سوريا وأمريكا.. أبرز ضحايا الحرب الروسية الالكترونية

سوريا وأمريكا.. أبرز ضحايا الحرب الروسية الالكترونية
أثناء السباق الرئاسي الأميركي عام 2016 نشطت حملات روسية استهدفت زعزعت العملية الانتخابية والتشويه عليها من خلال التلاعب بالمعلومات التي تنشر عبر الإنترنت. وتركزت جهود الكرملين حينها على نشر معلومات كاذبة استهدفت مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون أمام مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب.  ولم تكن حملات التلاعب بالإنترنت فريدة وتستهدف فقط الولايات المتحدة بل قامت روسيا بعمليات مشابه في سوريا، مستهدفة منظمات إنسانية مشهود لها مثل الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء التابعة للمعارضة السورية)، كما عملت الحملات على التشكيك بكل العناصر المقاومة لنظام الأسد عبر الادعاء أنهم من "تنظيم القاعدة" وأنهم جميعاً متطرفون. وقد وصل الحد بحملات التضليل إلى مساعدة النظام بالتشويش على المجازر التي يقوم بها ضد المدينين والتشكيك بها.

وضمن التحقيقات الرسمية والصحفية الجارية في الولايات المتحدة، تكشف صحيفة "الواشنطن بوست"، معتمدة على معلومات حصلت عليها من مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) وتصريحات رسمية أخرى الخيوط الروسية المتشابكة للتلاعب بالإنترنت، بين التدخل في الانتخابات الأميركية ودعم بشار الأسد من قبل روسيا إلى دعم الانفصاليين في أوكرانيا وتسويق للمعلومات الرسمية التي يعتمدها الكرملين في رؤيته للعالم. 

رصد الاستخبارات الأميركية للنشاط الروسي

في يوم في 26 فبراير/شباط 2016 وعند الساعة 3:26 عصراً بتوقيت موسكو، وصل أول إيميل إلى موقع CounterPunch الإخباري اليساري، ورد فيه رسالة جاء فيه "مرحبا، اسمي أليس دونوفان وأنا صحفية مبتدئة ومستقلة". 

لم تكن إدارة الموقع تعلم بأن هذه الرسالة يتم تعقبها من مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، كجزء من عملية سرية كانت تحت الاسم "الليل الشمالي". وكانت تقارير داخل مكتب التحقيقات وصفتها بالاسم المستعار "جندي من المشاة" معتبرة أنها جزء من جيش روسي كامل يقوده الكرملين هدفه زعزعة المؤسسات الديمقراطية الأميركية.

كان مقالها الأول، كحال 10 مقالات نشرتها في الموقع على الأقل، لم يحمل أي طابع سياسي. إلا أنه مع بدء الانتخابات الأميركية، بدء تفعيل دور (دونوفان) الموكل إليها، حيث بدأت بالتشويش على المرشحة الديمقراطية حينذاك، هيلاري كلينتون معتمدة على وثائق (ويكليكس) والتي حسب مسؤولين أمريكيين فأن (ويكليكس) كانت تعتبر أداة روسية للتأثير على الانتخابات الأميركية. 

في أغسطس/آب 2016 نشرت دونوفان على موقع (We Are Change) "بدون شك فإن الإيميلات التي نشرها جوليان أسانج، والتي حصل عليها من الحزب الديمقراطي، هي حقيقية". وأضافت "لفد فضحت هذه الإيميلات هيلاري كلينتون، وتقريبا لا يوجد أحد يكتب عن هذا الموضوع". وأظهرت الأحداث التي تابعها مكتب التحقيقات الفيدرالي ضمن عملية (الليل الشمالي) تشابهاً لأنماط تكررت عبر سنوات والتي تعتبر تهديد روسي بالنسبة للولايات المتحدة. وبدأت القصة عندما التقطت وكالات الاستخبارات ووكالات إنفاذ القانون الأمريكية إشارات كانت بمثابة تحذير لهم سببه التدخل الروسي في أوروبا وفي وقت لاحق في الولايات المتحدة لكنهم لم يستوعبوا تماما اتساع طموحات الكرملين. ولم يقدر كبار صناع السياسات في الولايات المتحدة المخاطر الروسية، إلى أن جاء الوقت لوضع خيارات المواجهة.

الدعم الإلكتروني لبشار الأسد 

ظهر اسم (دونوفان) مجدداً، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات المدعومة من الكرملين، في مقالات تنتقد سلوك ترامب في سوريا لتدافع عن بشار الأسد.

 وكتبت (دونوفان) في "CounterPunch" في عددها الصادر في 20 أيار/ مايو الماضي إن "الغارات الجوية التي شنها التحالف التي تقوده الولايات المتحدة على قوات الأسد ليست من قبيل الصدفة" جاء ذلك على خلفية استهداف التحالف لقوات الأسد قرب التنف على مقربة من الحدود العراقية والأردنية.  كما انتقدت مقالاتها إدارة ترامب في أمور أخرى، على أساس أنه يدعم "الإرهابيين" بعد أن أمر بتوجيه ضربات عسكرية استهدفت الأطفال في سوريا، على حسب ما جاء في أحد المقالات التي كتبها بعد استهداف مطار الشعيرات بصواريخ كروز الأميركية. 

ويتوجه تركيز عمل العملاء الروس الالكترونيين على التشويش وضرب الحقائق للتسويق لوجهة نظر بوتين بحسب مسؤول استخباراتي سابق في إدارة أوباما. أما الكرملين فلم يعط مؤشرا يذكر على اعتزامه للتراجع عن الحملات التضليلية التي يقوم بها.

مواجهات مؤجلة

خطط كبيرة للمواجهة تم دفنها بسبب الخلاف الأمريكي الداخلي، والخوف من جعل الأمور أسوأ أو الرهانات على مرونة المجتمع الأمريكي ومؤسساته الديمقراطية وقدرته على المقاومة. إحدى هذه المواجهات، والتي لم تنفذ، يشمل مواجهة سايبرية على مستوى العالم تشترك فيها وكالات التجسس الأمريكية وتتضمن ما يقارب من ست عمليات لمواجهة التهديد الروسي. إلا أنه وبعد عام على صدور التقرير بالمواجه لايزال البيت الأبيض والذي يخضع لإدارة الرئيس ترامب منقسما حول ما إذا كان سيتصرف أم لا، حسب مسؤول استخباراتي.

هذا الرد من الولايات المتحدة، والذي كان سيتم بشكل تدريجي، يواجه تهديد المعلومات المضللة التي ينشرها الروس، والتي استنتجتها وكالات الاستخبارات بناءً على عشرات المقابلات التي تمت مع كبار المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين في البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية وأجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية فضلا عن ممثلين في الناتو وكبار الدبلوماسيين الأوروبيين.

الحسابات الخاطئة والبيروقراطية هي التي تركت الولايات المتحدة مكشوفة أمام التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. سوء الحسابات هذا، سببه اعتقاد الولايات المتحدة أن كبار صناع السياسة في روسيا سيكونون شركاء بعد انتهاء الحرب الباردة. وعندما حلقت العلاقات بين البلدين، افترض المسؤولون الأمريكيون أن روسيا قوة إقليمية من الدرجة الثالثة من الممكن فقط أن تؤثر على الديمقراطيات الوليدة في الدول المجاورة لها.

"اعتقدنا أن أرضنا ليست خصبة" قال أنتوني ج. بلينكن، نائب وزير الخارجية الأميركي في عهد باراك أوباما وأضاف "كنا نعتقد أن الحقيقة ستتضح، وأن الحقيقة سوف تسود. وقد ثبت سذاجة هذه الفكرة بعض الشيء".

صعود الحرب السايبرية

عندما استلم فلاديمير بوتين السلطة، بدأت روسيا في البحث عن سبل للتعويض عن جيشها المتضرر. كبديل عن ذلك تحول المسؤولون الروس نحو الحرب السايبرية كبديل بسبب تكلفتها الرخيصة وسهولة نشرها وصعوبة مواجهتها أمام مجتمع مفتوح ومتشابك مثل الولايات المتحدة. شملت هذه الحملات والتي كانت بمثابة علامة إنذار مبكر، لتزايد خطر التضليل الروسي المتصاعد، إطلاق RT، شبكة التلفزيون الممولة من الكرملين عام 2005، والهجمات الإلكترونية التي طغت على بنوك والوزارات الحكومية والصحف في إستونيا. وبعد ذلك بعام، أطلق الكرملين حروب رقمية أغلقت مؤقتا أجهزة الإذاعة في جورجيا وشوهت موقع رئيسها.

ولكن بالنسبة للمسؤولين في الولايات المتحدة، بدء التنبه للحملات الروسية في أوائل عام 2014 عندما ضم الروس القرم ودعموا الانفصاليين في شرق أوكرانيا. وقد وثق تقرير المخابرات العسكرية الروسي الذي تم اعتراضه بتاريخ فبراير/ شباط 2014 كيف أن موسكو أنشأت شخصيات مزيفة لنشر معلومات مضللة على وسائل التواصل الاجتماعي لدعم حملتها العسكرية على أوسع نطاق.

تقرير المخابرات الروسي، والتي حصلت عليه صحيفة (الواشنطن بوست)، يظهر أمثلة على بعض الرسائل التي تم نشرها على الإنترنت عبر شخصيات وهمية. و كتب أحد المعلقين مدعياً أنه من المواطنين الأوكرانيين الناطقين بالروسية "كتائب الغربيين هي الآن في طريقها إلى سرقتنا وقتلنا" وأضاف "تم استبدال الأخلاق بالعطش للدم وللكراهية أي شيء روسي".

مسؤولون في المخابرات العسكرية الروسية أرفقوا هذه الشخصيات وتأثيرها كجزء من وثيقة حاولت إقناع الكرملين بمدى فعالية الحملة السايبرية التي تقودها المخابرات الروسية. المسؤولون بالتقرير تفاخروا بإنشاء حسابات مزيفة على الفاسبوك كانوا يرسلون منه تهديدات بالقتل إلى 14 سياسيي في جنوب شرق أوكرانيا. 

وبعد خمسة أيام من بدء الحملة، بلغت المخابرات الروسية أن حساباتها المزورة تحقق نحو 200 ألف مشاهدة يوميا.

خيارات الرد

وكالة المخابرات المركزية، بتوجيه من كبار مستشاري الأمن القومي في إدارة أوباما، قامت بصياغة مقترحات سرية للعمل. وكان أحد الخيارات السرية التي ناقشها المسؤولون في وكالات التجسس الأمريكية هي إنشاء مواقع وشخصيات وهمية في وسائل التواصل الاجتماعية للرد على العناصر التي جندها الكرملين للتلاعب بمعلومات الإنترنت في أوروبا.

 وأراد أنصار هذا المقترح نشر رسائل مناهضة للكرملين بالاستناد إلى المعلومات الاستخباراتية الأمريكية حول الأنشطة العسكرية الروسية والفساد الحكومي. لكن البعض الآخر شكك في فعالية استخدام وكالة الاستخبارات المركزية لإجراء عمليات تحد من نفوذ خصم يعمل مع قيود أقل بكثير من تلك التي تعمل بها الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية. 

واعتبر جيمس كلابر، مدير الاستخبارات القومية في إدارة أوباما، في مقابلة معه أنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة "يجب أن تحاكي طريقة عمل الروس". وتابع قائلاً "خط آخر من الهجوم الأمريكي المضاد والذي كان يتطلب استخدام أسلحة سايبرية ضد مواقع وخوادم الإنترنت الروسية والتي تستخدمها الشخصيات الوهمية الروسية للتلاعب بالأنترنت. إلا أن بعض المسؤولين الأميركيين أعتقد أن تأثيرها سيكون ممتد الأجل أو أنها من الممكن أن تدفع الروس لمزيد من عمليات الانتقام".

أما المقترحات السرية، التي عممها ديفيد س. كوهين، والذي كان آنذاك نائب مدير وكالة المخابرات المركزية، أدت إلى انقسام بين أجهزة الاستخبارات والبيت والأبيض ولم ينظر بها الرئيس الأمريكي. 

وبعد مرور أكثر من عام على قيام مكتب التحقيقات الفدرالي أولا بتحديد (أليس دونوفان) باعتبارها أداة روسية تستخدم للتلاعب في الإنترنت، فإنها لا تزال تكتب قصصاً وتنشرها في المواقع الأميركية.  أما المعضلة لتي تواجه البيت الأبيض، فتكمن في كيفية الرد.

التعليقات (1)

    ادريس

    ·منذ 6 سنوات 3 أشهر
    بما ان لدينا هذه المعلومات بين ايدينا فان المخابرات الامريكية لديها المزيد . ما يؤكد تورط روسيا في صعود ترمب الى البيت الابيض . و لا بد ان التغييرات التي قام بها ترمب و التي حصلت مؤخرا في مكاتب الامن القومي و المخابرات و وزارات الخارجية و مناصب اخرى تقوي هذه الفرضية . روسيا دعمت انتخابات ترمب ليكون عونا سريا لها و لتفعل ما تريد في سوريا خاصة وفي انحاء العالم .
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات