عن البغدادي الذي قتله الروس

عن البغدادي الذي قتله الروس
كشف الإعلان الروسي عن مقتل البغدادي عن رغبة موسكو في تصدر "الحرب على الإرهاب"، فركاكة الوقائع التي أوردها الإعلان وعدم حماسة وزارة الخارجية الروسية نفسها لما كشف عنها جنرالات جيشها، تدفع إلى الاعتقاد بأن الكرملين أراد من وراء الإعلان المشاركة في سبق، ذاك أن مقتل البغدادي في الخبر الروسي هو أمر محتمل بحسب البيان، وأن يصدر عن جيش محترف خبر يتضمن "احتمالاً" غير موثق، فإن ذلك يعني أن وظيفته ليست الكشف عن وقائع، بل الاستثمار فيها.

لكن الإعلان الروسي كشف عما هو أهم من ذلك، وهو هامشية أبو بكر البغدادي في التنظيم الذي يرأسه. البغدادي في "داعش" ليس أسامة بن لادن في "القاعدة" كما أنه ليس أبو مصعب الزرقاوي في "قاعدة العراق". فالرجلان شقا طريقهما إلى تصدر تنظيميهما عبر وقائع دموية وشاقة حفراها بأيديهما، أما البغدادي فقد جُهزت "الخلافة" له من خارج التنظيم، ولا يبدو أن للرجل قيمة عملانية على نحو ما كان لسلفيه بن لادن والزرقاوي. التقى مجموعة من ضباط الجيش العراقي السابق في سجن بوكا في البصرة وقرروا شكل القيادة وشعروا بالحاجة إلى صورة داعية، وبقي الرجل صورة طوال مرحلة قيادته التنظيم الممتدة حتى يومنا هذا.

الحرب الروسية على "داعش" هي تماماً حرب على صورة. نقاط المواجهة المباشرة في هذه الحرب تكاد تقتصر على بعض الجيوب في ريف حلب، وعلى غارات متقطعة على دير الزور والرقة. وتدمر، المدينة التي يتناوب على الاستيلاء عليها "داعش" وجيش النظام، تبدو الحرب فيها أشبه برقصة لا بمواجهة.

لا حرب روسية على "داعش" سوى تلك التي كشف عنها بيان الجيش الروسي الركيك. فموسكو ترى في ذلك التنظيم فرصتها لانتزاع "شرعية" لوجودها في سورية ليس أكثر، وما تصدعه سوى تهديد لمهمتها هناك. الصورة ضرورية في هذه الحرب، واهتزازها يعيد تحريك الموقع بما ينقذه من الركود. والإعلان عن مقتل البغدادي، وإن لم يكن صحيحاً، يعيد تذكير العالم بأن موسكو تحارب الإرهاب. وعلينا أن لا ننسى هنا الكشف الموثق عن تسهيل موسكو خروج مقاتلين روس من الجمهوريات الإسلامية إلى العراق وسورية عبر صفقات مع السلطات الروسية قضت بمنحهم جوازات سفر لمرة واحدة، وهو ما أدى إلى تخفف موسكو منهم في بلادهم وإلى تعزيزهم روايتها عن الحرب في سورية. قادة كبار في "داعش" وصلوا إلى سورية بواسطة جوازات سفر روسية شرعية، ونالوا تسهيلات خروج من السلطات الروسية، وتسهيلات دخول إلى سورية من السلطات التركية. ولم تقتصر هدايا الدول للـ "خليفة" على موسكو وأنقرة، فقد سبق أن أهدته طهران الموصل، وأهدته بغداد، تحت أنظار واشنطن، الحرية بأن أخلت سبيله هو والضباط الذين صنعوه.

البغدادي ليس أكثر من صورة، فالرجل لم يظهر إلا مرة واحدة. هو رجل بلا صوت، وبصورة واحدة، وباسم ملتبس أضيفت إليه ألقاب وأنساب حتى يستقيم. ما عرف عنه في تنظيمه أنه كان رجل البريد في زمن أسلافه ليس أكثر، وفجأة أسقطت "الخلافة" على رأسه وصار خليفة. موسكو أعلنت أنها قتلت هذا الرجل، وهذه الصورة. ليس مهماً ما سيحدثه فعل القتل، بل المهم ما سيحدثه الإعلان عنه.

لا أحد ينفي أو يؤكد صحة الإعلان. "داعش" لم يشعر بالحاجة إلى ذلك، إذ إن البغدادي ليس أكثر من صورة لا بأس من اهتزازها أحياناً. التحالف الدولي الذي لم يُظهر حماسة للإعلان الروسي، لم يشعر أنه بحاجة إلى التحقق من الخبر. لكن ذروة المفارقة كانت في بيان وزارة الخارجية الروسية الذي أشار إلى ضرورة التحقق من الخبر قبل إعلانه.

لطالما كانت لـ "داعش" وظيفة تتعدى الوقائع التي أحدثتها ولادة هذا التنظيم الرهيب. والمقدار الضئيل من الصحة الذي ينطوي عليه الخبر الروسي يعيد تذكيرنا بهامشية البغدادي في تنظيمه، ذاك أن الخبر أشار إلى أن مقتله ربما حصل قبل أكثر من شهر من اليوم. أكثر من شهر و "داعش" يعيش بلا "خليفة"، هذا الغياب العديم التأثير يكشف أيضاً حقيقة أن الرجل مجرد صورة، وأن وراء الصورة وهم رجل لا يعدو كونه منشداً ومجوداً، وأن ضباطاً في جيوش كثيرة صنعوا الصورة، وصنعوا لـ "داعش" خليفته.

التعليقات (3)

    سلاما

    ·منذ 6 سنوات 10 أشهر
    من داعش ؟! ألهؤلاء المحللين وكاتب المقال عقول يفقهون بها كيف يتوهمون ان البغدادى اقل ممن سبقوه من قادة المجاهدين وقد اصبحت في عهده دولة الخلافة التي ارهقت النظام العالمي ما بين مؤتمرات وتحالفات وأذلت دول كنا نظنها عظمي بتحالفاتها وجيوشها وحشودها منذ اعلان عودة الخلافة الى اليوم ووضعت تلك الدول في حجمها الطبيعي دون افك ولازور حتي اصبحت امريكا وروسيا وحلفاء اكثر من ستين دولة يتكلمون على انتصارات في احياء وقرى لم نكن نسمع بها ولم يكتمل لهم نصر بعد

    محمود الشمري

    ·منذ 6 سنوات 10 أشهر
    داعش نظام مخابراتي اشتغل جهل وسذاجة المناطق السنيه وتغلفل فيها عن طريق ساكني القرى والارياف لقلة علمهم في الدين والسياسه لذلك لو عملت احصائيه لوجدت ان الغالبيه العظمى من الجهلة القرويين الذي اغراهم وغسل ادمغتهم \\تهم بالجنه والحور العين فتراهم يصدقون هذه الامور ويحاول اثارة العاطفه عندهم بعرض انتهاكات في حقوق السنه وان جئت للحقيقه انه التنظيم قضى على اكبر العشائر السنيه في العراق وسورية وقام بتصفية رجال الدين الذي يفقهون في الدين وتدمير المدن السنيه بالكامل

    مسافر غريب

    ·منذ 6 سنوات 10 أشهر
    الإعلام الغربي مجد جيفارا لإعتبارات ظاهرها مطالب اجتماعية عادلة ونحن معها وباطنها تحييز وطائفية دينية ومناطقية بغيضة ..لقد أعجبني جيفارا لأن فيه شيء من كرامة الإنسان التي فطر الله بني آدم عليها ..إما إعلامنا المقنع فهو آخذ دور المغضوب عليهم والضالين بنفس الوقت وأنتم منهم..يكفي شرفا للعميل الذي هو بزعمكم البغدادي يكفيه بأنه حر حقيقي وليس من الأغنام في حظائر رعاة البقر أو سمكة سهلة الصيد من قبل الدب الشرقي..إننا نخاف من النواطق علماء اللسان كالمدلسين اليهود.لاحياة لمن يدلس لكن خيرا من سكوت البهائم
3

الأكثر قراءة

💡 أهم المواضيع

✨ أهم التصنيفات