استمرار التصعيد بين ألمانيا وتركيا.. أهي القطيعة أم أن للتاريخ كلاما آخر ؟

استمرار التصعيد بين ألمانيا وتركيا.. أهي القطيعة أم أن للتاريخ كلاما آخر ؟
شكل كلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم السبت الماضي، محطة هادئة في حرب التصريحات المتبادلة بين بلاده وألمانيا، حيث تحدث في مؤتمر صحفي بمطار أتاتورك، في إسطنبول، عن شراكة استراتيجية قديمة تربط تركيا بألمانيا، وأشار لضرورة عدم اتخاذ إجراءات تؤثر على طبيعة هذه الشراكة، وتفاءل المراقبون بأن تكون هذه التصريحات بداية للتهدئة بين البلدين بعد وصول التصعيد حده.

تجاوزت الحدود

وكان " مارتن شولتز" مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي لمنصب المستشار الألماني طالب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لتوجيه انتقادات واضحة للرئيس التركي أردوغان الذي تجاوز حدود ما يمكن تحمله، بحسب شولتز، وأنه لا يمكن لرئيسة الحكومة الاستمرار بالصمت عن ذلك.

كلام شولتز جاء بعد اعتقال السلطات التركية لناشط حقوقي ألماني "بيتر شتويتنر" بتهمة تقديم الدعم لمنظمة إرهابية مسلّحة.

سلسلة من العقوبات

من جانبها سارعت حكومة ميركل إلى التهديد باتخاذ إجراءات عقابية بحق تركيا وقالت الخارجية الألمانية أنها ستتخذ سلسلة تدابير اقتصادية تطال السياحة والاستثمار، مؤكدة أنها ستعيد النظر في مجمل سياساتها حيال أنقرة بسبب اعتقال ناشطين حقوقيين، والتدبير الأول الملموس هو تشديد تحذيرات وزارة الخارجية المتعلقة بالسفر إلى تركيا، التي تعتبر الوجهة المفضلة لدى السياح الألمان.

وقالت الوزارة إنها لم تعد قادرة على "ضمان سلامة مواطنيها" في ظل الاعتقالات الجماعية "الاعتباطية"، في خطوة يتوقع أن تؤثر سلبا على الاقتصاد التركي.

ميركل ترد أيضاً

 واتهم وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل، الذي قطع إجازته وعاد إلى برلين، أنقرة بإسكات "كل صوت منتقد" وارتكاب انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان رأى أنها "تبعد تركيا عن قيم أوروبا الجوهرية" وقيم الحلف الأطلسي و"لا يمكن أن تبقى من دون عواقب".

وبشأن إعادة النظر في السياسة الخارجية الألمانية تجاه أنقرة قالت المستشارة أنغيلا ميركل بأنه أمر "ضروري ولا بد منه"، واعتبر غابرييل أنه يشمل إعادة النظر في القروض والضمانات الحكومية الألمانية للاستثمار في تركيا أو الدعم المالي للصادرات.

الانتخابات البرلمانية الألمانية على الأبواب

ورأى مراقبون أن التصعيد الألماني يأتي مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية الألمانية، حيث يحاول الساسة الألمان استخدام ورقة تصعيد التوتر مع تركيا بهدف استخدامها لغايات انتخابية، ولذلك ظهرت استجابة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لدعوة منافسها شولتز من خلال دعمها للتوجه الجديد الذي اتخذته ألمانيا في الآونة الأخيرة تجاه تركيا.

من طرفها لم تتوان تركيا عن الرد على ما اعتبرته تدخلاً ألمانياً بسياستها الداخلية و أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يوم الجمعة، 21 يوليو/تموز، أن بلاده لن تخيفها "تهديدات" ألمانيا، وذلك في أوج توتر العلاقات بين البلدين مدافعاً عن استقلالية القضاء التركي في مواجهة انتقادات برلين.

وقال اردوغان "لا يمكنهم اخافتنا بهذه التهديدات" ان القضاء التركي مستقل أكثر مما هو القضاء في ألمانيا.

وأضاف تعليقا على اتهامات الحكومة الألمانية لبلاده، إنه لا توجد قوة بإمكانها تشويه صورة تركيا "هناك محاولات لممارسة الضغوط على الشركات الألمانية(في تركيا) عبر دعايات مغرضة".

أغنية ساخرة!

وكانت أغنية ساخرة ظهرت في أحد البرامج التلفزيونية الألمانية، آذار 2016، تتكلم عن أردوغان سبباً لتوتر العلاقات بين تركيا وألمانيا حيث طالبت تركيا وقتها ألمانيا بمعاقبة المحطة التي أذاعت الأغنية.

قبل الحرب العالمية الأولى "أخوة السلاح"

وبعيداً عن مآل العلاقة التركية الألمانية التي وصلت إليها مؤخراً من شد وجذب، إلا أنها لم تكن بهذا المنحى المتوتر سابقاً، حيث شهدت هذه العلاقة توافقاً تشهد الوثائق التاريخية عليه وتعدّ صداقة البلدين من أقوى العلاقات السياسية على مر التاريخ.

إذ يرجع هذا التوافق لزمن السلطان عبد الحميد الثاني الذي عمل على التقرب من ألمانيا بحكم أنها الدولة الوحيدة المنافسة للدول الإمبريالية الطامعة في الدولة العثمانية، وأعطى لألمانيا العديد من الامتيازات 

السياسية الاقتصادية.

هذا واستمر الود الشديد بين الدولتين في عهد حكومة الاتحاد والترقي عام 1909 وبلغت أوجها بتأسيس اتفاقيتي "الصداقة التاريخية" و"أخوة السلاح".

وعلى إثر هاتين الاتفاقيتين ساندت تركيا حليفتها ألمانيا في الحرب العالمية الأولى ما قضى على الدولة العثمانية بشكل كامل بعد خسارة الحرب، ليتم تأسيس الجمهورية التركية التي عملت على بناء علاقات اقتصادية طبيعية مع الدول كافة بما فيها ألمانيا.

من أجل ألمانيا..

واستمر موقف تركيا بالحياد والتذبذب حتى الحرب العالمية الثانية التي عادت فيها ووقعت معاهدة صداقة مع ألمانيا من جديد.

حياد تركيا المعلن لم يمنعها من تحويل بلادها إلى حليف غير محارب لألمانيا خاصة بعد مهاجمة الأخيرة للاتحاد السوفيتي في عام 1941.

ومن أجل ألمانيا، خرقت تركيا بنوداً من "معاهدة المضيق" عدة مرات خلال سنوات الحرب عندما سمحت لسفن وبارجات حربية ألمانية عبور المضيق كما زادت الصادرات التركية إلى ألمانيا  بنسبة ضخمة.

ألمانيا بأيدٍ تركيّة

صداقة تركيا وألمانيا لم تتوقف عند هذا الحد بل استمرت حتى بعد الحرب العالمية الثانية، إذ استخدمت ألمانيا الغربية سابقاً العمال الأتراك لإعادة إعمار بلدها بعد الحرب خاصة في فترة الطفرة الاقتصادية التي عانت منها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

وبذلك يكون تقارب البلدين تاريخياً خصوصاً مع وجود اكبر جالية تركيّة في العالم في ألمانيا والتي تقدّر بثلاثة ملايين تركي.

ويرى مراقبون أن عراقة العلاقات التركية الألمانية وتجذرها بين البلدين هو الكفيل عند كل انتكاسة على العودة لعلاقات قوية بين الطرفين، ولكن السنوات القليلة الماضية شهدت فصولاً مختلفة من هذه العلاقة كانت بأغلبها غائمة فهل تصفو الأجواء بين البلدين بمعية تاريخية؟

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات