هكذا تتعامل روسيا مع مناطق خفض التصعيد في سوريا

هكذا تتعامل روسيا مع مناطق خفض التصعيد في سوريا
في 18 ديسمبر/ كانون الأول، ذهب نائب رئيس الوزراء الروسي "ديميتري روغوزين" إلى دمشق للقاء بشار الأسد بالإضافة إلى زيارة قاعدة حميميم الجوية. 

تمحورت الزيارة حول نقاش جدول أعمال إعادة الإعمار لمرحلة ما بعد الحرب. حيث يتركز الاهتمام الروسي تحديداً على مشاريع التنقيب عن النفط والطاقة والزراعة والبنية التحتية. غير أن التصريحات ما بعد الاجتماع كانت تعبر أكثر عما يدور برأس الأسد أمام استحقاق التسوية السياسية مع المعارضة.

بعد الاجتماع مع روغوزين، خرج بشار بتصريح للصحافة يصف فيه ميليشيا قسد الذين يقاتلون تحت القيادة الأمريكية بـ"الخونة". يأتي هذا التصريح بعد السيطرة على جيوب كبيرة كانت خاضعة لسيطرة داعش. 

تشير موسكو دائماً إلى أن الأداء الناجح في مناطق خفض التصعيد يخلق بيئة للحل السياسي في سوريا ويعزز الثقة بين النظام والمعارضة. غير أنه عندما قرر فلاديمير بوتين الخروج بتصريح درامي في 11 ديسمبر/ كانون الأول معلناً فيه النصر على داعش وموجهاً أوامر تقضي بانسحاب القوات العسكرية من سوريا، لم يأت التصريح بذكر قوات الشرطة العسكرية التي تتألف في الغالب من المسلمين السنة من شمال القوقاز. 

ووفقاً لـ"سيرغي سوروفيكين"، قائد المجموعة العسكرية الروسية، فإنه منذ دخول أمر بوتين حيز التنفيذ، لم يتم سحب سوى وحدة واحدة من الشرطة العسكرية إلى روسيا، في الغالب هي الوحدة التي كانت تتمركز شرق حلب، التي يسيطر عليها النظام، وهي أساساً غير مدرجة في مناطق خفض التصعيد. 

وتتمحور فكرة الكرملين حول الدعوة لمؤتمر "حوار وطني سوري" في سوتشي وإدراج نتائجه لاحقاً في مؤتمر جنيف المؤجل، وهي فكرة تعتمد كلياً على مناطق خفض التصعيد الأربع المتفق عليها. بالإضافة إلى إدراج منطقة عفرين الكردية نظرياً في مناطق خفض التصعيد. 

خديعة مناطق خفض التصعيد

استمرار العمل بشكل نظري في هذه المناطق مع الإعلان الروسي عن وضع حد للقوات العسكرية يجب أن يؤثر على حلفاء روسيا في سوريا. إلا أن الواقع يختلف عن ذلك. 

فلكي تعمل هذه المناطق بثبات يجب أن تحافظ على استقرارها في مناطق الاحتكاك بين قوات النظام والمعارضة. ومع نظام المراقبة الحالي لوقف إطلاق النار والذي يسمح بإجراءات عقابية ضد المعارضة فقط، فإنه من المربح لكل من دمشق وطهران أن تؤخرا أي عملية سياسية على عكس رغبة روسيا التي تفهم أنها نجحت في تحديد أهدافها من أجل تسوية الأزمة السورية على حساب منافسين آخرين. 

الولايات المتحدة ليس لديها خطة شاملة لإدارة المشكلة، ودول الخليج المشغولة بأزمتها. مع ذلك فإن روسيا لا تملك السيطرة الكاملة على حلفائها؛ كما أنها لا تريد خوض قتال معهم. خصوصاً أن المجتمع الدولي لم يجمع بعد حول النقاط الأساسية التي تحدد مراحل الانتقال السياسي والتي تؤدي إلى إصلاح فعلي في نظام الأسد.

الوضع في مناطق خفض التصعيد هو مثال جيد على "النظرة الخاصة" لعملية السلام التي يفرضها التحالف المؤيد للنظام. 

في إدلب، يتحرك تحالف قوات الأسد والمجموعات الموالية لإيران باتجاه بعضها البعض من شمال حماة وجنوب حلب باتجاه قاعدة أبو الظهور الجوية. هدفهم هو إتاحة الفرصة النظام من أجل السيطرة على ثلث المنطقة. 

هذا السيناريو من الممكن أنه تم الاتفاق عليه في مفاوضات أستانا، كازاخستان. ضمن إطار العمل لمحاربة "هيئة تحرير الشام"، ومع ذلك، فإن خريطة وزارة الدفاع الروسية تظهر أن ثلث المنطقة قد أعطيت بالفعل للنظام دون أي تفسير، مما يثير مخاوف بشأن إمكانية التلاعب بمناطق خفض التصعيد المتفق عليها. خصوصا مع استمرار قتال قوات النظام، بموافقة موسكو، في الغوطة الشرقية ضد جماعتين من الثوار وقعتا على اتفاقي وقف إطلاق النار في القاهرة وجنيف.

مراوغة روسية لتجنب الإحراج الإيراني

وضع مناطق خفض التصعيد في الجنوب يبدو أكثر تعقيداً، فعلى الرغم من أن المنطقة متفق عليها ضمن نتائج مفاوضات أستانا، إلا أنها تخضع لظروف خاصة ضمن إطار عمل متفق عليه بين الأردن وروسيا والولايات المتحدة.

تدعي "إسرائيل" أن هذه الاتفاقيات لا تمنع الجماعات الموالية لإيران من القيام بإجراءات عسكرية بالقرب من الحدود الإسرائيلية. 

تقارير صحفية تحدثت عن أن وزير الدفاع الروسي "سيرغي شويغو" وافق خلال زيارته لإسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر على إنشاء منطقة عازلة على مسافة تتراوح بين 5 و10 أميال حول الحدود بين سوريا و"إسرائيل" في منطقة تخفيف التصعيد تكون خالية من حزب الله والميلشيات الموالية لإيران.

"من الواضح أن القوات الموالية لإيران تتمركز بالقرب من الحدود الإسرائيلية والأردنية وهو أمر غير مقبول بالنسبة لإسرائيل وللولايات المتحدة، مع ذلك فإن موسكو لا يمكنها أن تمنع طهران من القيام بذلك، لأن استقرار النظام السوري يعتمد على القوى الإيرانية الداعمة له"، قال مصدر مقرب من مخابرات الجيش الروسي لـ"المونيتور".

وأضاف أن "روسيا تقدم فقط تلميحات بهذا الخصوص، بينما إيران تتظاهر بعدم فهم هذه التلميحات أو تقوم بتدوير هذه القوات وهو ما لا يغير الكثير من وجهة النظر الجانب الإسرائيلي".

بالتالي فإن موسكو لا تستطيع وضع سقف للطريق اللوجستي الواصل من إيران إلى سوريا، والذي، وفقا لبعض التقارير، فإن إيران قد بدأت بالفعل بتجريب إرسال بعض المعدات العسكرية عبر هذا الطريق.

بالنسبة لموسكو ولتجنب الإحراج المتكرر الذي يسببه الجانب الإيراني، فإنها غالباً ما تعتمد على الأجوبة الدبلوماسية فيما يتعلق بسحب الميليشيات الإيرانية التي تحارب بالوكالة. "إذا ذكرنا الجماعات الموالية لإيران، ربما يكون هناك من يميل إلى وصف الجيش السوري بأكمله بأنه مؤيد لإيران، ماذا يجب عليه أن يفعل إذا، الاستسلام؟" قال سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، وأضاف "أن التهديد الأكثر خطورة يأتي الآن من التهم الأمريكية"، مشيراً إلى أن مختلف العصابات الإرهابية الأجنبية تقاتل جنباً إلى جنب مع جماعات المعارضة المسلحة التي تدعمها الولايات المتحدة، على حد زعمه. 

تمتع نظام الأسد وإيران بالصمت التام حيال انتهاكات وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، وكلا الحليفين يفهم أن الاتفاق السياسي ضمن هذه المنطقة يسمح إلى حد كبير للجماعات المؤيدة لإيران وتنظيمات تابعة للقاعدة بدخولها.

يعد "التطرف" الموجود ضمن صفوف المعارضة، بحسب الصحيفة، عذراً قوياً بالنسبة للنظام للقيام بعمليات عسكرية في مناطق خفض التصعيد، تضاف إليه عوامل السياسة الخارجية الحالية منها تصاعد وتيرة الخلاف في الصراع العربي الإسرائيلي، وازدياد المشاعر المعادية للولايات المتحدة في العالم العربي، على خلفية قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث بدأت قوات الأسد وميليشيا حزب الله في تجهيز قواتها تحضيراً لهجوم جديد في منطقة التصعيد جنوب غرب سوريا. 

في هذه الحالة، فإن موقف في موسكو مهم، وروسيا لا تستطيع دائماً أن تنأى بنفسها عن التنافس الإيراني الإسرائيلي في سوريا. وللتخفيف من التصعيد ضد "إسرائيل"، فإنه من المنطقي الاعتماد على الجماعات المسلحة الدرزية المدرجة في قوات الدفاع الوطني الموالية للنظام للتقليل من تأثير القوات المؤيدة لإيران في المنطقة.

أما بالنسبة لطهران ودمشق، فإنه من غير المرجح أن تخفضا طموحاتهما لتجنب إحراج الروس. وعلى الرغم من الادعاءات المتعلقة بحل سلمي، فإن نظام الأسد سيدمج تدريجيا المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بالقوة بينما يدعي أنه يرغب في تقديم بعض التنازلات.

المصدر:

https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2017/12/russia-syria-military-post-war-rogozin-assad.html

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات