعراق ليس من باب التحريض على الدفع مستقبلا بالفرضيات لاستدراج الواقع، إنما لتقبل الإمساك بتلابيب السلطة انطلاقا من حقيقة أن أبنائهم أوفياء لأبوة المرشد علي خامنئي في السيطرة على الحكومات، إضافة إلى مكانتهم المذهبية بما تمليه من إتاوات على عقل وإرادة مقلديهم، والنتائج حاضرة في الانقياد الأعمى للإرهاب بتجاوز الحدود الإنسانية والجغرافية لتنفيذ الأوامر على طريقة الميليشيات وتشددها وتعصبها ووحشيتها.

لم يعد سرا أن النظام القومي في إيران يتعكز على تعصبه للمذهب والطائفة وأيضاً على التاريخ العربي خاصة في العقود الأولى من ظهور الإسلام لإعادة تمثيل خط سير الأحداث بالاتجاه المضاد لانهيار الإمبراطورية الفارسية، لكن هذه المرة بالاعتماد على محركات منتقاة تحمل في طياتها طاقة الانتقام والشحن للتلاعب بذات الأوتار التي كانت في يوم ما تلهمنا التوحد والقوة وبناء مجد مدينة مثل بغداد أو دمشق.

مشروع نشاز ينهض على التناقض والقفز من حصان إلى آخر لضمان بقاء حركة عربته المتهالكة أطول فترة ممكنة، رغم أن الشعوب الإيرانية اكتشفت منذ سنوات أن نظام ولاية الفقيه ماضٍ بهم إلى المجهول، ومع اكتشافهم بدؤوا بالقفز من عربته تباعا، ليتركوها إلى الهاوية بل يدفعون بها بإصرار لحتفها.

مازال الكثيرون يعتقدون أن قاسم سليماني ومعه آخرون يمارسون ضغوطاً كبيرة على زعماء الأحزاب والكتل الطائفية أو على شخصيات دينية متنفذة في المشهد السياسي في العراق، إن باستخدام الترهيب بالعنف أو بالتلويح به، رغم إن تجارب النظام الإيراني منذ سنة 1979 مرورا بحرب الثماني سنوات وما تلاها، وصولاً إلى الاحتلال الأميركي في أبريل 2003 وما بعده من عملية سياسية اتسمت بالمحاصصة الطائفية والقومية والحزبية، أكدت أن عملاء النظام تتفاوت درجة قبولهم، فهم جميعاً يدركون أحجامهم من خلال حسناتهم وسيئاتهم في ميزان المرشد تحديدا، وعلى ضوء رضاه عنهم تكون مكانتهم على الأرض في تسلم السلطات أو نوع الصراعات وتقلبات المزاج إن في الانتخابات ونتائجها، أو في مآلات مصائر الشخصيات أو حتى ما يتعلق منها من صناعة متقنة لكوارث الحروب الأهلية وتوقيتاتها، بما يجعل تناول بعض الحماقات كالتفجيرات أو الحرائق مجرد إشارات ضوئية لتنظيم مرور موكب المشروع الإيراني كما يراه الولي الفقيه بكل ما تعنيه الولاية.

الأكيد أن الأقرب لعلي خامنئي هم عناصر الحرس الثوري وعلى ذلك بالمنطق والدلائل تكون الميليشيات، أي أذرع الحرس، وقادتها أقرب الشخصيات إليه وإلى مكتبه وأحقية بركاته وعطاياه، وعلى ذلك فليختلف المختلفون من زعماء الأحزاب السياسية الطائفية أو زعماء الكتل السياسية الميليشياوية أو رجال الدين الذين وجدوا أنفسهم في فضاء وطن تتصارع فيه القوى المتنفذة على “البنوك المقدسة”، ونعني بها الأضرحة لتكون مثالا قاسيا لخرق الميليشيات لنواميس الدول الحديثة في تبرير مهماتها الخطيرة في دعم المجموعات أو النظم السياسية الخاضعة لإرادة المرشد الإيراني.

ومع ذلك نلاحظ ظواهر من قبيل انقسام الميليشيات على نفسها وتعدد الفصائل وإبراز قادتها وتراجع وتقلبات العلاقة في ظاهرها مع النظام الإيراني أو حدة الولاءات الصارخ كإشهار الولاء للمذهب أو الطائفة على حساب الوطن أو في التصريح دون وجل بالانحياز إلى إيران في حربها ضد الوطن الأم، رغم أن الماضي القريب لا يحتاج إلى تدقيق في صحته لأنه تاريخ قاتلت فيه الكتل الطائفية بقادتها ورموزها والآلاف من أفرادها تحت راية النظام السياسي العقائدي في إيران ضد شعبهم وجيش بلادهم؛ وهؤلاء اليوم هم حكام العراق وتحالفه الوطني وكتلته الأكبر تحت كل التسميات.

مشكلة العراق ليست في قاسم سليماني المواطن الإيراني ومداخلاته الوظيفية بحكم كونه أحد قادة الحرس الثوري، بل في المسافة بين العملاء أنفسهم وبين معايير قربهم ونسبة بعدهم ومدة انتظارهم عند بوابة مكتب الولي الفقيه علي خامنئي.

يظن بعض هؤلاء أن المكانة الدينية أو المنصب السياسي يحدد أهميته لدى المرشد، بينما الحقائق تؤكد أن أقربهم إليه من يتصدى لمهامهم الميليشياوية بأعلى كفاءة، لأنها في توجهات المشروع الإيراني تؤسس لما يأتي بعدها من خطوات فرض الواقع على الشعوب بالإرهاب الماثل للعيان، لتصل إلى الاستسلام لمشيئة السلاح وغياب الدولة والقانون، أو حضور الدولة والقانون تحت نظام سياسي خاضع بالمطلق للميليشيات.

مراجعة بسيطة لصحيفة سوابق النظام الإيراني في إيران أو خارجها تبين تعدد الخطوط الناقلة لإرهابه التي يصبح معها التصريح عن أهمية بقاء القوات الأميركية في سوريا لقطع الإمدادات الإيرانية عن شرق المتوسط كناية أو اعتراف مستتر بسقوط مقدرات العراق تماماً بيد الاحتلال الإيراني السافر، ذلك لأن الأرض السورية يتم التعامل معها نظريا ونفسيا وعمليا كأرض متاخمة للحدود الإيرانية نظرا إلى مناقلات المشاريع والعتاد والسلاح والمعدات العسكرية الثقيلة، وأيضا حركة الميليشيات والفصائل الإرهابية المسلحة وتوابيت جثثها، لكن علينا أولاً كأمة أن نعيد النظر في ورطة الصديق الأول لإنقاذ ما تبقى من إخوة وأصدقاء.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات