روسيا حامية مسيحيي الشرق؟

روسيا حامية مسيحيي الشرق؟
الحديث المتجدد عن «دور أساسي» لروسيا في حماية مسيحيي الشرق، باتت له أبعاد أوسع من الفكرة التقليدية التي قامت منذ البداية على محاولة تعزيز نفوذ الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. وبعيداً من الإغراق في التاريخ، عبر استعادة الحروب التي خاضتها روسيا القيصرية مع الإمبراطورية العثمانية، رافعة لواء الدفاع عن «الأمة الأرثوذكسية»، فإن تجدد هذا الخطاب في السنوات الأخيرة، عكس طبيعة التغيرات التي شهدتها روسيا خلال رحلة البحث عن هويتها الجديدة بعد انهيار الدولة السوفياتية، ودلّ في الوقت ذاته على حدوث تبدل مهم في الأدوار بين الكنيسة والسلطة في روسيا.

وفي حين كانت الكنيسة تلعب الدور الحاسم في تحديد توجهات الدولة في السابق، باتت عقيدة السياسة الخارجية الروسية تشمل مبدأ الحماية الدائمة للمسيحيين في المناطق التي تستطيع روسيا بسط النفوذ عليها. بعبارة أخرى، فإن «رعاية المسيحيين» تحولت الى واحدة من أدوات التحرك السياسي الروسي.

أعاد الرئيس فلاديمير بوتين طرح شعار «حماية مسيحيي الشرق» الى الواجهة قبل أيام، خلال لقائه بطريرك انطاكيا وسائر المشرق البابا يوحنا العاشر، عبر تأكيد أن روسيا تلعب دوراً بارزاً في الدفاع عن المسيحيين ليس في سورية وحدها بل في المنطقة. وأشار الى أن مشكلة «الاضطهاد الديني الذي بلغ ذروته في الشرق الأوسط» تبرز في شكل قوي في العالم المعاصر. ولم يكن مستغرباً أن يتردد الشعار في شكل نشط بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية عام 2015، على رغم أنه طرح قبل ذلك، إذ نظمت وزارة الخارجية مؤتمراً دولياً عام 2013 حمل العنوان ذاته، لكن الملاحظ أن النشاط الروسي في هذا الاتجاه أخذ منحى تصاعدياً نشطاً. وخلال العامين الماضيين، نظمت موسكو عشرات الفاعليات والمؤتمرات التي هدفت الى حشد أوسع تأييد لهذا التوجه، بما في ذلك على المستوى الإقليمي.

ومن الطبيعي أن يشكل شعار حماية المسيحيين في الشرق، أحد أبرز مرتكزات التحرك لـ «قائدة العالم الأرثوذكسي» في إطار الجهد المبذول، والمتعدد الوجه، لاستعادة مكانة روسيا العالمية. لكنه يخدم في الوقت ذاته، غرضاً داخلياً شديد الأهمية للكرملين. برز بعد عودة بوتين الى السلطة في 2012 وإطلاقه النقاش حول «العقيدة الروسية الجديدة» التي بنيت على «الأيديولوجية المحافظة» بصفتها البديل المناسب لروسيا عن «الليبرالية الغربية المفرطة».

في ذلك الوقت، نشرت عشرات الدراسات والأبحاث التي ركزت على فكرة تبني هوية جديدة لروسيا بعد مرور عقدين سادت خلالهما فوضى البحث عن الذات. وكان منطقياً أن يجد هذا التوجه في التدخل الروسي في سورية ورفع شعار الدفاع عن المسيحيين عنصراً دافعاً قوياً. لذلك لم يكن مستغرباً أن توصف روسيا في تغطيات إعلامية بأنها تتحول الى «المركز الذي يستقطب أنصاراً في كل العالم» أو أنها «حامية المسيحيين الوحيدة»، حتى أن بعض وسائل الإعلام اليمينية ذهب الى وصف الحملة في سورية بأنها «المهمة المقدسة».

وبينما تستعد روسيا لانتخابات رئاسية جديدة العام المقبل، أعلن بوتين رسمياً ترشحه لخوضها، يستعيد الحديث عن «المهمة المقدسة» الأهمية الكبرى على المستوى الداخلي.

في الاتجاه ذاته، يمكن فهم زج مسألة الدفاع عن «المقدسات اليهودية» في سورية، خلال حديث بوتين عن الدور الروسي في حماية مسيحيي الشرق. بدت العبارة غريبة عندما قال إن منظمات يهودية أميركية عدة توجهت الى روسيا بطلب المساعدة في ترميم وحماية مقدسات يهودية في سورية، وأشار الى «تعرض أبناء الديانة اليهودية لاضطهاد». ليس الغريب أن تسعى منظمات يهودية الى استغلال نفوذ روسيا الحالي في سورية، للحصول على مكتسبات عبر محاولة «استعادة» أملاك ليهود مثلاً، لكن السؤال: ما الثمن المقابل؟

اللافت أن ثمة قناعة تتزايد في روسيا بأن اللوبي اليهودي الناشط في الولايات المتحدة وفي أوروبا يمكن أن يساعد روسيا في تخفيف العقوبات الغربية، أو على الأقل أن يمنع محاولات غربية للتشويش على الانتخابات الرئاسية المقبلة.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات