فمنذ خلافة خامنئي الخميني عام 1989، تنامى وتشعّب دور الحرس الثوري، المساند للمرشد الجديد المضطرب، في شكل لافت. فالحرس يهيمن على ما يفوق 40 في المئة من اقتصاد البلاد بعدما بات أكبر المستفيدين من سياسة الخصخصة التي أتاحت تحويل قرابة 90 في المئة من المؤسسات والمشاريع الحكومية إلى شركات تابعة له وللمرشد. كما بسط هيمنته على إمبراطورية اقتصادية ضخمة تتضمن شركات للنفط والتجارة وصناعة السلاح وغيرها، الأمر الذي مكّنه من تطوير منظومة ضمَنت له ولاء ملايين الإيرانيين، الذين خرجوا بعد أسبوع على اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في تظاهرات مضادة لتأييد الطغمة الحاكمة والتنديد بالمعارضين. ونجح الحرس الثوري في نشر رجاله في مواقع حساسة ومناصب مهمة في مؤسسات الدولة. كما أحكم سيطرته على البلاد بعدما تفاقمت قدراته العسكرية والأمنية والاستخبارية، التي ترتكن إلى منظومة عتيدة تتمثل في: مجمع صناعي عسكري، مؤسسات إعلامية، ثلاث وكالات استخبارية منفصلة، موالاة قوات الباسيج وتنظيمات مدنية مدرّبة، فضلاً عن الإشراف على العمليات العسكرية والسياسات التدخّلية في الخارج. وبمرور الوقت، ومع تعاظم دوره في قمع الموجات الثورية المتتابعة التي هزّت البلاد طيلة العقود الأربعة المنقضية؛ بغية تصحيح مسار الثورة الأم، بدأ الحرس الثوري يتطلع إلى ترجمة نفوذه المتعاظم داخلياً وخارجياً، إلى حضور طاغ في معادلة السلطة والحكم، ربما يلامس الحلول محل الملالي، محاولاً استثمار الفراغ السياسي الذي من المحتمل أن يحدث جراء غياب البديل المدني المناسب.
وتوخياً لبلوغ غايته تلك، لم يدخر قادة الحرس وسعاً في إجهاض الموجات الثورية التصحيحية. واليوم، لا يتوانى الحرس عن تقويض الموجة الثورية الأخيرة، بعدما تجاوزت الخطوط الحمر وتحدّت التهديدات والتحذيرات بتصفية المشاركين فيها، كما طالت التابوات السياسية بتوجيهها الانتقادات للخميني، مؤسس نظام الولي الفقيه، ومطالبتها بالموت والسقوط للمرشد الحالي والرئيس روحاني وقيادات الحرس الثوري.
ولما كان الحرس الثوري هو المعني بصيانة التوجه الإسلامي للبلاد وحماية نظام الولي الفقيه، فقد أبت قياداته إلا مواصلة عملية التجريف الممنهجة للتربة السياسية الإيرانية وتجفيف روافد طبقتها السياسية عبر عمليات القمع والإقصاء المتواصلين لرموز النخبتين الفكرية والسياسية، متوسلة بتقويض أي بديل مدني. وحرص الحرس الثوري على تجاوز اختصاصاته وانتهاك الدستور عبر الاضطلاع بدور مركزي في اختيار خليفة المرشد الحالي، الذي يحاصره الدهر وينهكه الداء العضال، من خلال الدفع برجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي، الذي سبق للحرس أن دعمه خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضد روحاني. وعلى رغم تواضع مؤهلاته وجهوزيته لتولي المنصب، إلا أن علاقة رئيسي القوية بالدولة العميقة وموالاته المطلقة للحرس الثوري، كفيلتان بتعزيز فرصه في اقتناص أرفع منصب ديني وسياسي في البلاد، ليكون ستاراً لزحف الحرس صوب تحقيق غاياته. وإذا ظلّت الساحة السياسية الإيرانية مفتقدة لتيار مدني ديموقراطي بمقدوره تقديم بديل أفضل، فلن يكون عصياً على الحرس الثوري بلوغ مآربه في استغلال الموجات الثورية التصحيحية المتتابعة للانقضاض على السلطة يوماً ما. وحينئذ لن يكون بمقدور ثورة إيران التعسة والممتدة أربعة عقود، النجاة من التيه.
التعليقات (0)