"السيناريو" بين السخرية والألم والهدف الأصعب

 "السيناريو" بين السخرية والألم والهدف الأصعب
بث تلفزيون قناة أورينت يوم الاربعاء 4/10/2017 أولى حلقاته من "برنامج السيناريو" للفنان السوري همام حوت، وقد تم تقسيم البرنامج إلى عدة مقاطع فنية كلها تتناول الهم السوري بصورة فكاهية وسخرية وهزلية تجذب المشاهدين لمتابعتها، بكل ما فيها من ألم وحسرة ومرارة ولحظ مرح لا فرح، ربما تمسح نقطة ماء واحدة من على زجاج سيارة في يوم شتاء منهمر.

لقد كان البرنامج مغامرة للقائمين عليه كي يتمكنوا من إعجاب المشاهدين وليس إضحاكهم فقط، لأن الضحك ليس مقصوداً لذاته، كما أنه كان مفاجئة للمشاهدين والمتابعين من النقاد والفنانين، فهل الأزمة السورية وقتل نحو مليون مواطن سوري وتشريد أكثر من عشرة ملايين منهم يحتمل ترجمته بعمل فني ساخر؟ إذن فالعمل بمجمله لا يخلو من مغامرة لا يمكن توقع نهاياتها، بالرغم من كونه نقداً هادفاً للمسرحية الكبرى التي آلمت الشعب السوري لأكثر من نصف قرن، والتي وصفها مقدم البرنامج مسرحية أسرة الأسد، بكل أبطالها الرئيسيين من آل الاسد والمساعدين من وزراء وإعلاميين وفنانين أيضاً، من الرجال والنساء على حد سواء.

https://orient-news.net/news_images/17_10/1507464222.jpg'>

لقد كان من أكثر المشاهد الهزلية الحوار الذي أجراه همام مع صوت بشار الأسد المقلد، وهو يكشف حقيقة أو خفايا شخصية بشار الأسد، والأدوار الفنية التي يؤديها منذ توليه السلطة الوراثية بكل تفاصيلها أو مشاهدها المسرحية، في تعامله مع شعبه حينا، ومع الدولة الإسرائيلية حينا آخر، ومع الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، التي لا يتوقف عن شتمها وسبها ومهاجمة سياستها بلسانه وإعلاميه دون فعله ولا فعل دولته ولا جيشه، الذي ادخره لعقود متوالية لقتل الشعب السوري بكل انواع الأسلحة التقليدية والكيماوية والمجازر البشرية وبحرب عدوانية ضد الإنسانية كلها، فشتم أمريكا كان الركن الأول في وصول الرئيس أو بقائه في السلطة، فهو أحد أضلع محور المقاومة والممانعة ضد أمريكا وإسرائيل على ذمة رئيس مجلس الأمن القومي الايراني السابق سعيد جليلي، وسلاحه ضد أمريكا هو السب، واما سلاحه ضد إسرائيل فهو الاحتفاظ بحق الرد، لحين اكتمال التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني، فقبل إحداث التوازن الاستراتيجي لن يتم الرد، وبهدف تدمير أكذوبة التوازن الاستراتيجي أقدمت زعيمة محور المقاومة إيران على تدمير سوريا، وجعلتها أرضاً مستباحة لكل الميليشيات الطائفية التابعة لها، من ميليشيات الحرس الثوري وميليشيات الفاطميين والزينبيين والعلويين واللبنانيين والأفغانيين والباكستانيين وغيرهم، الذين يؤتى بهم وهم اطفال ليكونوا قرباناً طائفياً لتدمير سوريا وقتل شعبها، ولتكمل الحركة الصهيونية الإسرائيلية مشروع توسعها من النيل إلى الفرات، بعد تشريد أهل سوريا والعراق ولبنان على أيدي نفس الميلشيات، وتغيير البنية الديمغرافية لسكان بلاد الشام، وبنفس وسائل الاعلام ومسرحياتها.

https://orient-news.net/news_images/17_10/1507464193.jpg'>

إن الصورة الهزلية التي تم تقديم برنامج السيناريو فيها تكشف المدى الهزلي الحقيقي الذي تم ويتم فيه ممارسة سياسة مقاومة التصدي والممانعة، فهي مسرحيات حقيقة وليست هزلية ولا فكاهية، لأن من يقوم بالأدوار هم فنانون محترفون في العمل السياسي الكاذب، فالمشاهد كان قادرا على الجمع بين الصوريتين وكأنهما صورتين متطابقين فعلاً، فالسياسة السورية طوال خمسة عقود من حكم أسرة الأسد كانت قائمة على السخرية من الشعب والتمثيل عليه بفصول مسرحية لا تنتهي، ولم تكن تحتوي الجد ولا تخطط لبناء الوطن، والحلقة الأولى من برنامج السيناريو لم تتجاهل ان تقدم على ذلك دليلا مؤلما وملموسا لرائد الفضاء السوري اللواء محمد فارس، الذي لخص كل حقيقة الدولة السورية في عهد الأسد بكلمات قلائل، وهو يجيب على السؤال الأول، عما فعله بعد عودته إلى أرض الوطن من رحلته الفضائية من الاتحاد السوفيتي، فالمشاهد كان يتوقع أن يكون رائد الفضاء العربي السوري قد بدأ حياة علمية جديدة بتأسيس وكالة فضاء سورية، وقد جمع بين يديه آلاف المهندسين السوريين والأكاديميين والعلماء لبناء مشروع فضائي عربي متقدم، وأن الدولة قد وفرت لها كل الامكانيات لإقامة المختبرات العلمية التي تواكب العصر، فوصول عالم سوري لدرجة رائد فضاء عالمي يستحق ذلك، ولكن جواب اللواء محمد فارس كان مؤلما بقدر مأساة كل قضايا سوريا التي تحكم بها آل الأسد، لإحباطها وإحباط كل العلماء السوريين الذين يطمحون للاقتداء بها.

https://orient-news.net/news_images/17_10/1507464349.jpg'>

لقد أجاب رائد الفضاء بأنه بعد عودته إلى سوريا من الرحلة الفضائية بقي في بيته ولمدة ثماني سنوات متواصلة، وليس في مراكز البحث ولا في المختبرات العلمية، وأنه قضى الثماني سنوات وهو يساعد زوجته في عمل السلطة وفرم البندورة والخيار والبصل، وفي غمرة هذه المفاجئة تتكشف حقيقة هذا النظام الذي دمر شخصية العالم قبل أن يدمر البلاد على اهلها، وفي مشهد مؤلم يتذكر اللواء محمد فارس كيف ان حافظ الاسد لم يتشرف بوضع قلادة الوسام بنفسه على رقبة عالم الفضاء السوري الأول اللواء محمد فارس، بل سلمه له بيده وكأنه يكره أن يكون بين السوريين عالما أو رائد فضاء عالمي، ولو كان مواطنا محسوبا عليه أنه من شعبه، ولم يلتفت اللواء محمد فارس أن حافظ الاسد كان مغتاظاً أن يكون بين أبناء الشعب السوري من يكون عالم فضاء، بينما هو كان يخطط لتدمير العلم والعلماء فيها، يريد أن يبقى هذا الشعب ذليلاً لا عزيزا، ومنكسراً لا رائداً عالماً.

لقد قدمت الحلقة الأولى من برنامج السيناريو قصة مأساة نصف قرن من حياة الشعب السوري، كان أصعبها هو فصلها الأخير، الذي لم ينته بعد بالرغم من قتل نحو مليون سوري بين شهيد ومعتقل وغائب ومفقود على أيدي أجهزة الاسد الأمنية، والعالم الغربي لا يعمل شيئاً لإنهاء حكمه أو محاكمته لعدم وجود البديل الذي يخضع سوريا وشعبها كما فعلت أسرة الأسد، ولذلك فإن البرنامج بحاجة إلى أن يعالج في الحلقات القادمة المتاهة الدولية التي أدخلت سوريا في ملفات كوفي عنان ثم الأخضر الابراهيمي ثم ديمستورا، الذين استخدمتهم أمريكا في مسرحيات مشابهة لما قام به بشار الأسد، في البحث عن حلول تؤدي إلى القضاء على الثورة السورية، فالسيناريو رسالة مرئية وصوتية تعبر عن هموم السوريين بطريقة مبدعة، مطالبة بمواصلة مسيرتها ونقدها للواقع المؤلم بما لا يؤذي المتألمين أكثر، ودون نقد لما لا تعلق له بذات المفسدين، فالنقد هو للمفسد وليس لوظيفته أو هيئته وهندامه، سواء كان وزير أوقاف أو إعلام أو فنان أو غيره، فالعمل الفني الكبير والناجح يبقى محفوفاً بالمخاطر والأخطاء، وتترقبه أعين النقاد على اختلاف أنواعهم ودرجاتهم.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات