مطلوب موقف دولي لوقف الصراع السوري

مطلوب موقف دولي لوقف الصراع السوري
أكدت الضربة الأميركية – الفرنسية – البريطانية التي وجّهت مؤخرا إلى بعض مواقع النظام السوري، في رسائلها السياسية، أن ثمة معادلات دولية جديدة، لا يمكن إلا أخذها بعين الاعتبار، مفادها تبلور نوع من قوة دولية وإقليمية تقف على رأسها الولايات المتحدة، وتضمّ فرنسا وبريطانيا وبعض الدول العربية والإقليمية، وهي القوة التي سبق أن قدمت وجهة نظرها في فيينا (أواخر العام 2015)، ثم في “اللاورقة”، التي تمخض عنها اجتماع باريس الذي ضمّ وزراء خارجية الدول المذكورة، في شهر يناير الماضي.

وأهمية هذه الرسالة أنها تقول، صراحة، بأنه يمكن للدول المذكورة وغيرها، أن تتدخل بهذا الشكل أو ذاك، وحتى لو تطلب الأمر اللجوء للقوة العسكرية، لتقرير مستقبل سوريا.

وبديهي لا بد هنا من التأكيد بأن الطرف الإسرائيلي موجود، بل إنه بمثابة عامل فاعل في هذه المعادلة، سيما أن إسرائيل عبّرت عن ذلك مرارا بغاراتها المتكررة على مواقع النظام، أو على الأهداف التي تتبع إيران والميليشيات التي تشتغل ضمن سياساتها، كما عبّرت عن ذلك في مواقفها وفي اتصالاتها الخارجية، لا سيما مع قادة الولايات المتحدة وروسيا.

وبصورة أكثر توضيحا فإن هذه المعادلة الدولية تشتغل على ما يبدو، على عدة محاور:

أولها، السعي إلى إيجاد حلّ سياسي للصراع السوري، وفق توافقات معيّنة لا تقسّم البلد، ولا تعيده إلى الخلف، أي إلى عهد الأسد، مع الأخذ في الاعتبار مصالح الأطراف الدولية والإقليمية المعنية.

بيد أن هذه النقطة تبدو غير حاسمة بالنسبة إلى مكانة الرئيس بشار الأسـد، ما يعيد النقـاش السـابق، بشأن بقاء الأسد من عدم ذلك، أو بشأن المرحلة التي يمكن أن يرحل بها، في بداية المرحلة الانتقالية أم في أخرها، إلى التداول مجدّدا.

وثانيها، تحجيم نفوذ إيران، إلى الدرجة التي لا تستطيع فيها وضع فيتو على أيّ خيار مستقبلي يتعلّق بمستقبل سوريا، ويأتي ضمن ذلك إقفال “الكرادور” الذي يمر من إيران إلى لبنان، وإعادة فتح الملف النووي الإيراني.

وبديهي أن الأطراف الدولية هنا تتقاطع مع موقف روسيا في هذا الشأن، التي تعتقد أنها هي، وليست إيران، صاحبة القرار في سوريا، كما أنها، الأطراف الدولة، تتقاطع مع موقف إسرائيلي حاسم، خاصة مع تزايد الحديث عن احتمالات قوية لحصول مواجهة إسرائيلية – إيرانية في سوريا، وربما في لبنان أيضا.

ثالثها، عدم ترك روسيا تتحكم لوحدها في الملف السوري، وفي هذه النقطة تحديدا تبدو روسيا في موقع مساومة تتعلق بتأكيد أو تجديد، الاعتراف الدولي بدورها، أو بمكانتها كمقرر، في الحل السوري، مقابل تمرير التوافقات الدولية في شأن سوريا وفي شأن تحجيم إيران.

وقد يجدر التذكير هنا بأن التمايز بين موقف روسيا والأطراف الدولية الأخرى ليس كبيرا، لكن المشكلة بالضبط تتعلّق بمدى حماس تلك الأطراف للإجابة عن سؤال غاية في الأهمية وهو؛ هل أن هذه الأطراف تعتقد بأنه آن الأوان لوقف الصراع السوري، وفرض حلّ سياسي معيّن، سيما مع معرفتنا بأن الأطراف المعنية، وبشكل خاص الولايات المتحدة (صاحبة القرار في هذا الشأن)، اشتغلت طوال السنوات السبع الماضية على إدامة هذا الصراع، بدل حسمه، وعلى ترك القوى تستنزف بعضها، على حساب الشعب السوري.

على أي حال ربما ما زال من المبكر القول بأن الأطراف الدولية معنية بحسم أي شيء، لا في شأن خياراتها في سوريا، ولا بشأن مصير النظام، وهو الأمر الذي تعودنا عليه في المرحلة السابقة، لذا فإن معرفة هذا السؤال ستكون رهن التوافقات الأميركية ـ الروسية المقبلة، ولا سيما بعد اللقاء المزمع عقده بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.

وربما أن جولة المباحثات المقبلة في جنيف، في حال عقدها بعد تلك القمة، ستوضّح بعضا من ملامح هذا التوجّه الدولي.

في الغضون من المفيد أن نعرف أن سوريا اليوم باتت مقطّعة الأوصال، وفي موضع تقاسم نفوذ، بين أربع قوى دولية وإقليمية، هي الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران، بل يمكن القول إن سوريا باتت مقسمة إلى النصف تقريبا بين الـولايات المتحدة وتركيا من ناحية، وهو ما يحسب لصالح المعارضة، وروسيا وإيـران من ناحية أخرى، وهو ما يحسب لصالح النظام.

بيد أن ذلك يعني أن الطرفين المعنيين، أي النظام والمعارضة، باتا لا يمتلكان من أمرهما شيئا، وهذا منذ سنوات، نتيجة لاستنزاف قواهما، وضعف إمكانيتهما واعتمادهما على القوى الخارجية.

كما ينبغي أن نأخذ في عين الاعتبار حال التدهور في المجتمع السوري، وفي إجماع السوريين السياسي، لا سيما مع الملايين من اللاجئين والمشردين، ومع تردّي الأحوال المعيشية، وافتقاد السوريين إلى قوى سياسية حيّة وفاعلة ومستقلة تمثلهم، وتعبّر عن تطلعاتهم وحاجاتهم وأولوياتهم على نحو صحيح.

مشكلة الصراع السوري إضافة إلى كل ما تقدّم أنه صراع خرج من صراعات السياسة إلى الصراعات على الوجود، عند النظام وعند المعارضة.

إذ أنّ النظام دخل في مرحلة التعفن والتوحش والغربة عن شعبه، وهو ما يفسر أنه لم يقدّم، ولا مرة، مبادرة للخروج من هذا الوضع القائم، الذي دمّر المجتمع والبلد والموارد.

في حين أن المعارضة السورية نشأت منذ البداية ضعيفة سواء في علاقتها بمجتمعها، أو بالنسبة إلى الموارد، فضلا عن ارتهانها لتوظيفات خارجية، باتت مقرّرة ومحددة لمساراتها وخطاباتها.

والحال فإن المطلوب الخروج من إطار هذا الصراع الجهنّمي، ووضع حدّ لأهوال الصراع السوري، بالعودة إلى السياسة، وبإيجاد المعادلات التي تفضي إلى وقف الصراع المسلح ووضع البلد على سكة حلّ سياسي، وهو ما لا يمكن أن يحصل من دون إعلان موقف دولي حاسم، طالما انتظره السوريون.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات