اتفاق منبج.. حاجة تركية وتعقيدات أميركية

اتفاق منبج.. حاجة تركية وتعقيدات أميركية
نفت واشنطن التوصل إلى اتفاق مع أنقرة حول خارطة الطريق في مدينة منبج، رغم إعلان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عنه. ينبئُ نفي واشنطن باحتمال لجوء الإدارة الأميركية إلى ضغوط ومساومات مع تركيا حول ملفات أخرى تتعلق بخشية واشنطن من تحوّل التقارب الروسي التركي إلى حلف ضدّ واشنطن والناتو، خاصّة مع وجود الكثير من المشكلات العالقة بين تركيا وأميركا.

يبدو أنّ الولايات المتحدة ماضية في توقيع الاتفاق المقرر في لقاء بومبيو- جاويش أوغلو في واشنطن يوم 4 يونيو الجاري؛ فقد بدأت القوات الأميركية بإزالة الأعلام المرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني من شوارع منبج، وغادر معظم كوادر حزب العمال الكردستاني القادمين من جبال قنديل في العراق، والمسيطرين على زمام الأمور في منبج، ومنعت قوات التحالف دخول العناصر الأجنبية التابعة للوحدات إلى منبج.

الاتفاق يتضمّن خطّة ثلاثية، تبدأ بمغادرة المسلحين منبج خلال 30 يوما من توقيعه، وتولي قوات أميركية-تركية إدارة المدينة لفترة انتقالية 45 يوما، انتهاء بتشكيل إدارة محلية في غضون 60 يوما، عبارة عن مجلسين محلي وعسكري لتوفير الخدمات والأمن حسب التوزيع العرقي للسكان. ما يعني أن مدينة منبج وريفها ستصبح منزوعة السلاح بإدارة مدنية، وغير مرتبطة بقوات سوريا الديمقراطية، ولا يسمح بدخول قوات غصن الزيتون التابعة لتركيا إليها، ما سيوفر فرصة لعودة ولجوء عدد كبير من الأهالي المقيمين على الحدود التركية إليها.

لكن تركيا لا تأمَن جانب واشنطن؛ فقد خرقت الأخيرة تعهّداتها بعدم تسليح الوحدات وعدم السماح لها بدخول منبج. وفي الأصل اتفاق منبج هو تطبيق لاتفاق سري عُقِد أواخر العام 2016، في قاعدة إنجرليك الأميركية في أضنة التركية. وقضى هذا الاتفاق بأن تدير القوات الأميركية منبج لمدة عامين ولا تسمح بدخول قوات تتبع للوحدات الكردية إليها، على أن تتعهد تركيا بعدم شن فصائل المعارضة أي عملية عسكرية باتجاه المدينة. لكن قوات سوريا الديمقراطية دخلت المدينة وحاولت الوصول إلى جرابلس، وكانت عملية درع الفرات لفصائل الجيش الحر مدعومة من الجيش التركي، حيث تم طرد قوات سوريا الديمقراطية من كافة المناطق التي استولت عليها شمالي نهر الساجور، الحد المتفق عليه بين واشنطن وأنقرة.

تتطلّع تركيا إلى أن يشمل الاتفاق مناطق أخرى، شرقي نهر الفرات، لتأمين حدودها الجنوبية، كتل أبيض في الرقة، ورأس العين في الحسكة. لكن واشنطن قد تستغل الحاجة التركية لحماية حدودها وتساوم الأتراك على ملفات هي أكثر أهمية لها من إبقاء حلفائها من وحدات حماية الشعب ومن العمال الكردستاني في منبج رغم أنّها بنت قواعد عسكرية فيها.

تدرس واشنطن مسألة العلاقة مع تركيا برمّتها، قبل المضي في التوقيع على الاتفاق؛ فقرار تركيا الأخير شراء نظام الدفاع الصاروخي أس-400 من روسيا أنذر أميركا بضرورة عدم السماح لأنقرة أن تنزلق إلى الحضن الروسي، الأمر الذي كان سببُه بالأساس تصاعُدُ الخلافات التركية الأميركية، بعد دعم الأخيرة لوحدات حماية الشعب الكردية منذ 2015 لدحر تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.

هدد مجلس الشيوخ الأميركي بفرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها نظام أس-400 من روسيا. وعرضت واشنطن على تركيا شراء منظومة باتريوت، التي وافقت عليها أنقرة، لكن دون المسّ باتفاقية شراء أس-400 من روسيا. وتهدد واشنطن بتعطيل اتفاقية تسليم تركيا الدفعة الأولى من صفقة طائرات أف-35 بسبب التقارب التركي مع روسيا؛ لكن جاويش أوغلو ألمح إلى أن المنسحب من الاتفاقية سيواجه عقوبات قانونية، وأن تركيا يمكنها أن تحصل على طائرات من روسيا وحلف الناتو.

رغم أنّ مناطق نفوذ الولايات المتحدة في سوريا في مأمن من أي تهديد، حيث لا قيمة على أرض الواقع لتهديدات بشار الأسد الأخيرة لقوات سوريا الديمقراطية، لكن إنجاز اتفاق منبج ليس بهذه السهولة بالنسبة إليها، إذا ما قرّرت ربطه بمنع تركيا المضيّ في تقوية تحالفها مع روسيا. وبالتالي أمام واشنطن أن تقرر.

الخيار الأول: بإمكانها أن تستمر في تهديد تركيا بالعقوبات وتصعّدَ من لهجتها وصولا إلى التهديد برفض التوقيع على اتفاق منبج. وحينها ستضع تركيا أمام خيارات صعبة، إما تقوية تحالفها مع روسيا، عدوها الاستراتيجي، الذي لم تختبر العلاقة معه تاريخيا سوى في بعض التبادلات التجارية، وفي حلف الدول الضامنة في أستانة، وفي بعض التفاهمات، كسكوت روسيا عن دخول قوات مدعومة من تركيا إلى عفرين، مقابل قبول تركيا بخرق هدنة الغوطة وهجوم روسيا وقوات النظام عليها.

والخيار الثاني أن تختار تركيا العودة إلى الحضن الأميركي، لكنه هو الآخر غير مضمون، مع مخاوف من تهديدات روسية لمكاسبها في عفرين وإدلب، وما سيقلب كل موازين الاستقرار في المنطقة، خاصة مع اقتراب التفاهمات الأميركية الروسية على الملفات العالقة، وآخرها ملف الجنوب.

من المرجح أن واشنطن ستمضي في التوقيع على اتفاق منبج وتكسب موسكو في صفّها؛ لكن عليها في المقابل أن تضع استراتيجية واضحة تطمئن أنقرة فيما يتعلق بمخاوفها الأمنية العميقة بشأن علاقة الولايات المتحدة بوحدات حماية الشعب الكردية، وضمان انسحاب الأخيرة من منبج أولا، والنظر في تواجدها في مناطق شرق الفرات الاستراتيجية بالنسبة إلى تركيا.

من المفترض أن واشنطن باتت قادرة على التخلي عن دعمها لوحدات حماية الشعب، بعد الاقتراب من مهمة القضاء على تنظيم داعش، خاصة أن وجود تلك القوات في مناطق ذات غالبية عربية ساحقة، كالرقة، بات يشكل عبئا على الولايات المتحدة، بسبب التململ الشعبي من محاولة الأحزاب الكردية الهيمنة على مناطق ذات غالبية عربية. وقد تتجه واشنطن إلى الاعتماد أكثر على الجيش الحر، للتخفيف من حدة التوتر العربي الكردي، وإعادة ربط مصالح حليفها التركي بها، بدلا من أن يبقى مرغما على التحالف مع عدوه الاستراتيجي روسيا.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات