روسيا في الشرك السوري

روسيا في الشرك السوري
تكر سبحة غارات المقاتلات «المجهولة» على مواقع في سورية مرتبطة بإيران أو «حزب الله» التابع لها. واليوم، لم يعد القول إن الطائرات «غير المحددة الهوية» (بما فيها الطائرات المسيّرة) إسرائيلية من بنات الافتراض والترجيح، بل صار حقيقة مؤكدة، بخاصة بعد اعتراض الطائرات الدفاعية السورية طائرة إسرائيلية في شباط (فبراير) الماضي. ولكن القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية لم تؤكد هذا الأمر. وعلى رغم عدم إقرارها بالهجمات، يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، إثر كل ضربة أن بلاده لن تتسامح مع المرابطة العسكرية الإيرانية عند حدودها، في سورية أو غيرها.

وتتهم القيادة الإسرائيلية إيران بمحاولة تحويل سورية إلى مقر عدواني يضم عشرات الآلاف من مقاتلي الميليشيات الشيعية وعدداً من القواعد البرية والبحرية والجوية الدائمة. وتتوعد إسرائيل بالحؤول دون ذلك. وهذا ما قاله رئيس الوزراء الاسرائيلي، في تصريح له في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2017: «أوضحتُ مراراً وتكراراً أننا لا نقبل بامتلاك إيران للأسلحة النووية ولن نتسامح مع الوجود العسكري الإيراني بالقرب من حدودنا، في سورية أو في أي مكان آخر...».

وهذا النوع من التصريحات يسمعه اليوم فلاديمير بوتين أكثر فأكثر. ويتعاظم تقويض الوضع الذي تجد روسيا نفسها فيه مع شركائها في سورية (حكومة بشار الأسد وإيران) الثقة بين قادة روسيا وإسرائيل، لا بل هو يهدد كذلك العلاقات على مستوى الدول. والمشكلة تتلخص فعلياً في صيغة بسيطة: يترتب على النجاحات العسكرية لمحور الأسد– بوتين– روحاني، تورط إسرائيل لا محالة في المجزرة السورية. فمعظم الإسرائيليين يرون أن الأمور في سورية مسألة «حياة أو موت».

وتتطور الاتصالات بين قادة روسيا وإسرائيل حول سورية على مستويين: العام (إظهار الود المتبادل على أشكاله) وغير العلني وراء الأبواب المغلقة حيث تُناقش مسائل شائكة من اليسير ملاحظتها حين وقوعها. فعلى سبيل المثل تمتنع روسيا عن ضرب الطائرات «المجهولة الهوية» بعد إشعار خاص من إسرائيل. لكن هذا الاتفاق تبدل بعد حين وصار على الشكل التالي: روسيا لا تضرب هذه الطائرات، ولكنها لا تمنع دفاعات الأسد من ذلك.

وها نحن اليوم امام جولة جديدة من الوضع المتفاقم: وطوال مدة طويلة، التزم المسؤولون الإسرائيليون الحياد أمام المعارك السورية، ولم يسببوا أي مشاكل لجيش الأسد (الى وقت قريب، كان الرأي السائد في اسرائيل يقول أن الأسد «أهون الشرور» في سورية). لكن اليوم، يقوم الجيش السوري على نحو متزايد بالتستر على عمل وحدات الحرس الثوري الإيراني و»حزب الله»، والقوات الايرانية والايرانية الولاء هي القوة الضاربة الرئيسية لمحور دمشق– طهران– موسكو، «على الأرض». ولكن الاستخبارات الإسرائيلية ترى أن الإيرانيين لا يتموضعون فحسب في سورية لمدة طويلة، بل يشيدون مصانع لإنتاج صواريخ جيش الأسد و»حزب الله». وهذا كله يعني في عين الإسرائيليين أن لا خيار أمامهم: بين «البقاء أو الفناء»، ترجح كفة البقاء.

ويبدو أن الجنرالات الإيرانيين لا يتسترون اليوم وراء الغطاء السوري الذي لم يعد يحميهم من الضربات المنسوبة إلى إسرائيل. ولا يتوانون عن تهديد إسرائيل بـ «التدمير الشامل». وقبل أيّام، زار علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى في جمهورية إيران الإسلامية، آية الله علي خامنئي، بلدة دوما بعد أن أخلاها المسلحون. و لم يتردد في تهديد إسرائيل من البلدة التي يتردد اسمها في العالم كله هذه الأيام. وبدأ تفاقم التدخل الإسرائيلي في سورية بالتحول إلى مشكلة واضحة لكل من الأسد وشركائه. وتتعرض روسيا على وجه التحديد لانتقادات علنية من دمشق وطهران بسبب «التسامح المفرط تجاه إسرائيل». وليس مستبعداً أن تبدأ موسكو بانتقاد «التصرفات العدوانية الإسرائيلية». ففي خطوة غير مسبوقة، ألقى ممثل وزارة الدفاع الروسية في 9 نيسان (أبريل) لائمة الهجوم على إسرائيل ووصفها بـ «الدولة اليهودية»، بعد الهجوم الصاروخي على القاعدة الجوية السورية. وقد يشير هذا إلى تغير في القواعد والنظم المتفق عليها بين روسيا وإسرائيل. وفي الواقع، في ما يتعلق بأمن إسرائيل، لا تُقيد روسيا التزامات رسمية، على خلاف الولايات المتحدة، لكن الكرملين والخارجية الروسية لديهما التزامات شراكة مع إيران- على الأقل في سورية.

وصار «إخفاء» الوجود الإيراني في سورية عن عيون إسرائيل أصعب على دمشق وموسكو، في وقت يتجول ممثلو خامنئي على شوارع بلدات حساسة مثل دوما. ولا يحتاج الإيرانيون من أجل إشعال فتيل صراع جديد (إيراني- سوري- إسرائيلي) في هذه الظروف، إلى مهاجمة إسرائيل، ويكفيهم فحسب إنشاء مرفق عسكري أو بناء مصنع للأسلحة في مكان ما في سورية، فتسارع طائرات «مجهولة» الى تدميره. وترد إيران بواسطة هجوم على إسرائيل. في هذه الحال، يستبعد أن تقوم قائمة للتناغم بين بوتين ونتانياهو: إسرائيل لن تتوانى عن توجيه ضربة قوية (على الأرجح بمشاركة البنتاغون) تطيح الإمكانات العسكرية السورية والوجود الإيراني في هذا البلد.

ويخلط شن إسرائيل ضربة على حلفاء روسيا في سورية الامور هناك، ويقلب «رقعة شطرنج» النزاع السوري رأساً على عقب، فيدخل لاعب غير متوقع في النزاع. ولكن ما روسيا فاعلة في هذه الحال؟ ربما تهرب وتنأى بنفسها عوض الاصطفاف وراء أحد الاطراف والغرق في مواجهة جديدة. ولكن هل ستسمح طهران ودمشق بالحياد الروسي.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات