هكذا تتحول قطع الأحجار والرخام إلى عمل فني على يدي "أبو مهنا"

"أبو مهنا" الرجل الستيني من أبناء بلدة معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي، اعتقله النظام بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين في عام 1981 وبقي مدة طويلة في سجن تدمر صاحب السمعة السيئة والإقامة المميتة.

عانى الرجل خلال فترة احتجازه أبشع طرق التعذيب، والتي كانت كفيلة بقتل روح الشباب والحياة في نفسه وشخصيته، إلا أنه خرج من السجن وأكمل حياته بالرغم من البشاعة التي عاشها في الظلام.

"لم أخرج من السجن لأبكي على ما عانيت وما فاتني من حياتي وأنا داخل السجن، بل خرجت وأنا أكثر إصراراً واندفاعاً وعدت لعملي ومارسته وطورته"، تلك كلماته التي لايزال يرددها في كل مرة نلتقيه ونحاوره، خلال سهراتنا وجلساتنا المتكررة في خيمته المتواضعة في مخيمٍ للمهجرين على الحدود السورية التركية.

يعيش أبو مهنا مع عائلته وأولاده في تلك الخيمة ويعمل بالقرب منها في صناعة اللوحات الفنية الرائعة المشكلة من الأحجار والرخام والقطع الصخرية الملونة والتي حين تجتمع بين يديه تكوّن أبهى الصور وأكثرها جمالاً وتشكيلاً.

لم يقتصر عمله على صناعة اللوحات وتشكيلها بل عمل خلال حياته وبعد خروجه من السجن في بناء البيوت من الحجارة الصخرية المنتشرة في سوريا والتي تعرف بحجارة " السَلَب" أو " النَشر" وهي المسميات التي يطلق عليها في منطقته على الحجارة الصفراء المخصصة للبناء وتكون مجهزة يدوياً أو في المناشر الحجرية.

عمل على إقامة معارض بسيطة في المنطقة التي يعيش فيها واقتصر الحضور على جيرانه والمهتمين بهذا العمل من أقرانه، حيث يطمح أن تنتشر أعماله في مناطق أبعد وأفضل، كي ينقل ما عملته يداه إلى أكبر عدد من المستفيدين والراغبين باقتناء لوحاته المميزة.

عانى أبو مهنا خلال فترة سجنه الكثير وبعد خروجه من السجن لم تتوقف هذه المعاناة فقد كان يراجع الأفرع الأمنية بشكل مستمر ودوري في نهاية كل أسبوع، يخبر المحققين خلالها عن كل التفاصيل التي قام ويقوم بها خلال ذلك الأسبوع، ولم يستطع أن يوسع عمله الفني بسبب التحفظات الكثيرة التي كانت تفرض على المعتقلين السياسيين الخارجين من السجون كسجن تدمر وصيدنايا وغيرهما الكثير.

وبعد قيام الثورة السورية وتدهور الأحوال المعيشية في المناطق الجنوبية لمحافظة إدلب وتزايد نسبة الغارات الجوية على المدنيين، نزح برفقة عائلته إلى الحدود السورية ليقضي أيامه القادمة في خيمة صغيرة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، بسبب ظلم الأسد ونظامه له قبل الثورة وبعدها.

تجربته المريرة وعذابه المستمر لم يثنيا عزيمته عن إبداع هذه اللوحات، بل زادته إصراراً وتحدياً للمضي قدماً وتقديم كل ما يستطيع في سبيل إدخال روح الحياة الحرة الكريمة له ولمن حوله وبناء أجمل البيوت وتشكيل أروع اللوحات بعد انقضاء حكم الأسد وأعوانه.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات