ترامب وحده مطالب.. ماذا عن طهران وموسكو؟

ترامب وحده مطالب.. ماذا عن طهران وموسكو؟
المتصارعون على تركة "داعش" سيجدون أنفسهم جميعاً أمام الحاجة إلى سياسات جديدة بعد هزيمة التنظيم.  تبدو إدارة الرئيس دونالد ترامب كأنها وحدها مدعوة إلى توضيح رؤيتها لـ "اليوم التالي". وذلك لأنها تصب كل جهودها على محاربة الإرهابيين. 

في حين يركز النظام وحلفاؤه من الميليشيات التي يقودها "فيلق القدس" حملاتهم على الفصائل المعارضة لكسب مزيد من الأرض. والكرد أيضاً الذين يشكلون القوة البرية الضاربة في هذا القتال ويحظون بدعم سخي من واشنطن و "التحالف الدولي" يراهنون هم أيضاً على كسب مزيد من الأرض، شأنهم شأن "البيشمركة" في العراق. 

أما روسيا فيعنيها أن تبقى قنواتها مفتوحة مع جميع اللاعبين ليتسنى لها الاستئثار برسم قواعد اللعبة. أميركا مدعوة قبل غيرها لأنها ستجد نفسها في غضون أيام مع اقتراب تحرير الموصل وتضييق الخناق على الرقة، أمام معركة شرسة مع إيران إذا كان عليها أن تترجم حملتها لتطويق نفوذ الجمهورية الإسلامية في المنطقة. وقد برهنت الأخيرة إثر الغزو الأميركي للعراق على قدرتها في مقارعة الأميركيين ودفعهم إلى الخروج من بلاد الرافدين. وهي اليوم تحظى بدعم روسي واضح يسهل عليها تحقيق استراتيجيتها.

يصعب التسليم بأن إيران ستكون قادرة على إدارة كل مناطق انتشارها. كان يقال أن القوة العظمى الأولى ليست قادرة على شن أكثر من حربين في آن واحد، فكيف يمكن طهران أن تخوض هذه السلسلة الطويلة من الحروب؟ لا شك في أن تمددها الحالي في المحافظات الغربية في العراق وفي مناطق شرق سورية وشمالها فرضته وتفرضه الحرب على تنظيم "الدولة". لكن الأمر لن يبقى كذلك بعد هزيمة "داعش". 

لن يسكت أهل السنة في هذه المناطق. صحيح أن بعض العشائر السنية في الأنبار وغيرها يقيم حالياً تحالفاً مع "الحشد الشعبي". لكن الغالبية ستدفع هؤلاء إلى مراجعة حساباتهم. يعني هذا الاستعداد لحروب من نوع آخر. لذلك من العبث أن يواصل "الحرس الثوري" بميليشياته استراتيجية دحر كل الفصائل في سورية وتحقيق "نصر مؤزّر" كالذي تحقق في اليمن! يستحيل أن يحكم قبضته على الغالبية السكانية على رغم ما لحق بها من قتل وتهجير وتدمير مدن ودساكر. صحيح أن تجربة العراق بعد الغزو الأميركي منحت الجمهورية الإسلامية فرصة "وراثة" سلطة صدام حسين في بغداد، ونجحت في تمكين القوى الشيعية على اختلافها من تقاسم مواقع الدولة ومؤسساتها كافة. لكن الصحيح أيضاً أن التمكين هذا ظل منقوصاً؛ فالقوى السنية التي أُخرجت من العملية السياسية سهلت قيام "قاعدة أبي مصعب الزرقاوي". 

ولولا "الصحوات" التي وُعدت بتصحيح الخلل السياسي في حكم البلاد لما انتهت تلك المرحلة بهزيمة الرجل الإرهابي. وتكرر الأمر مع "أبي بكر البغدادي" الذي سهلت له سياسات نوري المالكي الفئوية ومناكفته القوى السنية، الأرض لإعلان "دولة الخلافة" وإغراق المنطقة في دوامة القتل والعنف الأعمى والتدمير والتهجير.

ومهما تباهت طهران بحضورها في أربع عواصم عربية، إلا أن هذا الحضور لم ولن يحجب حضور الآخرين. ولا حاجة إلى ذكر ما تعاني مع حلفائها في اليمن. وكذلك في لبنان حيث من "حسنات" الصيغة الطائفية أن لا قدرة لطائفة على إلغاء شريكاتها. أما العراق فلم يعرف إلى الآن الهدوء المرجو. ولا القوى والأحزاب الممسكة بالسلطة أو تلك التي خارجها عرفت بعد عقد ونصف عقد كيف تتوافق على إدارة اللعبة السياسية بحدها الأدنى. ولن يكون بمقدور ميليشيات "الحرس الثوري" أن تحكم سيطرتها على المحافظات الغربية في العراق. سيغرق في حرب استنزاف، وستولد مرحلة ما بعد "داعش" حروباً أشد خطورة. أضف إلى ذلك أن القوى العراقية العربية بشقيها الشيعي والسني لم تنجح في التفاهم مع إقليم كردستان، على رغم أن الدستور الجديد نظم العلاقة بين الإقليم وبغداد مالياً ونفطياً وسياسياً، ووضع آلية لتسوية الخلاف على الأراضي المتنازع عليها. 

ولا حاجة إلى التذكير بالخلافات والتهديدات المتبادلة بين زعيم "دولة القانون" ورئيس الإقليم مسعود بارزاني الذي لا يفكر لحظة في التنازل عن كركوك والمناطق التي حررتها قواته من "دولة الخلافة". وحتى "التفاهم" المرحلي القائم بين ميليشيات "الحشد" وقوى كردية تناصب رئاسة كردستان العداء قد ينهار في المحطات المفصلية التي يتعلق عليها مصير الكرد عموماً ومستقبلهم.

بالطبع يخشى الأميركيون أن تنزلق بلادهم إلى حروب جديدة في الشرق الأوسط. لكن إدارة ترامب تحاذر خوض مثل هذه المغامرة، تعتمد على حلفائها الكرد وبعض القوى السنية العربية، خصوصاً في سورية. لكن الرهان على هذين المكونين سيكون مغامرة محفوفة بالخطر. سيكون الوضع في مناطق وادي الفرات شرق سورية أكثر تعقيداً مما هي الحال مثلاً في محافظات غرب العراق. 

لا يعقل في نهاية المطاف أن يواصل الكرملين اعتماده على الميليشيات التي ترعاها إيران في بلاد الشام، أو أن يسمح لها بجره إلى مواجهة أو صدام مع الولايات المتحدة. أو أن تدفعه إلى التفريط بعلاقاته مع أهل السنة في الإقليم، خصوصاً دول الخليج النفطية. ما يعنيه في هذه المرحلة هو تهدئة اللعبة برسم قواعد أمنية مع طهران وأنقرة وعمان وتل أبيب وواشنطن. فهو يعرف أن الضغوط التي تمارسها هذه الأطراف على الفصائل المعارضة لا يمكن أن تؤسس لهدنة دائمة أو حل سياسي يوفر إعادة التعايش بين المكونات المتحاربة. وداعاً وحدات بلاد المشرق!

التعليقات (1)

    العجب ليس في تصرف الدول الخارجية ابتداء من تركيا ومرورا بايران وروسيا وانتهاء بامريكا فهي قد استلمت الازمة على طبق من ذهب ولكن العجب هو من المعارضة السورية بعد كل ما جرى ويجري حتى تسليم رقاب زعماء الم

    ·منذ 6 سنوات 8 أشهر
    العجب ليس في تصرف الدول الخارجية ابتداء من تركيا ومرورا بايران وروسيا وانتهاء بامريكا فهي قد استلمت الازمة على طبق من ذهب ولكن العجب هو من المعارضة السورية بعد كل ما جرى ويجري حتى تسليم رقاب زعماء المعارضة وخاصة العسكرية للنظام وحلفائه وهذا بالضبط ما تساعد به تركيا لذلك يجب ان تتفهم المعارضة وتقطع الطريق او تستسلم بميزات في حكومة الاسد اذا بقيت على حالها الراهن انظرو مناطق المعارضة اصابها الدمار ومناطق النظام ازدهرت بل كل مشاريع سورية في الساحل اصبحت يجب ان تقرر المعارضة اما التوحد وترك تركيا ا
1

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات