هدنة الجنوب السوري إلى أين تتجه؟

هدنة الجنوب السوري إلى أين تتجه؟
لقد جاءت موافقة الروس والإيرانيين على إيقاف العمليات العسكرية في الجنوب الغربي من سورية عند الحدود مع الأردن وإسرائيل، وفق صفقة روسية -أمريكية للاعتراف بحق إيران في جبهات قتال أخرى مثل الريف الشرقي من بادية السويداء وصولاً إلى بادية الحماد ومن ثم دير الزور، وكثير من الجبهات الداخلية الأهم من جبهة الجنوب الغربي من سورية. 

والملاحظ من خلال اتفاقية تخفيف التصعيد والتوتر هو التركيز على الجنوب الغربي من سورية الخط المحاذي للجولان السوري المحتل والجبهة مع إسرائيل، وترك الجنوب الشرقي من دون أي أُطر ومحددات، كي يبقى مفتوحاً على كل الاحتمالات. 

هدف الأطراف من الهدنة في الجنوب

بعد الانتقال من أروقة مفاوضات جنيف إلى محادثات أستانا وتغيير الأطر السياسية والقانونية للقرارات الدولية الخاصة بالقضية السورية، وتوقف معظم جبهات القتال، وجدت المعارضة نفسها هدفاً ورهينة للمصالح الإقليمية والدولية. 

‎فالكل كان قد وضع خطته لاحتواء وإحباط الثورة السورية، وجعلها أهم وأكبر نموذج لفشل الثورات العربية المقبلة. وجعل سوريا مقبرة لكل من يحاول الخروج عن نظام الوصاية الاستعماري، لقد كانت أمريكا تسعى إلى تثبيت كل طرف من الأطراف في موقع سيطرته، ورسم خطوط هدنة بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة بما يتوافق مع أمن إسرائيل في المنطقة، وعدم السماح للثوار بمقاتلة النظام وسحب الدعم من كل فصيل يقاتل قوات وميليشيات الأسد كما حدث مع فصيل شهداء القريتين، وأكبر برهان ساطع هو ماجرى في منطقة شرقي السويداء من انسحاب قوات جيش العشائر من نقاط الرباط دون سابق إنذار، وسيطرة قوات الأسد وميليشيات جيش التحرير الفلسطيني ونسور الزوبعة التابع للحزب السوري القومي وحزب التوحيد والحرس الجمهوري والدفاع الوطني، على مخافر الحراسة في الحدود الشرقية على الحدود السورية الأردنية مقابل الريف الشرقي للسويداء بطول 100 كم، ما هو إلا ترجمة للأوامر الأمريكية بعدم قتال قوات نظام الأسد والميليشيات الداعمة له والسماح لها بالتمدد على حساب المناطق المحررة. 

إضافة إلى جميع النقاط التي كان يسيطر عليها "جيش أحرار العشائر"؛ دير الشعاب وبئر الصابوني وبئر الصوت وتل قرين وتل أسدي وتل الرياحين، وهي نقاط ذات أهمية إستراتيجية على خط الحدود مع الأردن ، ولم يبق للثوار سوى شريط على حدود ريف دمشق الجنوبي الشرقي مع الأردن، بالإضافة إلى شريط حدودي مع العراق ممتد على محافظتي ريف دمشق وحمص، والتي تضم معبراً حدودياً هو معبر التنف، الواصل بين سورية والعراق، والطامة الكبرى تتجلى في محاصرة المدنيين النازحين في بادية السويداء التي باتت شبه محاصرة، بعد التقدم اﻷخير للقوات اﻹيرانية وحركة النجباء العراقية في بادية الحماد، وهذا يرمي بالمجمل فتح معبر بري بديلا من معبر نصيب الحدودي قريباً من الحدود السورية الأردنية العراقية. 

روسيا المستفيد الأكبر

أما المحتل الروسي المستفيد الأكبر من العمليات في سوريا من أجل تدريب قواته بكلفة رخيصة في ظروف حرب حقيقية وتجريب أسلحتها الحديثة والترويج لها، وبعث رسائل داخلية وخارجية حول قوة الجيش والأساطيل الروسية، كان يهدف إلى السيطرة على زمام الأمور في سورية وتأمين حدود إسرائيل وضمان أمنها وحماية منطقة النظام في الجنوب للحفاظ على المكاسب الجيوسياسية التي حققتها من الحرب في سورية، ونشر الشرطة العسكرية من قواته في الجنوب لتثبيت جبهات النظام مع الثوار من أجل تأمين انتقال قوات النظام إلى جبهات أخرى في البادية والرقة ودير الزور.

أما هدف النظام وإيران المتطابقان في الكثير من الرؤى في الجنوب فهي تؤجل فقط ملف الجنوب وتطبخه على نار هادئة حطبها الاغتيالات والمتفجرات والعمليات الانتحارية، وتغيير خارطة الفصائل المسلحة وبلورتها إما على أساس أيديولوجيات مختلفة أو على أساس عشائري، من أجل الانتقال إلى مرحلة صراع الميليشيات، من أجل خلق مناخ سيء في كل المناطق بتداخلاتها وتعقيداتها.

أجندات النظام

وماجرى في الأسبوع الماضي من تفجير مستودع الألغام غرب مدينة درعا، والعملية الانتحارية في معسكر مبيت عناصر جيش الإسلام بالقرب من نصيب، والعبوات المتفجرة على طرق تنقل الثوار في المناطق المحررة التي تستهدف القادة والمسؤولين منهم، والتي يزرعها عناصر الخلايا النائمة في المنطقة التي تدربت في معسكر تل الخالدية وتل دكوة بإشراف فرع الأمن العسكري بالسويداء التي قاتلت في حوش حماد وسد الزلف في ريف السويداء الشرقي وسلمته لحزب التوحيد بقيادة وئام وهاب الذي يقود ميليشيات لبنانية متطرفة تساند نظام الأسد لتعود من جديد وتنفذ ما تبقى لها من مشاريع يخططها ويرسمها لها نظام الأسد في الجنوب السوري واضعة كل فصائله ومواقعه الحساسة تحت مجهر المخابرات لتعيث به فسادا  في ظل غياب أدنى درجات الأمن والحذر اللازمين . 

إضافة إلى محاولة بث الفوضى والتفرقة بين الفصائل والتقاتل على أسس مناطقية وعشائرية من خلال أزلام نظام الأسد في المنطقة واستغلال الدواعش في حوض اليرموك وتسخيرهم في محرقة الجنوب بمسلسل التفجيرات كما حدث عند تفجير نوى بدرعا بهجوم داعشي انتحاري أدت لاستشهاد وجرح الكثير ومن بينهم محافظ درعا يعقوب العمار.

لذا فالجنوب لن يستمر طويلاً في هدنته المزعومة فإن كان ينعم بشيء من الهدوء ما هو إلا هدوء يسبق العاصفة، التي ستهب عليه عند الانتهاء من معركة البادية والرقة ودير الزور. وسيتخللها الكثير من الاغتيالات والمتفجرات والعبوات الناسفة على الطرقات وفي عربات القادة والانتحاريين في المقرات وأماكن الاجتماعات. 

التعليقات (1)

    التاريخ يتكلم

    ·منذ 6 سنوات 7 أشهر
    التاريخ يقول ان الروس دائما خاسرين والامركان دائما هم الرابحين \\ انتظر لترى ماذا تخبئ امريكا لروسيا في سوريا \\ احمق من يعتقد ان امريكا ستسمح لروسيا بالانتصار في سوريا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات