"مقاتل" بلا أطراف ... قنبلة موقوتة على وشك الانفجار

"مقاتل" بلا أطراف ... قنبلة موقوتة على وشك الانفجار
لم يكن تركيز بشار الاسد وعائلته على زيارة المتضررين جسديا من الدفاع عنه خلال عيد الفطر  أمرا عفويا، اختيار هذه الشريحة من الموالين جاء لتنفيس احتقان وصل حد الانفجار، فالاهمال وسوء المعاملة هو أكثر ما يتعرض له المصابون من مقاتليه ببتر اول شلل في القسم السفلي من الجسد، لاسيما ممن يندرجون في صفوف القوات الرديفة ، الذين يتمنى كثيرون منهم لو أنهم توفوا بدلا أن يعيشوا فاقدي الاطراف, ليتحولوا لملف ضخم أصبح عبئا على النظام وذويهم  في آن معا. 

شكوى لا تنتهي

 يرقد مدين( 21 عاما) حاليا بلا قدمين في منزله الكائن بقرية زاما بريف جبلة، الشاب الذي سيق للخدمة العسكرية الالزامية منذ ثلاثة أعوام  أصيب بصاروخ موجه أطلقه مقاتلو المعارضة على نقطة رباطه في جبهة درعا، لا يرغب مدين في الحديث مطولا عما جرى، لكنه متوجس من مستقبل مجهول ينتظره، " ليس لدي قدرة مادية على التوجه للمراكز الخاصة بتأمين الأطراف الصناعية، اعتبر هذا الامر حلما بالنسبة لي، كما ان الأدوية مرتفعة السعر ولا توفرها مديرية الصحة بشكل دائم، ناهيك عن المعاملة السيئة من قبل الأطباء والممرضات هناك".

يعتقد مدين أن الوساطة تلعب دورا في تسيير هذه الامور، و"الفقير لا وسيط  لديه" على حد تعبيره، منوها ان الكثير من الجرحى يأملون لو انهم استشهدوا بدلا من الاصابة ، فمجرد تعويض أسرة الشهيد بقليل من الأموال والمعونات الشهرية يعتبر أمرا مرضيا بالنسبة لمصاب لا يحصل على أي شيء كما قال.

حالة مدين هي واحدة من مجموعة حالات لا احد يكترث أو يسمع بها، ويؤكد مروان المتطوع في إحدى الجمعيات الاهلية التي تعنى بهذه الحالات أن "مجرد المرور على مشفى زاهي ازرق العسكري في اللاذقية بعد كل معركة، ستظهر الوضع المأساوي لفاقدي الاطراف الذين تقدر اعدادهم بالعشرات بعد كل مواجهة".

 ويرى مروان ان المقاتلين في القوات الرديفة يصنفون كجرحى من الدرجة الثانية، اذ إن الأولوية هي لمقاتلي الجيش، أما الميليشيات المدعومة ماديا كصقور الصحراء فتتولى قيادتها تدبير امر جرحاها، ليكون مقاتلو البعث والدفاع الوطني الأقل حظا في الحصول على مساعدات طبية واطراف صناعية. مروان الذي يسعى ليكون صلة وصل بين المصابين ومراكز تأمين الاطراف يعتمد بشكل كبير على المتبرعين لتأمين المواصلات ومصاريف التوجه لتلك المراكز التي يراها " توفر كل شيء الا الخبراء".

https://orient-news.net/news_images/17_7/1499593257.jpg'>

حاجة ملحة

تحديد رقم دقيق لعدد المصابين من مقاتلي جيش النظام والقوات الرديفة له أشبه بالمستحيل، مصادر خاصة أكدت لاورينت وجود قوائم لدى المشافي العسكرية تضم اسماء الداخلين والخارجين من العساكر المصابين، لكن تحديد المصابين ببتر الاطراف يعتبر مستحيلا في الفترة الحالية، نظرا لازدياد العدد بشكل يومي، ووجود بعض المصابين غير المسجلين الذين قرروا الانعزال  ضمن قراهم البعيدة بعد خسارة اطرافهم، ودخولهم في حالة نفسية سيئة جراء وضعهم الجسدي الجديد.

الحصول على الخدمات الأساسية لفاقدي الاطراف كان أمرا شبه معدوم في بداية المواجهة المسلحة بين الثوار وميليشيات النظام، مركز الاطراف الصناعية التابع لمشفى حاميش في دمشق تولى أمر تأمين الاطراف لفاقديها حسب امكاناته، لكن الضغط الهائل وكثرة الطلب دفع النظام لافتتاح مركز جديد في محافظة طرطوس لتغطية الساحل السوري منذ قرابة عامين، لكن يبقى الوصول لجميع المتضررين بمثابة المهمة المستحيلة ،لاسيما القابعين في قراهم البعيدة من ذوي الدخل المعدوم، او المتيقنين بعدم جدوى التوجه لهذه المراكز التي سمعوا عنها اخبارا لم تسرهم كثيرا.

أحد الأطباء العاملين في مركز حاميش والذي كان مصدرنا لأغلب المعلومات أكد أن" أسماء الأسد تشرف بشكل شخصي حاليا على تلبية طلبات مركز حاميش من خلال برنامج (جريح الوطن) الذي أطلقته الأمانة السورية للتنمية التابعة لها منذ عام تقريبا، الأمانة قامت برفد المركز ببعض الاجهزة التقنية اللازمة للعمل، لكن عدد المستفيدين لم يتجاوز العشرات  لتكون الحصيلة النهائية للحاصلين على اطراف صناعية من المتضررين لا يتجاوز 1500 مصابا ".

https://orient-news.net/news_images/17_7/1499593443.jpg'>

الطبيب أكد لنا ان الحاجة هائلة وتفوق كل التوقعات، خاصة في منطقة الساحل السوري ، الخزان الرئيسي لمقاتلي النظام، كثرة الطلب وقلة الاستجابة في المراكز المتخصصة دفعت النظام لوضع خطة متكاملة لافتتاح مركز آخر في محافظة اللاذقية لتغطيها مع سهل الغاب، حيث تم وضع المخططات اللازمة لتجهيز مشفى زاهي ازرق العسكري كمركز للاطراف الصناعية، على ان يستقبل مشفى الاسد المصابين العسكريين فقط دون غيرهم.

علاجات خاطئة

مصدرنا في مركز حاميش للاطراف الصناعية اشار بدوره الى نقص الخبرات العاملة في هذا المجال، معيدا الأمر الى هجرة الشباب واصحاب الخبرات خارج البلاد بحثا عن امانهم الشخصي، وقال الطبيب "نحاول رفد المراكز بالخريجين الجدد حاليا، كما اننا نرسلهم للتدرب في لبنان وبعض الدول الصديقة، لكن اكتساب الخبرة تحتاج وقتا نعتبره كاخصائيين عاملا قاتلا في هذا الظرف الحرج الذي نمر به". 

كلام الطبيب أكده أيضا الشاب فادي، التقني في مجال الاطراف الصناعية ضمن  احدى الجمعيات الخيرية المسيحية الناشطة مؤخرا في هذا المجال باللاذقية، فادي سرد حادثة لمصاب بترت قدمه وتم تركيب طرف صناعي له في مركز حاميش ، واوضح فادي الذي تولى أمر اصلاح الطرف الصناعي للجريح ان " قياس الطرف كان أكبر من القدم المبتورة نظرا لتركيبه بسرعة دون انتظار اندمال الجرح بشكل تام، مما جعل المريض بحاجة لطرف آخر يناسب وضعه، لكن تبديل الطرف يعتبر امرا بالغ الصعوبة، نظرا للضغط الشديد على المراكز التي أعلنت ان المصاب لا يمكنه الحصول الا على طرف واحد طوال حياته".

غياب الثقة

يتنهد الدكتور زياد اخصائي الجراحة العظمية قبل الحديث عن موضوع فاقدي الاطراف، يتهمهم زياد بالطمع واستغلال الوضع للحصول على مكاسب تخصهم، "هم كثيرو الشكوى، لا يقدرون ما نقدمه لهم، صوتهم عالٍ ، جاهزون لاختلاق مشاكل واتهامنا بالتقصير, يريدون المال...المال ولاشيء سواه".

يشك الاطباء المتعاطون مع الجرحى بصدق نواياهم، حوادث كثيرة سجلت لبيع الجرحى لأطرافهم بعد الحصول عليها مجانا، " تبلغ كلفة الطرف الواحد ما يعادل خمسة آلاف دولار، تخيل انهم يبيعونها دون تقدير لما نقوم به لتأمينها" يتابع زياد لافتا ان المراكز تعتمد بشكل كبير على تمويل المغتربين السوريين خاصة الامريكيين منهم، " الأمانة السورية تعطينا المال لكن المغتربين هم المصدر الأكبر لنا، الجرحى لا يعلمون ما نعانيه لتأمين هذه الاطراف من أهم المراكز العالمية، يأتون الينا ولديهم حقد وطمع بالحصول على تعويض مالي معين، ولا يتقنعون أننا لا نقدم أموالا فيتهموننا بسرقة حقوقهم" يضيف زياد.

لا يؤمن الدكتور زياد بأن الفقر والحاجة يمكن ان تدفع الجريح لبيع الطرف الذي حصل عليه بالمجان، يعتقد ان تأمين الطرف هو وسيلة للجريح ليعاود حياته من جديد ليصبح منتجا ومفيدا لمحيطه، " يستطيع المصاب القيادة والعمل والزواج واداء معظم الوظائف الحيوية، لكنهم يبيعون الاطراف للحصول على المال ويأتون الينا للحصول على بديل ولا يعلمون انه لا يحق لهم سوى طرف واحد لكل ساق او ذراع، واعتقد انه قانون محق، فالحاجة كبيرة والطامعون بتوظيف وضعهم لتحقيق مكاسب كثر، وهم ويشوهون سمعة الجرحى الباحثين عن غد أفضل لهم ولأسرهم".

انهيار نفسي

تحاول مراكز الأطراف الصناعية توفير جلسات دعم نفسي تخرج الجريح من حالة متردية تنعكس على محيطه، لا يتقبل الكثير من الجرحى وضعهم الجديد، كارلا العاملة في هذا المجال أشارت الى ان " الارداة وحدها هي كلمة السر لتجاوز الكارثة الجسدية التي وقعت للمقاتل وبدونها لا يمكن أن يصل المعالج النفسي لأي نتيجة".

تؤكد كارلا ان:" كثيرا من فاقدي الاطراف يعتقدون ان النظام تخلى عنهم، يريدون كل شيء، وظيفة ومعونة وتعويضا ماليا، يقارنون دائما بين وضعهم ووضع من فقد حياته ، لا يستوعبون انهم فقدوا اطرافهم دفاعا عن الوطن ويذكرون المعالج بأبناء المسؤولين القابعين في قصورهم دون قتال، من الصعب ان تعود نفسيتهم لوضعها الطبيعي دون تشويش أو حنق، خاصة وان عددا منهم قد تخلت عنهم زوجاتهم وحبيباتهم بعد الاصابة".

 الجهات الأهلية بدورها من جمعيات ومنظمات تحاول ان تلعب دورا في الدعم النفسي الخاص بهذه الشرائح، محاولات تراها كارلا محدودة التأثير لاسيما وان هذه الجمعيات لا تستعين بمتخصصين حقيقيين، كما ان امكاناتها المتواضعة تجعل الوصول الى حالتين في العام لكل منها انجاز رائع تعتز به هذه الجمعيات، " هي مشكلة النظام بالمقام الأول" ، تستطرد كارلا معتبرة ان تاجيل الملف أو معالجته على عجل كما هو حاصل الآن سيؤدي الى انفجار لا تحمد عقباه.

هل يحصل الانفجار؟

 التقارير اليومية التي ترد للأمانة السورية للتنمية حول خطورة الوضع، والمشاكل التي يفتعلها الجرحى والمقعدون في كل مكان، ولعل آخرها ما تم تسريبه ضمن احدى مشافي حمص عن مشادة كلامية بين جريح ووزير الصحة في حكومة النظام، والشتائم الواردة في التسجيل للوزير ومدير المشفى،  نبهت عائلة الأسد وعلى رأسهم أسماء لخطورة الوضع، مما جعل القصر يرتب زيارات لعدد من الجرحى في حماة وريف اللاذقية تمت مراسمها على عجل، زيارات يراها كثيرون عديمة التأثير، خاصة وان الهدف الحقيقي منها ليس الاطلاع على وضع الجريح وطلباته ومشاكله، بل مجرد الترويج لشعبية الأسد بين أشد مؤيديه تضررا في سبيل الدفاع عنه.

https://orient-news.net/news_images/17_7/1499593279.jpg'>

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات