ملف "الهجمات الكيماوية".. ساحة جديدة للصراع بين روسيا والغرب

ملف "الهجمات الكيماوية".. ساحة جديدة للصراع بين روسيا والغرب
انتقل الصراع بين روسيا والغرب إلى مرحلة جديدة من التجاذب السياسي، عنوانه ملف الهجمات الكيماوية ومحاسبة مرتكبيها بشكل عام، وفي سوريا على نحو خاص، بعد دعوة باريس إلى مؤتمر دولي (الثلاثاء) لمناقشة سبل تشكيل "تحالف دولي" ومحاسبة مرتكبي هذه الهجمات، في ظل حالة "التعطيل" التي وصل إليها مجلس الأمن الدولي، بعد استخدام روسيا حق النقض (فيتو) 3 مرات خلال شهر (تشرين الثاني/ نوفمبر) بخصوص الهجمات التي نفذها نظام الأسد في سوريا.

منع الإفلات من العقاب

أطلقت باريس، وبحضور ممثلي 29 دولة ومنظمة بينهم كثير من الوزراء "الشراكة الدولية لمنع الإفلات من العقاب" لكل الضالعين في اللجوء إلى السلاح الكيماوي. 

واستبق وزير الخارجية الفرنسي (جان إيف لو دريان) الذي تشارك رئاسة المؤتمر مع نظيره الأميركي ريكس تيلرسون، الإعلان بالتأكيد في كلمته إلى الصحافة بمناسبة العام الجديد، أن "من يلجأ إلى السلاح الكيماوي، فعليه أن يعرف أنه سيحاسب يوماً ما رغم تعطيل مجلس الأمن"، بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية. 

وكان لودريان يشير بذلك بوضوح إلى روسيا التي استخدمت حق النقض مرتين في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في مجلس الأمن لـ"دفن" لجنة التحقيق المشتركة في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا. 

ولم تدع موسكو، بطبيعة الحال، إلى حضور المؤتمر باعتبارها متهمة بإجهاض الجهود الدولية في الملف الكيماوي السوري.

في غضون ذلك، اتهم تيلرسون نظام الأسد بالاستمرار في استخدام الأسلحة الكيماوية في إشارة إلى هجوم بغاز الكلور في الغوطة الشرقية. وقال الوزير الأميركي، بعد المؤتمر، إن "أكثر من 20 مدنياً سقطوا معظمهم أطفال، ضحايا لهجوم بغاز الكلور على ما يبدو"، مضيفاً أن "الهجمات في الغوطة في الآونة الأخيرة تثير مخاوف خطيرة من أن بشار الأسد ربما لا يزال يستخدم الأسلحة الكيماوية ضد شعبه". 

ورأى تيلرسون أن "روسيا تتحمل في نهاية المطاف المسؤولية عن سقوط الضحايا في الغوطة الشرقية والعدد الذي لا يحصى من السوريين الآخرين الذين استهدفتهم أسلحة كيماوية منذ انخراط روسيا في سوريا".

إعلان نوايا

وعقب انتهاء أعمال المؤتمر، صدر من باريس "إعلان نوايا" للمجموعة المؤسسة التي يلتزم أعضاؤها جماعياً بجمع جميع المعلومات الخاصة بالمسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية والمحافظة عليها، وتسهيل تقاسمها مع الدول والمنظمات المعنية والهيئات متعددة الأطراف التي سيعمل الموقعون على توفير الدعم لها، بحسب ما نقلته صحيفة الشرق الأوسط.

ويلتزم الموقعون بنشر أسماء الأشخاص والهيئات والمجموعات والحكومات الضالعين في استخدام الأسلحة الكيماوية عبر منصة إنترنت مخصصة لهذه الغاية التي تم إطلاقها (الثلاثاء). 

وفي السياق ذاته، يلتزم الموقعون بمساعدة البلدان التي تحتاج لتقوية إمكاناتها لتوفير آليات لجمع المعلومات أو سن قوانين للملاحقة على المستوى الوطني للمسؤولين عن هذه الجرائم. وعلى الرغم من أن المؤتمر الذي جاء بمبادرة فرنسية - أميركية مشتركة، لم يكن مخصصاً لسوريا رسمياً، فإن الملف السوري استحوذ بشكل رئيسي على أعماله. 

وبادرت فرنسا قبل افتتاح المؤتمر إلى نشر لائحة تضم 25 اسماً لأشخاص وهيئات اعتبارية وشركات سورية ولبنانية وفرنسية وصينية ضالعة في البرنامج الكيماوي التابع للنظام، كما فرضت عليها عقوبات من طرف واحد، على أمل أن تحذو أطراف أخرى حذوها. ونشرت اللائحة في الجريدة الرسمية الفرنسية. 

وتقوم العقوبات الفرنسية على تجميد أموال هذه الهيئات والشركات والأشخاص الذين عملوا لصالح مركز الأبحاث العلمية، الذي تعتبره باريس "دينامو" السلاح الكيماوي السوري. واعتبر وزير الاقتصاد (برونو لومير) في بيان (الثلاثاء) أنه يتعين "تجفيف الموارد المالية أكان ذلك في محاربة الإرهاب أو القضاء على انتشار أسلحة الدمار الشامل".

مبادرة روسية

الرد الروسي على المؤتمر الفرنسي جاء سريعاً، فقد اقترحت موسكو (الثلاثاء) أن يفتح مجلس الأمن تحقيقاً جديداً لتحديد المسؤول عن الهجمات بالأسلحة الكيماوية في سوريا، في تحرك انتقدته واشنطن ووصفته بأنه محاولة لصرف الانتباه عن مبادرة فرنسية لاستهداف منفذي مثل هذه الضربات، بحسب وكالة رويترز.

وفي اجتماع لمجلس الأمن عقد بناء على طلب موسكو في أعقاب اجتماع باريس، وزع السفير الروسي (فاسيلي نيبنزيا) مشروع قرار لإنشاء هيئة تحقيق دولية جديدة لتحل محل هيئة التحقيق السابقة التي كانت مفوضة من الأمم المتحدة، وقال السفير الروسي إنها حققت "فشلاً ذريعاً".

وقال نيبنزيا إن هيئة التحقيق ستستخدم "معلومات موثقة لا عيب فيها حصلت عليها من مصادر شفافة وذات مصداقية... لإقامة الدليل أمام مجلس الأمن لتحديد هوية المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية" ولم يحدد ما إذا كان مجلس الأمن سيصوت على مشروع القرار أو متى سيصوت عليه.

وخلصت هيئة تحقيق سابقة من الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أن نظام الأسد استخدم غاز الأعصاب (السارين) في هجوم في الرابع من أبريل/ نيسان 2017 وأنها استخدمت الكلور كسلاح عدة مرات. وألقت الهيئة باللوم كذلك على تنظيم داعش في استخدام غاز الخردل.

لكن التحقيق انتهى في نوفمبر/ تشرين الثاني بعد أن أعاقت روسيا للمرة الثالثة خلال شهر محاولات في مجلس الأمن الدولي لاستئناف التحقيق الذي وصفته موسكو بالمعيب.

وقالت السفيرة الأمريكية (نيكي هيلي) لمجلس الأمن: "عندما لا تعجب روسيا الحقائق تحاول صرف الانتباه عن الحديث. هذا لأن الحقائق تأتي مراراً وتكراراً بالحقيقة التي تريد روسيا إخفائها". وأضافت: "لن يتم خداع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. نظل ثابتين في السعي لمحاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية".

يشار إلى أنه تم إحصاء 130 استخداماً للسلاح الكيماوي في سوريا بين العامين 2012 و2017، وبحسب اللجنة المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة منع استخدام الأسلحة الكيماوية، فإن نظام الأسد لجأ إلى هذا السلاح الكيماوي أربع مرات على الأقل إحداها في خان شيخون أبريل/ نيسان 2017، التي قضى على إثرها 80 شخصاً. واتهمت اللجنة بالمقابل تنظيم داعش أيضا باستخدام السلاح الكيماوي مرة واحدة، بحسب رويترز.

ويبدو أن كلاً من واشنطن وباريس تحاولان تحريك ملف الهجمات الكيماوية في سوريا، ومحاسبة مرتكبيها وإن كلفهم ذلك الخروج على صيغة "التوافق الدولي" في مجلس الأمن بسبب التعطيل الروسي، وتوجيه رسالة واضحة إلى موسكو أن الأطراف المذكورة ترفض هيمنة موسكو بمفردها على الملف الكيماوي، ودفع موسكو للحوار معهما فيما يتعلق برسم ملامح الحل السياسي لمستقبل سوريا.

التعليقات (1)

    ابو الجود

    ·منذ 6 سنوات شهرين
    يعني الجريمة ثابته والمجرم معروف والضحية أيضا فلماذا كل هذه الاطالة ؟ بشار مجرم حرب ارتكب العشرات من الجرائم والقتل والتدمير والمجازر ، كل هذا ولا زال المجتمع الدولي يبحث في هذا الموضوع وروسيا لازالت تريد فتح التحقيق . بشار وروسيا ممثلة ببوتين وايران زعماء الارهاب والقتل والمجازر في العالم ..
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات