رحيل الملحن والشاعر سعدو الذيب: شَرشَف قصَب ومطرّز بنيسان!

رحيل الملحن والشاعر سعدو الذيب: شَرشَف قصَب ومطرّز بنيسان!
برحيل الشاعر والملحن السوري سعدو الذيب عن (64) عاماً تفقد الأغنية السورية، واحدا من شعرائها وملحنيها الذين سعوا خلال العقود الثلاثة الماضية، للعمل على إعادة إنتاج تراث المنطقة الجنوبية الغنائي، حيث تمتزج مواويل جبل العرب، مع أغاني سهل حوران، وتحضر مفردات البادية ونغماتها لتشكل نسيجاً متنوعاً حيناً، ومتداخلاً حيناً آخر. 

سعدو بن الياس الذيب، المولود عام 1954 درس الابتدائية بقرية (الدويرة) التي تبعد 30 كيلبو متر عن مركز محافظة السويداء، والإعدادية والثانوية في مدينة السويداء، وبعدها انتسب إلى قسم الفلسفة في كلية الآداب بجامعة دمشق، لكنه وقبيل تخرجه سافر إلى الخليج عام 1979 ليمارس العمل الصحفي هناك.. ثم ينخرط في بعض الأعمال الحرة قبل أن يعود إلى سورية في ثمانينيات القرن العشرين.. ويبدأ نشاطه الفني بكتابة العديد من الأغاني لمطربين سوريين أمثال داوود رضوان (ابن منطقة السويداء) وفؤاد غازي والياس كرم ورفيق السبيعي وسواهم. 

اللقاء مع فهد بلان! 

لم تحقق هذه الأغنيات الشهرة التي حققها لقاء سعدو الذيب بالفنان فهد بلان أواخر الثمانينيات.. فقد كان لقاؤه مع فهد بلان في أواخر مسيرته الفنية حدثاً مهماً لكلا الطرفين.. كان سعدو الديب حينها شاعرا وملحنا ناشئاً،  وكان فهد بلان فناناً يحمل وراءه تاريخاً لامعاً من النجومية التي دوى صداها عربيا وحيّر عمالقة الفن العربي في الستينيات، لكن علاقة فهد الفنية مع زملاء كبار لم يعد بمقدورهم أن يقدموا له الجديد بعد أن بلغ ذروة نجاحه مع شاكر بريخان وعبد الفتاح سكر.. كانت تجعل حضوره أسير أغنيات عصره الذهبي (آه يا قليبي، ولاركب حدك يالموتور، يا سالمة، يا سحر العينين، أنا هويتك)  جاء سعدو الذيب عام 1989 ليقدم أغنية جديدة تقول كلماتها: 

يوما على يوم لو طالت الفرقة 

ما انسيت أنا يوم.. ما انسيت الرفقة!

وينساب اللحن الإيقاعي الحماسي العذب الممزوج بالشجن والحنين، وهو يتألق بصور سعدو الذيب الشعرية التي تعزف على وتر الغربة والاشتياق:

عالبال بعد يا جبل حوران 

شرشرف قصب ومطرز بنيسان 

عرسك صبايا ولمتك خلان 

وآني غريب أسأل عن الرفقة! 

كانت أغنية (يوما على يوم) واحدة من أجمل أغنيات المرحلة الأخيرة من حياة فهد بلان الفنية، فقد جددت حضوره، وأعادت صياغة ارتباطه الحار بتراث السويداء وجغرافيا جبلها وإشراقة جوارها سهل حوران.. وبقيت هذه الأغنية هي أجمل ما كتب ولحن سعدو الذيب، رغم تتالي الأغاني التي قدمها لفهد بلان (غالي علينا يا جبلنا) و(سلامين) و(شيالو) و(ياطير) و(سفرهم طال)... 

عاش سعدو الذيب عشرين عاماً بعد رحيل فهد بلان، لكنه لم يحقق ما حققه معه في أغانيه تلك... ومن مصادفات القدر أن تكون أغنية (ترحل ولا كلمة وداع) لسعدو الديب أيضا، آخر أغنية قدمها فهد بلان في حياته، وقد افتتح بها مهرجان البادية في سورية عام 1995.. أما ما سجله بعدها، فكان مجموعة فواصل غنائية لمسلسل تلفزيوني وضع موسيقاه الفنان سعدو الديب.. الذي أكد لي ذات مرة أن فهد بلان وقبل يومين من رحيله، كان يحفظ لحنين لأغنيتين جديدتين كان ينوي تسجيلهما لولا الأزمة الصحية التي أودت بحياته.

إضافات تراثية! 

عمل سعدو الديب على تطوير الأغاني التراثية لمنطقة جبل العرب كما في أغنية (جتينا تبرقع) التي أداها داوود رضوان مطلع الثمانينات... لكن أغانيه اللاحقة التي يمتزج فيها اللون اللون الجبلي مع حزن البادية وامتداداتها... كانت  تنسج على هذه الروح الغنائية المشبعة بالحزن واللوعة والحنين والتي تستحيل في لحظة تصعيد طربي إلى نشوة إيقاعية حماسية تبعث روحاً معاصرة في الجسد التراثي... ولهذا عمل سعدو على تراث المنطقة الجنوبية في سورية، يشبه عمل عدنان قريش على التراث الشامي، حيث قدم ألحاناً شعبية من تأليفه، ولكنها تحاكي أصالة التراث، وقوة الجملة التراثية اللحنية التي تختزل مفهوم السهل الممتنع، فتغدو سهلة الحفظ، واسعة الانتشار. 

رحل سعدو الذيب مساء يوم الأحد التاسع والعشرين من كانون الثاني / يناير عام 2018، تاركاً وراءه رصيداً غنائياً يزيد عن (200) أغنية، وبضعة مسلسلات درامية بدوية، أشهرها مسلسل (الدخيلة) الذي أنتج عام 1992 وأخرجه أسعد عيد، وغنى أغنية شارته بشجن فائق صديقه الفنان فهد بلان.. رحل سعدو الذيب، المحب الودود، الذي كتب على صفحته الشخصية على فيسبوك ليلة آخر عيد ميلاد مر عليه، ليحيي كل المدن السورية.. لكنه أغمض عينيه للمرة الأخرى دون أن يقول لمن أو عمن ماتوا بالبراميل والكيماوي شيئاً، أو يلحن لهم أي أغنية رثاء حزينة.    

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات