عام القدس... عام التحوّلات

عام القدس... عام التحوّلات
هل تعلم أن عدد سكان أربعٍ من الدول التسع التي صوّتت ضد فلسطين أخيراً هو ١٩٢ ألف نسمة، أي أقل من عدد سكان مخيم اليرموك للاجئين عام ٢٠١٠، وأن مدينة الخليل في الضفة الغربية أكبر من سبعٍ من هذه الدول؟ المقصود دولٌ لا نسمع بها إلا حين يكون هناك تصويت أممي مهم، مثل ناورو، أو تاغو، أو جزر مارشال، أو بالاو.

قد لا تكون هذه المعلومات دقيقة بل من قبيل تندر الفلسطينيين بالدول التي اتكأ عليها الموقف الأميركي، وصوّتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إلغاء قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس «عاصمة لإسرائيل».

لكنّ المفارقة أن ينتهي العام الحالي بانتصارٍ دولي مدوٍ للفلسطينيين في الأمم المتحدة ضد قرار ترامب، مثلما انتهى عام ٢٠١٦ بقرار صاخب ضد الاستيطان امتنعت خلاله واشنطن عن التصويت. وكأن كل عام يجب أن ينتهي باسترضاء الفلسطيني بالفتات، وإعطائه جرعة محدودة الصلاحية من أمل كاذب بسنة جديدة قد تحمل له الفرج. إنه انتصار بطعم العلقم... حين يكون انتصاراً على الورق، وتضيع القدس على الأرض!

المفارقة الأخرى، أن «قرار ترامب» نسخ وألغى مفاعيل تصويت واشنطن في مجلس الأمن العام الماضي ضد الاستيطان. فتشريع احتلال القدس، أطلق يد إسرائيل بخطة ضخمة لبناء مليون وحدة سكنية في الضفة الغربية في غضون عشرين سنة، ثلثها تقريباً في القدس المحتلة. فكيف إن كان أحد تداعيات قرار ترامب إحباط الربيع الفلسطيني الذي بدأ يزهر مع بلوغ «الربيع العربي» نهاياته؟

أما المفارقة الثالثة، فهي من نصيب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الذي وصف الأمم المتحدة بأنها «بيت الأكاذيب»، متناسياً ومتنكراً لفضل هذه المؤسسة في الاعتراف الدولي بالدولة العبرية.

على رغم ذلك، الحصاد الفلسطيني لهذا العام لم يكن هزيلاً، يكفي أن أهم إنجاز للسلطة الفلسطينية هو صد «خطة السلام» الأميركية التي هي أساساً خطة إسرائيلية، بل أشد نُسخها تطرفاً. ماذا سيتبقى بعدما حصلت إسرائيل على القدس والاستيطان بضربة واحدة، وتشترط الاحتفاظ بالأغوار، واعترافاً فلسطينياً بيهوديتها، أي تنازل الفلسطينيين عن حق عودة اللاجئين، ثم تريد دويلة فلسطينية منزوعة السلاح؟ ماذا تبقّى؟ الحدود؟ أي حدود؟ ومَن مِن الفلسطينيين سيقبل بتوقيع اتفاق الاستسلام هذا؟

أما مفاجأة السنة، فهي إنهاء الانقسام الوطني بين حركتي «فتح» و «حماس». على رغم ذلك، فالمصالحة تترنح تحت وطأة ملفات كثيرة لم تُنجز بعد، وهذه تبقى التحدي الأكبر أمام الفلسطينيين. فللتمنُّع ومعارضة أميركا ثمن كبير لا يقتصر على تجميد «عملية السلام» ووقف المساعدات ومقاطعة السلطة. الثمن هو التدمير الكامل للفلسطينيين ومنجزاتهم، هو الحرب الأهلية. لذلك يصبح تحقيق المصالحة بأهمية الحرب من أجل القدس.

لا ننسى النقطة المضيئة في هذا العام، «هبّة القدس» للدفاع عن المسجد الأقصى المبارك إزاء تربص الاحتلال الإسرائيلي باسم «البوابات الإلكترونية» والكاميرات. إنها بداية التحوّل والاعتماد على الذات والثقة بالنفس وبالفعل الجمعي، وبأهمية المقاومة الشعبية السلمية ضد الاحتلال. لم يطلب المقدسيون المساعدة من أحد، تعاضدوا وتعاونوا ووقفوا صفاً واحداً أمام الهجمة الإسرائيلية إلى درجة حارت دولة الاحتلال في كيفية التصدي لتلك الهبّة، واضطرت في النهاية إلى التراجع.

التاريخ سيذكُر عام ٢٠١٧ باعتباره عامَ منح القدس لإسرائيل بقرار أميركي. ولكن لأنها القدس، سيكون ٢٠١٨ عام التحوّلات.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات