الهجرات الكبرى
بدأت معاناة الشركس مع التهجير، حين شهدت منطقة شمال القوقاز ثورة شعبية، قام بها أهالي المنطقة ذو الغالبية المسلمة، ومنهم الشركس، وذلك بعد النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث قمعتها سلطات روسيا القيصرية بالحديد والنار، لتنطلق هجرات الشركس، التي تكثفت في مطلع القرن العشرين، خصوصاً أن روسيا القيصرية اتبعت سياسية الأرض المحروقة تجاه المدن والمناطق الشركسية، بهدف تنفيذ عمليات تغيير ديموغرافي، فهجرت 1.5 مليون شركسي إلى مناطق سيطرة الدولة العثمانية، بينما هاجر قسم منهم إلى سوريا والأردن وفلسطين.
الوصول إلى سوريا
وعند وصولهم إلى سوريا، سكن الشركس في 5 محافظات رئيسية، محافظة القنيطرة وهضبة الجولان، وفي دمشق وريفها، و حلب ومنبج وخناصر شمال البلاد، وبعض مناطق حمص والحسكة.
حافظ الشركس في سوريا على هويتهم وعاداتهم وتقاليدهم وممارساتهم الفولكلورية الخاصة بهم، وشاركوا كغيرهم من فئات الشعب السوري في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. الشركس والثورة تشير "لارا نوح أبزاخ" وهي من "مؤسسي المجلس القفقاسي الشركسي السوري المعارض" إلى أن الشركس كباقي مكونات الشعب السوري انقسموا بين مؤيد للنظام ومعارض، ومن غير المعروف لدى البعض بأن شخصيات شركسية شاركت ومنذ اليوم الأول في الحراك الثوري، بهدف التخلص من النظام القمعي وبناء دولة المؤسسات والقانون. وتضيف "أبزاخ" في حديث لـ"أورينت نت" أن المشاركة في الثورة كانت من خلال الحراك السلمي في بداية الأمر، وقد تم اعتقال بعض الشباب الشركس من قبل أجهزة وأفرع النظام الأمنية في اعتصام وزارة الداخلية وفي بعض المظاهرات في العاصمة دمشق. ومع تحول الثورة من الحراك السلمي إلى العسكرة، انخرطت شريحة من الشركس في الحراك المسلح، ولا سيما في القنيطرة وريف دمشق، وهنا نذكر أن كتيبة "أحرار الشركس" التابعة للجيش السوري الحر شاركت في تحرير قرية "بئر عجم" بريف القنيطرة نهاية عام2012م، في المقابل اختارت شريحة من الشركس الانضواء في صفوف قوات الأسد، وشكلت بعض اللجان المؤيدة في ريف القنيطرة وأبرزها ميليشيا "جواد أنزور" بزعامة "خالد أباظة ابن وليد أباظة". وأشارت "أبزاخ" إلى أن الشركس كباقي مكونات الشعب السوري منهم من فقدوا بيوتهم وأعمالهم ليجدوا أنفسهم أمام خيارين، إما النزوح داخلياً أو التهجير مجدداً إلى بلاد جديدة، في حين اختار قسم منهم العودة إلى مسقط رأس آبائه وأجداده، وعاد إلى جمهوريات روسيا وخاصة الإسلامية منها. تهجير جديد ومن أبرز المناطق ذات الغالبية الشركسية في جنوب سوريا هي قرى "بئرعجم، بريقة" في الجولان ، ومجموعة من القرى المحتلة من قبل إسرائيل مثل "المنصورة، عين زيوان، السلمانية، الخشنية، الجويزة". "أبو الوليد" نائب رئيس مجلس محلي سابق لقرية "بئر عجم" يؤكد لأورينت نت أن "الشركس في قرى البريقة وبئرعجم والقحطانية في القنيطرة، هجروا بالكامل ولم يبق في الجولان سوى مدينة البعث يتواجد فيها بعض الشركس". يضيف "أبو الوليد" أن الشراكسة في منطقة "مرج السلطان" الواقعة في ريف دمشق الشرقي هجروا أيضاً، وأن الحال لم تكن أفضل في مدينة خناصر الحلبية وكذلك في قرى حمص وحماة، إلا أنه أكد "عدم وجود إحصائية دقيقة لعدد المهجرين". من جانب آخر، يشير الناشط السوري الشركسي "نارت عثمان تسي" إلى أن أعداد الشراكسة الذين دخلوا الى تركيا تجاوز ٤٠٠٠ شخص، نحو نصفهم توجه إلى البلدان الأوروبية، في حين لا توجد إحصائية دقيقة لأعداد الذين عادوا إلى أرض أجدادهم في شمال القوقاز، حيث يواجهون هناك أيضاً حاجز اللغة، باعتبار أن اللغة الروسية هي اللغة الرسمية هناك، ما دفع البعض إلى صرف النظر عن التوجه إليها، والاستعاضة عنها بالسفر إلى الأردن أو تركيا نظراً إلى وجود نسب عالية من الشركس في هذين البلدين.
التعليقات (1)