الاستفتاء على انتهاء صلاحية احتلال العراق

الاستفتاء على انتهاء صلاحية احتلال العراق
العراق في مفترق طرق، وشعبه رغم الويلات التي أصابته في صميم تكوينه إلا أنه يرفض الاستسلام لواقع التقسيم على أمل أن يتعافى من نكبة تسليمه إلى إيران.

محاذير ما بعد دحر تنظيم داعش لم تنتظر حتى تحرير الأراضي المتبقية في العراق، واقتصرت على مرحلة تدمير الموصل وتحويلها إلى ركام مازالت فرق الإنقاذ بإمكاناتها البدائية مستمرة في عملها لانتشال جثث المدنيين التي بلغت إلى حد الآن أكثر من 2000 ضحية منذ تاريخ انتهاء العمليات العسكرية.

بعد صفقة داعش مع الحرس الثوري الإيراني في لبنان حصل رد الفعل الواسع في الأوساط العراقية الشعبية بارتفاع الأصوات التي كانت تُستخدم للتجييش المذهبي ومجيرة لمفردات التوجه العقائدي مع ولاية الفقيه في قم وطهران. لكنها هذه المرة عبرت عن وطنيتها وانتمائها بأصوات ترفض استغفال العراقيين حيث انكشفت خفايا التدليس والتبعية المطلقة للمشروع الإيراني في العراق والمنطقة.

تجمعات كسرت حاجز الخوف خاصة من الشباب الذين فضحوا دور الأحزاب ودعاة الطائفية وجاهروا بارتباط حزب الدعوة الحاكم بإيران وتنفيذه لأسوأ مخططات تفتيت المجتمع العراقي، وبعض هؤلاء سخروا من رفع صور الخميني وخامنئي في مدن العراق ووصفوه بالإهانة الشخصية لكرامتهم.

في ظرفنا الراهن فإن أرقام القتلى من المدنيين وأسلوب التدمير الشامل يدلان على أن معظم صنوف الأسلحة لم تكن مقيدة ومنها المدفعية والطيران الحربي، بما يحيلنا إلى إعادة النظر في مهزلة احتلال الموصل وهروب الفرق العسكرية المدربة والمجهزة بتقنيات الجيوش الحديثة.

في التحليل العسكري لا مجال للتذرع بهزيمة أو تخاذل في ظروف اختلت فيها موازين القوى أو قطعت فيها الإمدادات لطول فترة المعركة أو إلى غير ذلك من مبررات محتملة في سياقات التقاليد العسكرية للحروب.

التحليل الوحيد هو الانسحاب وترك المعسكرات بما فيها. أي إن الأوامر من مقرات قيادة العمليات صدرت بعدم المواجهة، وبالتالي من المستحيل أن يكون الانسحاب إلا بأوامر سياسية؛ إذ لا يتخلى القائد العسكري داخل مقره المحصن ببساطة عن أداء أهم واجباته في اتخاذ القرار المناسب وتمريره إلى القطعات وكل ذلك لا يستغرق سوى دقائق.

هروب القادة والمقاتلين إلى كردستان بالحالة المزرية المشبوهة وتسليم مدينة الموصل يعيداننا إلى الأهداف التي تقف وراء نتائج الاحتلال، وأيضا تدمير الموصل للقضـاء على تنظيم داعـش، وهي أهـداف على اختلافها إلا أن جميع الأطراف في العملية السياسية تستغلها حسب مصالحها.

الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان العراق ثمنه من وجهة نظر القيادة الكردية مدفوع بتضحيات أكثر من 11 ألف قتيل من قوات البيشمركة والتي فرضت السيطرة على المناطق التي حررتها من داعش في سهل نينوى.

التعجيل في الاستفتاء فرصة تاريخية ولن يفرط فيها رئيس الإقليم مسعود البارزاني رغم كل الوساطات الإقليمية والدولية والمنظمات الفاعلة، ورغم لهجة التهديدات من شخصيات كانت كردستان تمثل لها قبل احتلال العراق ملاذاً آخر يتقاسم مع إيران التربص لتوفير القناعات الدولية لاحتلال العراق.

معركة تلعفر فيها من التفاصيل ما يضع معركة الموصل على طاولة التشريح لأسباب احتلال الموصل وإذلال الجيش النظامي بهزيمته أمام هجوم تنظيم داعش بإمكاناته في يونيو 2014 وأساليبه المعروفة.

أسرار تلعفر العسكرية ستؤرخ للتهاون ليس في عدم مواجهة داعش أثناء احتلال الموصل، بل في عدم تجميع القطعات وشن هجوم مقابل سريع ومباغت خلال أيام في وضع كان فيه التنظيم مشتتا ويعاني من عدم الثبات والاستقرار.

في معركة تلعفر غابت شراسة التنظيم التي روج لها الإعلام في الموصل، وتبين أن مقاتليه يفضلون الأسر مع تخليهم عن استخدام المدنيين كدروع بشرية. تبعتها صفقة داعش في جرود عرسال اللبنانية لتجرد لنا التنظيم من الصدمة والترويع.

هل الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان خطوة استباقية لنتائج الانتخابات العراقية القادمة وتوقعات استغلال مرحلة ما بعد تدمير الموصل، وهي مدعمة كذلك بالتضحيات التي ينتفع منها ائتلاف دولة القانون وزعيم حزب الدعوة الحاكم نوري المالكي الذي يرسخ الدور السياسي لميليشيات الحشد الشعبي.

نوري المالكي بصريح العبارة يقود المشروع الإيراني في العراق بما يقترب من المناصفة مع قاسم سليماني وحاشية عقائدية مرتبطة تماماً بالمرشد خامنئي. المالكي طلب مؤخراً من حيدر العبادي رئيس الوزراء الحالي الدخول في الانتخابات المقبلة بقائمة واحدة.

تطويق الاستفتاء بالتصريحات والرفض والتهديد المعلن من ميليشيات الحشد الشعبي، مع التشنجات والقرارات التي لن تزيد الأحزاب والفصائل الكردية إلا تقارباً فيما بينها رغم الخلافات بين الحزبين الرئيسيين، ومفارقة داعميهم سواء إيران أو تركيا مع علمنا أنهما رافضتان للاستفتاء إلا أنهما لاعبان أساسيان في كفة التوازنات الجيوسياسية على اعتبار الحدود لكل من أربيل والسليمانية مع كلا الدولتين يضاف إليها تاريخ العلاقة وتأثيرها على الاستفتاء أو تأجيله.

توازنات الدولة العظمى، الولايات المتحدة، لا يمكن إنكارها، وروسيا كذلك فهي تتحكم في الملف السوري ومستقبله. أميركا متواجدة في كردستان العراق. تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه واقع المتغيرات في كركوك.

إيران على ثقة من أن إرادة العراق السياسية محتجزة لمشروعها، وعلى هذا الأساس تتصرف مع إقليم كردستان كإرادة لدولة مجاورة لها خصوصيتها مع قضية الأكراد زائداً دور الأدوات الإيرانية في العراق من أحزاب وكتل برلمانية وحرس ثوري بأزياء الحشد الشعبي، أي إنها مستعدة لخوض الحرب بدماء عراقية طبعاً ومن كل الأطراف.

مبررات الاستفتاء فيها العديد من التناقضات لكنها لا تنتقص من حق الأكراد في تقرير المصير كباقي شعوب العالم. التجربة السياسية في العراق وعلى مدى 14 سنة مؤكد لا يمكن البناء عليها. تبديد في الثروات وخروقات في الدستور وحقوق الإنسـان والتغيير الديموغرافي المـذهبي جليٌ في العراق. وكلها تجارب أدت إلى احتضان كردستان لنسبة نزوح تتجاوز طاقتها، في وقت رفضت فيه السلطة الحاكمة في بغداد استضافة سكان المدن المنكوبة ولم تفتح أبوابها لهم وجسر بزيبز شاهد على المأساة.

العراق في مفترق طرق، وشعبه رغم الويلات التي أصابته في صميم تكوينه إلا أنه يرفض الاستسلام لواقع التقسيم على أمل أن يتعافى من نكبة تسليمه إلى إيران.

نعتقد أن الاستفتاء في وجه آخر هو صدمة تقترب من صدمة الاحتلال لكن في اتجاه تعافي العراق ويقظته وعودة ذاكرته، وذلك لا علاقة له بالسياسيين بل له علاقة بالشعب العراقي عرباً وأكرادا وتركماناً وأيزيديين، وأديانا ومذاهب وطوائف.

الاستفتاء نداء لثورة شعبية يتضامن فيها العراقيون لمحاسبة 14 سنة من هدر الدم والكرامة والسيادة وتعميم الفوارق بين أبناء الوطن الواحد. هل كان في العراق من يكره أخاه المواطن لقوميته أو دينه أو عرقه أو مذهبه؟ التعايش سمة أهل العراق ولنا في كل أسرة مثل.

المدن المدمرة، وأهلنا في الخيام، ومجزرة سبايكر، واختطاف الآلاف، والفساد المالي والسـرقات، والعصابات والميليشيات، وصفقة داعش، وصور خامنئي والخميني في شوارع العراق، والفقر، والأزمات المتتالية، والتحريض على العنـف، والمقـاتلون خارج الحدود، وملايين اللاجئين في دول العالم، وكركوك نارنا الأزلية، تلك النار التي كانت لسنين طوال عنواناً لرسائل الحب.

الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان عن العراق هو هزة ضمير لكتابة تاريخ انتهاء صلاحية العملاء والخونة وتجار الدم والفتن والحروب ومشروع إيران.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات