الأسد بطل المحرقة

الأسد بطل المحرقة
يبدو أنه ليس هناك حدود لجرائم نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، وقد برهن، منذ بداية الثورة الشعبية في ربيع 2011، أنه فنان جريمة بامتياز، استطاع أن يتجاوز كل المجرمين والأشرار في التاريخ. حين بدأ باستخدام براميل الديناميت التي يلقيها من طائراتٍ مروحيةٍ، ظن الناس أن هذا الاختراع سيكون أقصى ما يمكن أن تصل إليه صناعة الجريمة، ولكنه فاجأ العالم بعد زمن وجيز بسلاح جديد، هو ضرب التجمعات البشرية بالألغام التي تنفجر ما أن تلامس الأرض، وهي ألغام مصممةٌ ضد السفن والآليات الحربية، وكان هدفه من ذلك إلحاق أكبر قدر من الضحايا البشرية والدمار في العمران والبنى التحتية، الأمر الذي يفسر فظاعة الصور الفوتوغرافية لمدينة حلب التي انتهى القسط الأكبر منها كأنه تعرّض لزلزال.

لم يوفر النظام السوري معارضاً له، وطاول أذاه حتى الذين يعتبرهم من المعتدلين. بدأ سياسة التصفيات الجسدية منذ الشهر الأول للثورة، وقبل أن يدخل السلاح إلى مسرح الأحداث، وكان أن باشر حملة اعتقالاتٍ ضد النشطاء السلميين من التنسيقيات التي كانت تنظم مظاهراتٍ، وتم قتل الناشط الشاب غياث مطر ابن داريا وهو يوزّع الورد والماء والخبز على حواجز المخابرات. جرى اعتقاله يوم 6 سبتمبر/ أيلول 2011، وتم تسليم جثمانه بعد أربعة أيام، وآثار التعذيب بادية عليه. وفي هذه الفترة، على ما يبدو، لم يكن قد بدأ النظام ما أسماه تقرير منظمة العفو الدولية، أخيراً، المسالخ التي يتم فيها ذبح المعتقلين، وهو ما وثقه "قيصر" في الصور التي هرّبها من داخل سجن صيدنايا.

وفي الوقت الذي لازلنا تحت صدمة تقرير وزعته الأمم المتحدة قبل أيام عن العنف الجنسي ضد السوريات، وهو ما لم يرد في أي تقرير أمميٍّ من قبل، حتى بتنا اليوم أمام محرقةٍ تحيل مباشرة إلى جرائم النازية ضد اليهود في معسكرات الاعتقال في الحرب العالمية الثانية، ومنها أوشفيتز السيئ الصيت. ونحن نتأمل ذلك، لا نمتلك الجرأة للقول إن هذا هو منتهى الجريمة، فربما فاجأنا عباقرة الجريمة الأسدية بفن جديد للقتل . 

حديث المحرقة جاء في تقريرٍ للخارجية الأميركية، يعبر عن صحوة أميركية متأخرة، ولكن حصولها متأخرةً أفضل من عدم حصولها، وحتى يكون لها تأثير يجب أن تترجم إلى ضغطٍ على النظام وروسيا من أجل وقف الجرائم على الأقل، والإفراج عن قرابة 200 ألف معتقل، منهم حوالى 20 ألف امرأة وطفل، وإذا أرادت الولايات المتحدة أن تذهب أبعد من ذلك، لن يوقفها أحد، وهي ليست بحاجةٍ لمن يوجهها نحو الطريق المناسب، فهي تعرف أن القانون الدولي والعدالة هما الحل المناسب، وحتى يتم إنصاف الضحايا يتوجب إنشاء محكمةٍ دوليةٍ خاصةٍ لمحاكمة الضالعين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وعلى رأس هؤلاء الأسد وأركان نظامه ومن دعمه في حربه ضد الشعب السوري، وخصوصاً المليشيات الطائفية، وفي مقدمها قيادات الحرس الثوري الإيراني.

أحسن وفد الهيئة العليا للمفاوضات بطرح قضية المعتقلين على اجتماعات جنيف، وهو عن هذا الطريق يرفعها إلى مستوى القضايا الأخرى التي يتم التفاوض حولها مع وفد النظام، ولابد أن يذهب الأمر إلى تحقيق دولي يتم من خلاله الضغط على روسيا ونظام الأسد من أجل فتح أبواب سجن صيدنايا أمام لجنة تحقيق دولية للكشف عن وضع السجن والانتهاكات التي جرت داخله.

إذا لم تجرِ محاكمة علنية لهؤلاء المجرمين، فإن الإنسانية سوف تصاب بجرح عميق، لن تشفى منه على مر التاريخ، ولن يقف الأمر عند لعنة التاريخ للذين لم يتحركوا من أجل نجدة البشر العزل، بل سيتجاوزها إلى خلل في الضمير الإنساني، وسقوط الأخلاق والعدالة والقيم وحقوق الإنسان.

التعليقات (0)

    0

    الأكثر قراءة

    💡 أهم المواضيع

    ✨ أهم التصنيفات