روسيا العاجزة في سوريا

روسيا العاجزة في سوريا
لم تتمكن روسيا من حسم الصراع السوري كليا عبر حل سياسي، والواضح أنها فشلت في جر المعارضة إلى مؤتمرات تضعها في خانة النظام ووفق شروطها، ومن دون تنسيق مسبق مع الأطراف المعنية، على غرار مؤتمر السوتشي للشعوب السورية، والذي عدّلت تسميته إلى مؤتمر “الحوار الوطني” بعد أن علمت أن لا شعوب متعددة في سوريا.

قُوبِلت الدعوة الروسية برفض غالبية المعارضة السورية المدعوة للمشاركة في المؤتمر، والدول المعنية بالملف السوري، وحتى النظام وإيران تحفّظا على بنود “الدستور الجديد والانتخابات تحت رقابة أممية”، ما دفع الروس إلى التأجيل، وحذف لائحة المدعوين من موقع الخارجية الروسية. وقبل ذلك أعلنت عن نيتها عقدَ مؤتمرات حميميم ومطار دمشق…، في حين أن جولة أستانة الأخيرة فشلت في تحقيق الغاية الروسية منها، بسبب رفض الأميركيين والأوروبيين مناقشةَ المسائل السياسية، وامتناعِ النظام عن بحث ملف المعتقلين والمفقودين، وتحفّظ إيران على الانتشار التركي في إدلب، الأمر الذي يشكّل أيضا تهديدا للإنجازات الروسية

المتعلقة بمناطق خفض التصعيد الأربع، إضافة إلى أن الخلاف الروسي الأميركي الأخير يهدد صمود هدنة الجنوب السوري.

لا يبدو أن موسكو تجيد قراءةَ المشهد السياسي السوري؛ فهي تعتقد أنّها قادرة على الانفراد بالملفِّ السوري، وتسعى إلى إبقاء النظام مسيطرا على كلِّ سوريا، وتتحكم هي بكلّ عملياته العسكرية والسياسية.

جاء هذا الشعور نتيجة اعتقادها بأنّ الأميركان انكفأوا في الملفِّ السوري، خاصة في الأشهر الستة الأخيرة، حيث أوقفوا الدعم عن فصائل الموك والموم، واكتفوا بما يحقّقه لهم كل من مجلس ثوار دير الزور العسكري وقوات قسد في الشرق والشمال الشرقي.

الحقيقة أن أميركا حاضرة بقوّة في الملف السوري، ودون أن تتكبد عناء أو كلفة مادية أو بشرية؛ فقد سيطرت هي وحلفاؤُها على حقول النفط في الشمال الشرقي والشرق، والتي تشكل 70 بالمئة من إجمالي إنتاج النفط في سوريا (385 ألف برميل يوميا)، إضافة إلى مناجم الفوسفات، ومناطق الأراضي الخصبة الهامة.

وبالتالي ستحرم النظام وروسيا من التحكم بهذه الثروات، ما يهدد بعجز اقتصادي في المناطق التي يديرونها، وسحب ورقة التحكم بملف إعادة الإعمار من يد روسيا.

وكذلك أوعز الأميركان إلى فصائل الجنوب بعدم فتح معبر نصيب جنوباً لزيادة الضغط الاقتصادي على الروس والنظام.

ولدينا الرغبة الأميركية والأوروبية في التمديد للجنة الدولية لأجل التحقيق حول استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، ونتائج التحقيق في تحميل النظام مسؤولية قصف خان شيخون بالسارين، ومن ثمّ دَفعهم ديمستورا إلى الدعوة لعقد جولة جديدة من جنيف في 28 نوفمبر الجاري، وذلك عقب تفجير تيلرسون لتصريحه المستفزّ للرّوس في 25 أكتوبر، بأن “حكم عائلة الأسد شارف على نهايته، والقضية تتمحور حول كيفية الوصول إلى هذه النهاية”.

كل ذلك دفع بوتين إلى حالة من التخبط والإسهال في الإعلان عن المؤتمرات الارتجالية، في سباق مع الزمن، لاستثمار ما حققه من إنجازات على الأرض وهدن هشّة في مناطق خفض التصعيد، القابلة للانفجار.

رغم أن روسيا ما زالت في تصريحاتها تقرّ بأحقية جنيف والقرار الأممي 2254، فإنها تريد فرض واقع على الأرض أولا، يقول بانتصار النظام واستعادة سيطرته على الأرض، وبالتالي هي ضمنا لا تريد تفسير بند الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات التنفيذية بأنه سيعني انتقالا للسلطة، الأمر الذي يصرّ عليه بشدة الأميركان والأوروبيون، حيث تقتضي مصالحهم في المنطقة الالتزام بالقرارات الدولية.

منذ 2012 تسعى الدبلوماسية الرّوسية إلى جذب المعارضة السورية وخلق منصّات تتبع لها، والعمل على ضرب الهيئات السابقة، ولم تنجح إلّا في جذب أطراف تُحسب على النظام، أو بعض الأفراد، وكلهم لا يشكلون ثقلا يمكن التعويل عليه في الحل السياسي.

خطأ الروس هنا أنّهم يُهملون إرضاء الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة والداعمة لكيانات المعارضة المكرسة، وأن عليهم القبول بالشراكة السياسية معهم قبل كل شيء. والآن المعارضة على موعد للتلاقي في الرياض ما بين 22 و24 نوفمبر الجاري، ونجاحُها في ذلك سيشكل ضغطا كبيرا على موسكو.

لا يزال الروس يصرّون على موقفهم المتعنّت تجاه تغيير السلطة في دمشق، مراهنين هذه المرة على الحليفين الإيراني والتركي، اللذين يتعرّضان أيضا لضغوط أميركية شديدة، ويشاركان روسيا رفضَها لتمدّد قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي. ومن هنا كان الموعد الجديد أيضا في سوتشي في 22 نوفمبر الجاري، لعقد قمة ثلاثية.

تركيا تواجه تصعيدا مع الولايات المتحدة، وترفض واشنطن تواجدَها في سوريا، وتدعم سيطرة قوات كردية تابعة لحزب العمال الكردستاني التركي على حدود تركيا، وفرضت أميركا حظر بيع الأسلحة إليها، ما دفع الأخيرة إلى تسهيل انشقاق العميد طلال سلّو، المتحدّث باسم قوات سوريا الديمقراطية، وانضمامه إلى كتائب درع الفرات التابعة لتركيا، وقبول تركيا التحالف مع روسيا في الملف السوري، رغم أن الخلاف لا يزال مستمرا حول مصير الأسد.

وتحتاج روسيا إلى إيران ميدانيا، لتغطية العجز البشري لقوات النظام. كانت فيما سبق ترسل التطمينات إلى إسرائيل والغرب بأنها ستقلّص الوجود الإيراني في سوريا، وخاصة على الحدود الجنوبية، وكانت تخوضُ صراعا داخليا ضمن النظام ضدّ إيران، للحد من تحكمها، حيث سيطرت على حمص وفرضت هدنة الوعر. لكن الضغوط الأميركية الأخيرة دفعتها إلى القبول بالحليف الإيراني، وإعلان ذلك عبر قول الوزير لافروف إن إيران ليست قوات أجنبية.

بالمثل ليس أمام إيران سوى تقوية التحالف مع روسيا بعد الضغوط الأميركية والخليجية التي تتعرض لها في سوريا واليمن ولبنان، ورفض دونالد ترامب التصديق على التزام إيران بالملف النووي، وفرض عقوبات اقتصادية جديدة عليها.

يُنبِئُ المشهد السوري المتجدد باستمرار الصراع الإقليمي على سوريا، بإمكانية تفجّره ميدانيا من جديد، إلّا إذا تخلّى الروس عن عنجهيتهم وقبِلوا بمشاركة الآخرين، وبتقليص الدور الإيراني في سوريا، والقبول بتغيير في السلطة وفق القرارات الدولية.

التعليقات (2)

    العراك

    ·منذ 6 سنوات 4 أشهر
    اللهم ابدل هذه الحال حسبنا الله ونعم الوكيل ربنا وﻻ تحملنا ماﻻ طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين

    سوري ابن سوري

    ·منذ 6 سنوات 4 أشهر
    كل هلمقالة كلام فاااارغ
2

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات