جنيف أم سوتشي ترسم مستقبل سوريا والمنطقة؟

جنيف أم سوتشي ترسم مستقبل سوريا والمنطقة؟
المسار السياسي الذي يستأنف مبدئياً جولته الثامنة في جنيف لا يقفل المسار العسكري. بل يفتحه على مصراعيه. «مناطق خفض التوتر» لم تلزم النظام وحلفاءه بوقف إطلاق النار حتى الآن في جبهات كثيرة. ليس هذا فحسب، بل إن خروج كل القوات الأجنبية من سورية شرط أساس لحل دائم. فهل هناك مجال لأن يتوافق السوريون في جنيف أو غيرها على تحديد هذه القوات؟ يبدو الأمر شبه مستحيل.

روسيا التي تراها أطياف المعارضة خصماً وحكماً في آن، تتوق إلى تفاهم مع الولايات المتحدة يتيح لها تخفيف عديدها في بلاد الشام ويجنبها الغرق في هذا المستنقع. وهي وإن بدأت تتحدث عن احتمال تقليص قواتها ستحتفظ بالقاعدتين في طرطوس وحميميم. وستكون حاضرة دوماً لنصرة النظام. وهي لا تكف عن إبداء تساؤلات عن هدف بقاء القوات الأميركية التي تصفها بأنها قوات احتلال. كأن البيان الأخير الذي أصدره الرئيسان بوتين وترامب في دانانغ لا يشي بتفاهم حقيقي بين الطرفين. علماً أن المسؤولين العسكريين الأميركيين تحدثوا من أشهر عن نيتهم الاحتفاظ بحضور عسكري شرق سورية في مناطق سيطرة الكرد. كذلك لا تزال طهران ودمشق تعترضان على تدخل القوات التركية في الشمال، على رغم تلميحات أنقرة إلى احتمال قبولها بدور للأسد في مستقبل بلاده.

في المقابل، تتمسك إيران ببقاء قواتها والميليشيات الموالية لها في بلاد الشام. وقد أكد قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري أن الحرس مستعد لأداء «دور فعال في تحقيق وقف دائم لإطلاق النار في سورية، وفي إعادة إعمار البلاد». ودعا السلطات في دمشق إلى الاعتراف قانونياً بشرعية «قوات الدفاع الوطني» التي تقاتل إلى جانب القوات النظامية. ومعلوم أن المعارضة تنادي بدور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في الإشراف على وقف إطلاق النار وحفظ السلام ورعاية العملية السياسية. وتنظر إلى الجمهورية الإسلامية «العدو الأول»، ولا يمكن أن تقبل ببقاء أي قوات موالية لها، خصوصاً في ظل المواجهة المتصاعدة بين معظم الدول العربية، والخليجية خصوصاً، وهذه الجمهورية وميليشياتها المتعددة.

أياً كانت العقبات بوجه روسيا وسياستها في سورية والإقليم، فإن ما يقلقها أن إدارة ترامب لا تزال عازفة عن الانخراط جدياً في أداء دور أكثر فاعلية لتسوية الأزمة. وتدرك بالتأكيد أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تجازف بالخروج من بلاد الشام والمنطقة العربية عموماً والتسليم لها ولشريكيها برسم صورة «الشرق الأوسط الجديد»، فيما هي تعلن «الحرب» على طهران ودورها في الإقليم. كما لا يمكن واشنطن التغاضي عن «بقاء الأسد إلى الأبد» على رأس النظام. ولا يصح أن تتوقع ويتوقع حلفاؤها موقفاً روسياً متشدداً حيال الوجود الإيراني في سورية. مثل هذا الاختبار لم تخضه موسكو حتى الآن، إما لأنها عاجزة فعلاً عن وقف سياسة طهران، وإما لأنها ترغب في ثمن أميركي كبير في مقابل خوض مواجهة غير مضمونة النتائج مع الجمهورية الإسلامية والرئيس الأسد أيضاً. لذلك لن تكون الطريق إلى جنيف أو سوتشي آمنة وسالكة كما يعتقد المتفائلون. 

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات