"نيويورك تايمز" تروي رحلة ضرير من معتقل الأسد إلى أمريكا

"نيويورك تايمز" تروي رحلة ضرير  من معتقل الأسد إلى أمريكا
لم تفلح محاولات (أمير الآغا) فاقد البصر بسبب فشل خلقي، في طي صفحة ما علق بذاكرته داخل سجون نظام الأسد حينما كان معتقلاً،  عبر مصارعة الأوقات الصعبة التي قضاها في المعتقل، بذكريات تمحي ذاك الظلام الثاني من حياته، معللاً نفسه بنجاح أصغر أخوته، وهو يعيش حياة جديدة مزدهرة في سان فرانسيسكو.

صحيفة "نيويورك تايمز" نشرت قصة أمير، مع صديق حياته سعيد حديدي، زميل المنفردة داخل أقبية النظام، والذي كان دائماً بجانب أمير، لمدة 23 عاماً، حتى عندما سافر أمير وأهله إلى السعودية، بين العام 2003-2004. إلا أن سنوات الرخاء تلاشت بعد اندلاع الثورة في سوريا في آذار 2011.

كانت عائلة أمير تملك شركة حافلات تنقل المسافرين من اليمن وسوريا إلى السعودية، لكنها أغلقت أبوابها، كل هذه الأحداث كانت تجري بينما نظر أمير يتلاشى ببطء، لفشل خلقي، سبب له العمى كان أصاب شقيقه أيضاً، وبالتالي كانت الحياة في السعودية وأنت تحمل إعاقة صعبة بالنسبة للأجانب، ومن هنا بدأ التحدي بالنسبة لأمير. 

العودة إلى سوريا

مع تضاؤل خيارات العلاج وتناقص الأموال عاد أمير وعائلته إلى بيتهم الذي يمتلكونه في دمشق، في 2012 استمرت مشاكل العائلة هناك، وسرق منزلهم كنتيجة للفوضى الحاصلة في البلاد.

كان هناك خبر جيد بالنسبة لأحد أشقائهم، والذي فقد نظره أيضاً، حيث وصلته فيزا دراسية للدراسة في الولايات المتحدة عند عودة أهله من السعودية إلى سوريا، وهناك تقدم بطلب لجوء بفترة قصيرة بعد وصوله لسان فرنسيسكو، في دمشق، كان أمير يعتمد على صديقه سعيد حديدي والذي كان بمثابة دليل لا غنى عنه.

الاعتقال وإعدام سعيد

تنتشر في جميع إنحاء دمشق حواجز عسكرية  لنظام الأسد تقوم بإيقاف الشباب من أجل زجهم في الخدمة الإلزامية، ولا سيما أن أمير وسعيد لم يقررا الفرار من سوريا، وخاصة أن الحركة داخل دمشق تشكل مخاطرة كبيرة بالنسبة لهم.

يروي أمير للحاضرين في قاعة ممتلئة بمنهاتن من خلال مترجم، تجربتة في الاعتقال داخل سجون الأسد، ويداه تحت الطاولة،  يثبت بها ركبتيه اللتان كانتا ترتجفان.

في 18 تشرين الأول 2013، أوقف عناصر النظام أمير وسعيد  ومع صديق آخر بصحبتهم على حاجز تفتيش في العاصمة، ووجهوا لهم سؤالاً صادماً "لماذا لستم في الجيش؟".

أخبرهم سعيد بأنه دفع البدل عن الخدمة الإلزامية (والذي يعد مصدر دخل مهم للنظام) وأن عدم التحاقه بالخدمة هو قانوني، أما أمير أخبرهم أنه ضرير، على الرغم من أن الشباب المعفيين طبياً غالبا ما يكتفوا بإعمال إدارية في الخدمة الإلزامية، ليرد عليه أحد العساكر "تبدو بحالة جيدة"، ثم جرى اعتقال الثلاثة.

 وضع الأصدقاء الثلاثة في زنزانات منفصلة في الظلام، لأكثر من يومين، بقي أمير وأصدقاؤه بدون طعام، أما بالنسبة للماء، فكان من المسموح أن يشربوا مرتين في اليوم فقط، كان يتعرض أمير للضرب (على الرغم من وضعه الصحي) بعد ذلك جمعوا الأصدقاء مع بعض وبدون أي إنذار تم إعدام سعيد أمامهم. 

استجماع القوة من أجل الهروب

لكون أمير أعمى، تم إطلاق سراحه وكذلك صديقه الآخر، بعدها بدء في المنزل بدأ يعاني أمير من الاكتئاب، يقول إنه "لم أستطع تقبل الأمر،" تعليقا على إعدام أعز أصدقاءه ووضعه الصحي، "طوال الوقت كنت أتصل بالمشافي، لإيجاد حل، لم أكن راضياً على وضعي"، أعتمد أكثر على عائلته خصوصا لتلقي الدعم النفسي والعاطفي. أمه تحديداً، ساعدته إعادة الثقة بنفسه. 

بحلول منتصف عام 2017، كان أكثر من 5 ملايين لاجئ قد غادروا سوريا، غير أن طرق الخروج خارج البلاد كان من الممكن أن تكون محظورة وخطرة. حيث تم حظر السفر عبر الحدود للرجال بين 18 و42 عاماً.

ومع تصاعد التوتر في البلاد ، عقدت العائلة العزم على الهرب حيث تقدمت بطلب للحصول على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة. وصل والد أمير، سامر، إلى سان فرانسيسكو من خلال تأشيرة لزيارة أبنه المقيم في لوس أنجلوس في أبريل 2014ن ومن هناك، تقدم بطلب للحصول على تأشيرة لجميع أفراد العائلة.

في العام التالي، قامت والدة أمير، نورهان، بقيادة أفراد العائلة المتبقين والفرار، على الحدود أخبرتهم أنهم يسعون للحصول على العلاج الطبي في بيروت، لبنان، من أجل نظر أمير، هناك تم احتجازهم لمدة يومين تقريباً، ولكن فيما بعد تم إصدار تصاريح وهربوا إلى إسطنبول.

في تركيا، وبغض النظر عن التأشيرة والقبول، بدأ أمير يفقد الأمل في القدوم إلى أمريكا وبدأ بتعلم اللغة الألمانية، "كنت أفكر في الذهاب إلى أوروبا "، لكن أمي قالت لي: "لن تذهب." كانت دائما تأمل أن تتحول الزيارة إلى أمريكا إلى حقيقة، وفي يناير 2017، تلقت العائلة أخبارا متضاربة بعد عدة مقابلات في القنصلية الأمريكية في أنقرة، تركيا. تمت بعدها الموافقة على منح تأشيرات الدخول لأم أمير وشقيقاته وشقيقه الأصغر، إلا أن طلب أمير وشقيقه الآخر كان يحتاج إلى مزيد من عمليات التدقيق الأمنية بسبب سفرهما إلى المملكة العربية السعودية.

قررت العائلة الانتظار للحصول على جميع التأشيرات، وفي 27 يناير، تلقى أخيراً أمير وأخاه التأشيرة. أعتبر أمير الموافقة على منحة التأشيرة بمثابة " الضوء في نهاية النفق".

في وقت لاحق من ذلك اليوم، حدث أمرٌ لم يكن في الحسبان، حيث وقع دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يمنع المهاجرين من سبع دول معظمها من المسلمين، بما في ذلك سوريا، من دخول الولايات المتحدة. بسبب القرار تم منع دخول اللاجئين السوريين إلى أجل غير مسمى.

نحو مستقبل لامع

في نيويورك، حيث استقرت عائلة أمير، ساعدت خدمات الهجرة واللاجئين في أبرشية نيويورك الخيرية الكاثوليكية عائلته على إحياء حياتهم الجديدة. أصبح أمير عضوا بالرابطة الكاثوليكية للمكفوفين، حيث يلتحق الآن بدورات في التنقل ودورات أخرى في اللغة. غير أنه لم يتلق أبدا خدمات رسمية للمكفوفين. يتعلم أمير في حياته الجديدة بعض الأساسيات مثل الطهي وغسيل الملابس؛ بالإضافة لتعلمه الإنجليزية يأمل أمير أن يدرس علم النفس يوماً ما.

في أيلول ، ومن أجل مساعدته على التعلم، قامت الجمعية الخيرية الكاثوليكية، بالتبرع له لشراء آي باد (iPad). ومن خلال لجنة الولاية للمكفوفين حصل أمير على مسجل للصوت وبطاريات وشاحن للبطارية – ودخل لمساعدته بسبب الإعاقة.

يقول أمير : كان لدي حلم قبل سبع سنوات من أن أتمكن العيش في نيويورك"، "كان لدي صورة من نيويورك في رأسي، واتضح أنها ستبقى (نيويورك) مجرد صورة لدي، وفي كثير من الأحيان يطلب أمير من مدربه التنقل في المشي إلى أسفل الجادة الخامسة والبارك افنيو، أو يذهب بمفرده إلى هناك حيث تقع مكتبة للمكفوفين وسط المدينة، وأحيانا يزور برج ترامب، الذي يسميه مبناه المفضل في المدينة، عيناه تنظران إليه على أنه جزء من الضوء، برهان في ذهنه، أن الظلام لا يوجد أبدا بدون ضوء، في الواقع، يقول أمير انه يلمع.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات